ماذا خسرت الشعوب العربية والإسلامية بتغييب الإسلاميين خلف الأسوار، وفي القبور، وتهجيرهم قسراً إلى خارج الأوطان؟
سؤال طرحناه على كوكبة من المهتمين والدعاة في بعض الدول العربية والعواصم الأوروبية؛ لعلنا نضع أيدينا على ما خسرته تلك الشعوب من تغييب الإسلاميين قسراً عن المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والدعوي بشكل عام.
وقد اتفقوا جميعاً على أن خسائر الشعوب العربية والإسلامية كانت كبيرة جداً وباهظة الثمن، خاصة أنها لم تقف عند المجال الديني والقيمي، بل تعدته إلى السياسي والاقتصادي والاجتماعي..
كانت البداية من برلين، حيث أكد رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا الشيخ طه سليمان عامر أن الأمة تحتاج المعلم المربي، والعالم الرباني، والداعية الصادق، والطبيب الرحيم، والمهندس الأمين، والسياسي الشريف، والحقوقي المناضل، والإعلامي النزيه، والاقتصادي الثقة، والقوي الأمين في مهمته؛ فهؤلاء جميعهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والقائمون لله بالقسط.. وقد جسَّد الإسلاميون بوجه عام هذه النماذج مجتمعة في دول كثيرة، وبغيابهم عن ساحة العلم وميدان الدعوة ومجالات التعليم والتربية والتهذيب تراجعت الأخلاق، وكثرت الجريمة، وزاد الفقر، وانجرفت القيم، وتدحرجت الأخلاق، وانتشر الإلحاد، وضعف العمل الأهلي، بل اقترب من التلاشي.
كما أدى غياب الإسلاميين في بلاد «الربيع العربي» وما حولها إلى اجتراء الأقزام على جناب الشريعة، وبدعوى تجديد الخطاب الديني تطاول الجهال على السُّنة النبوية والتراث الإسلامي، والاستهزاء بالرموز الإسلامية والتهوين من شأن التدين، وتقديم أهل الخلاعة والمجون على أنهم قدوات، وعمَّ الظلم الأقطار؛ وهنا تتجسد مقولة ابن خلدون الشهيرة: «إن الظلم مؤذن بخراب العمران»، وهي لم تتجاوز السنن الإلهية والحقائق التاريخية التي أشار إليها القرآن الكريم في قصصه حول سقوط الأمم وخراب البلاد بسبب شيوع المظالم واغتيال الحريات.
وقال الداعية الألماني: لقد عمَّ الظلم البلاد، وفي بلدان عديدة قُتل فيها خيرة العلماء والدعاة، وخلف أسوار الظالمين يقبع عشرات الألوف من المعتقلين من الإسلاميين أصحاب العقول التي تبني الأمم وتنهض بالعمران وتنشر الخير كما تنشر الشمس أشعتها.
وأضاف عامر أنه تم تأميم المنابر بعد إقصاء ألوف من العلماء والدعاة الصادقين الصادحين بالحق، فأصبحت خطبة الجمعة مادة لا روح فيها، ومضموناً خالياً من الرسالة الحقيقية.
وحول تأثير تغييب الإسلاميين على المسلمين بالغرب، أكد رئيس هيئة العلماء والدعاة بألمانيا أنه بعد الانقلابات على الحريات تحولت أنظمة دول عربية صوب مسلمي الغرب، ودفعوا أموالاً طائلة لحكومات ووزراء، وتم شراء صحفيين في العديد من الدول الأوروبية وقنوات وإعلاميين، ورشى في الحملات الانتخابية؛ من أجل التضييق على المسلمين في الغرب، وتجفيف منابع الدعم المالي، ومحاصرة المؤسسات الإسلامية العاملة على الساحة الأوروبية، وتأليب الحكومات عليها، بل وصل الأمر أن حكومات أوروبية طلبت من دول عربية ألا تدفع تبرعات للمؤسسات الإسلامية إلا عن طريقها هي، ولها أن تعطي من تشاء وتمنع عمن تشاء.
