لم يتبق شيء من الصورة الشاعرية للنيل الممتد على مسافة 6 آلاف و500 كيلومتر ويبرز في التراث الفرعوني نهرا أسطوريا، فهناك مخاوف تمتد من مصر حتى أوغندا بعد تسجيل انخفاض في منسوب “النهر العظيم”.
ويؤمّن النيل -الذي كان الفراعنة يعدّونه شريان الحياة- استمرار ملايين من سكان القارة الأفريقية، لكن مع التغير المناخي المصحوب باستغلال البشر لهذا المجرى المائي الكبير، بدأ العد العكسي لثاني أطول أنهار العالم.
وخلال 50 عاما، انخفض منسوب النيل من 3000 متر مكعب في الثانية إلى 2830 متر مكعب، أي أقل 100 مرة عن منسوب نهر الأمازون.
ومع انخفاض معدل الأمطار وزيادة موجات الجفاف في شرقي أفريقيا، قد يتراجع منسوب النيل الذي يمتد حوضه على 10% من مساحة أفريقيا، ويشكل موردا أساسيا لنحو 500 مليون شخص بنسبة 70%، وفقا لأكثر توقعات الأمم المتحدة تشاؤما.
هل تختفي بحيرة فكتوريا؟
وفي الدلتا، قضم البحر المتوسط سنويا من 5 إلى 75 مترا من الأراضي الساحلية منذ ستينيات القرن الماضي، وإذا ارتفع مستوى البحر مترا واحدا فإن المياه ستغمر 34% من هذه المنطقة الواقعة في شمالي مصر وسيضطر 9 ملايين شخص إلى النزوح، حيث إن دلتا النيل واحدة من أكثر 3 مناطق في العالم عرضة للتغير المناخي.
أمّا بحيرة فكتوريا -أكبر مصدر مياه لنهر النيل- فإنها مهددة بسبب انحسار الأمطار والتبخر والتغيرات البطيئة في محور الأرض، وقد تختفي هذه البحيرة يوما ما.
وتؤجج هذه التوقعات إسراع الدول إلى استغلال مياه النهر، وتعجل السدود -التي شُيدت على النيل على مر السنين لهذا الغرض- من كارثة متوقعة.
لم يعد مرتفعا
في صور جوية، لم يعد يظهر مصبا نهر النيل -كانا قبل عقود مرتفعين بشكل ملحوظ عن سطح البحر- عند مدينتي دمياط ورشيد حيث يلتقي فرعا النهر بالبحر المتوسط، وعلى الأرض يتكسر موج البحر بعنف فوق أراض زراعية مما يؤدي إلى انخسافها.
وفي دلتا النيل، غمرت مياه البحر أراضي اليابسة بعمق 3 كيلومترات بين عامي 1968 و2009، ويغطي الرمل والمياه نصف الحوائط الأسمنتية التي أقيمت لمنع مياه البحر من التقدم.
ويعجز المنسوب الضعيف للنيل عن التصدي للبحر الذي يرتفع مستواه باستمرار مع ارتفاع درجة حرارة الأرض (15 سنتيمترا خلال القرن العشرين).
أما الطمي الذي كان على مدى آلاف السنين يشكل حاجزا طبيعيا، فلم يعد يصل إلى البحر بل يبقى محتجزا في جنوبي مصر منذ بناء سد أسوان في الستينيات للتحكم بمنسوب النهر.
وإذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع، سيتقدم البحر المتوسط 100 متر كل عام في الدلتا، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وقد يبتلع البحر المتوسط على المدى الطويل 100 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في الدلتا الواقعة على أقل من 10 أمتار فوق سطح البحر، وفق برنامج الأمم المتحدة للبيئة.
وسيشكل ذلك كارثة لشمالي مصر الذي ينتج من 30% إلى 40% من المحاصيل الزراعية في البلاد.
وتوقعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ في الأمم المتحدة أن يؤدي التبخر الناجم عن الاحترار المناخي إلى انخفاض منسوب النيل بنسبة 70%، وتراجع نصيب الفرد من المياه بنسبة 75% بحلول عام 2100.
ويؤكد خبراء الهيئة الأممية أن الفيضانات والأمطار الغزيرة التي ستهطل على شرقي أفريقيا خلال العقود المقبلة لن تعوض سوى 15% إلى 25% من هذه الخسارة.
ويشكل النيل في الدول العشر التي يعبرها مصدرا رئيسيا للمياه والطاقة، ويعتمد سكانها بشكل أساسي على الأمطار والنهر، فالسودان -على سبيل المثال- يوفر نصف ما يستهلكه من كهرباء من الطاقة الكهرومائية، أما في أوغندا فتصل هذه النسبة إلى 80%.
ويحذّر خبراء من أنه “إذا ندرت الأمطار، فإن مستوى بحيرة فكتوريا سيهبط وبالتالي منسوب النيل سينخفض”، وخلال السنوات الأخيرة كانت هناك مواسم جفاف على فترات أكثر تقاربا وأكثر حدة.
وأشارت دراسة أُجريت عام 2020، أعدها 6 باحثون من جامعات أمريكية وبريطانية استنادا إلى معطيات تاريخية وجغرافية خلال 100 ألف سنة الأخيرة، الى أن بحيرة فكتوريا قد تختفي بعد نحو 500 سنة.
وتقبع دول حوض النيل (مصر والسودان وبوروندي وجمهورية الكونغو الديموقراطية وإثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وجنوب السودان وتنزانيا) في ذيل تصنيف الدول القادرة على مواجهة آثار التغير المناخي، وفق خبراء.
ويقول مختصون إن “تأثير ارتفاع درجة حرارة الأرض سيكون هائلا، فإذا كانت هناك أمطار نادرة ولكن غزيرة فسنكون معرّضين للفيضانات، وإذا بقينا فترات طويلة بلا أمطار فستقل مواردنا من المياه”.