غياب الأخلاق
ومن المغرب العربي، يؤكد د. محمد طلابي، المفكر الإسلامي المغربي، عضو المكتب الدائم للمنتدى العالمي للوسطية، أن إحدى النتائج السيئة والمرة لانكسار الربيع الديمقراطي في المنطقة العربية هو خروج الإسلاميين من دفة الحكم ومن الإدارة، وهذه فيها جوانب كثيرة من خسارة للشعب العربي المسلم، وطبعاً أهم خسارة هي أنه على الأقل حتى وإن لم يمتلك الإسلاميون الكفاءة السياسية في الإدارة، فقد كانوا يمتلكون الأخلاق والأمانة.
وأضاف د. طلابي أن إحدى الدعائم الكبرى للفساد والفقر والجهل والأمية والتخلف في بلادنا هو الفساد المالي؛ حيث يتم سرقة مئات ملايين الدولارات من قوت الشعوب لصالح الفاسدين؛ ولذا فأول خسائر شعوبنا من إبعاد الحركات الإسلامية هو عدم محاصرة الفساد المالي الجاري؛ لأن الإسلاميين ليسوا فاسدين ولا مفسدين، وهذا الصلاح ركن أساسي للتنمية، ومحاربة الفساد المالي والأخلاقي يُعد دعامة أساسية للتنمية المستدامة.
وأضاف المفكر المغربي أن غياب الإسلاميين وإن لم يكونوا ذلك «القوي» إلا أنهم «الأمين» من الناحية الأخلاقية، فالاتجاه العام أنهم ملتزمون بدينهم وبأخلاق هذا الدين، وهو ما يجعل غيابهم خسارة للمنظومة الأخلاقية والسلوكية.
وعلى صعيد الفساد السياسي، فإن مشاركة الإسلاميين في الحكم إلى جانب الوطنيين العلمانيين يساعد على مزيد من الإصلاح الديمقراطي في المنطقة العربية والإسلامية؛ فتغييبهم عن الإصلاح والإدارة يعني مزيداً من الفساد السياسي وتركيز السلطة في يد الطغاة والغزاة والغلاة داخل المنطقة العربية، وهذا كله لا يخدم مصلحة الشعب العربي المسلم في النهضة والتنمية في مقبل العقود.
عوامل خارجية وداخلية
من جهته، يرى المفكر الفرنسي فرانسوا دي بورش أن عقوداً من الدكتاتورية والاستبداد أنتجت فراغاً سياسياً كبيراً وغياباً ظاهراً لصناعه الرأي وقادة التغيير، وظهرت هذه الحركات الإسلامية في كثير من الأحيان كفاعل سياسي وحيد أمام هذه الكيانات الدكتاتورية التي لا تستطيع أن تصمد دون تقديم عدو مثالي تحذر منه وتثبت خطورته، ودون دعم من القوى الإقليمية والدولية التي تسعى للحفاظ على مصالحها ولو تغاضت عن كل الانتهاكات الجسيمة للحقوق السياسية والمدنية للشعوب، وفي المقابل كان خطاب الإسلاميين تغلب عليه لغة الحل الشامل والإسلام هو الحل.
وأضاف دي بورش أن غياب أو تغييب الإسلاميين عن الساحة نتاج عوامل خارجية وداخلية، بعضها موضوعية وأخرى ذاتية، مشيراً إلى أن ما حدث بعد انهيار «الربيع العربي» سيساهم في إنضاج قراءة الإسلاميين لواقعهم، ولنواحي قصورهم، ولأهمية بناء الشراكات الحقيقية مع كل القوى والتيارات السياسية في أوطانهم، وألا يغتروا بالخزان الانتخابي أو باصطفاف الشارع بجانبهم؛ علَّ هذا يُحدث نوعاً من التحول الحقيقي باتجاه بناء ثقافة ديمقراطية ومشاركة سياسية حقيقية في المستقبل؛ حيث إن ما حدث هو تغييب الحرية والعدالة والديمقراطية في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدعوية والإعلامية والخيرية؛ وهو ما يعد خسارة كبيرة للشعوب العربية والإسلامية خلال العقد الأخير.
أما الشيخ سامح الجبة، المتخصص في الدراسات الإسلامية، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ويقيم في إسطنبول، فيؤكد أن أثر هذا التغييب (المتعمد من الأنظمة) كان كبيراً جداً على الأمة، حيث لم يعد هناك من يصُد ويرد عن قضاياها ومشكلاتها ويدافع عن هويتها وثقافتها بشكل صحيح؛ فعلى الصعيد الفكري والثقافي، نجد أنه انتشرت موجات الإلحاد وأفكار التشكيك في الثوابت الإسلامية، إلى جانب ثقافة اليأس والإحباط، وعلى الصعيد الاجتماعي، انتشرت موجات التحلل الأخلاقي والسلوكي، والدعوة إلى التفكك الأسري، وزادت معدلات الجريمة والبلطجة في المجتمعات العربية للأسف الشديد بسبب تغييب الإسلاميين.
وعلى الصعيد الاقتصادي، تدهورت أحوال الناس معيشياً بعد أن ازدادت معدلات الفقر والبطالة، وأصبحت حياة الناس متدنية لأقصى درجة، وقد كان لغياب الإسلاميين في ميدان العمل الخيري الأثر العظيم، حيث لم يعد هناك من يقدم الدعم للفقراء والمحتاجين، ويخفف عن كواهلهم شر العوز والفاقة؛ ما ينذر بكارثة ماحقة لهؤلاء في ظل تجاهل أنظمة الثورات المضادة.
ولفت الداعية السابق بألبانيا أنه على الصعيد الدعوي كانت الفاجعة عظيمة؛ لأنه لم يُقدَّم للناس منهج دعوي صحيح يُقوي إيمانهم ويُصحح عقائدهم بالشكل الصحيح؛ فانتشر الانتحار، وفُقِدت الثقة بالنفس، ولم يَعُد للناس طموح في العمل والجد والتمييز، بينما انتشر الفساد والاستبداد والظلم على الصعيد السياسي، وأُهدِرت مقدرات الأمة وثرواتها وحدودها مما أدى إلى ترسيخ التبعية لأعدائها.
صيحة تحذير
ومن الولايات المتحدة الأمريكية، يؤكد الداعية الإسلامي أكرم كساب أن الحديث عما خسرته الشعوب بتغييب الإسلاميين يجب أن تسبقه الإشارة إلى أثر الإسلاميين في شعوبهم، والحق أن هذا الأثر لا يستطيع أن ينكره إلا حاقد جاحد أو جاهل ساذج، ذلك أن الإسلاميين لم يتركوا مجالاً إلا وأثروا فيه، فقد كان أثرهم بارزاً في تبصير الناس بدينهم، وتمسكهم بشعائره، فضلاً عن رعاية الفقراء والمساكين، وتبصير الناس بقضايا أمتهم، ونشر الوعي، وعلى رأس ذلك ما يتعلق بالفهم الشامل للإسلام؛ الإسلام الحضاري الذي يقود ولا ينقاد، إسلام الأمة الواحدة لا القطر الواحد.
ويضيف كساب: الواقع الآن يرسل صيحة تحذير من هذا المنحدر الرهيب الذي وصلت إليه الشعوب في العديد من عالمنا الإسلامي، وبالأخص منها تلك الدول التي ذاقت طعم الحرية بعد «الربيع العربي»، وعلى سبيل المثال؛ ففي مجال الدعوة ظهر صوت الدعاة المبررين لكل ما يفعله الحكام في كل شيء، وظهرت الدعوات السلبية التي ترفع شعار «دع الملك للمالك والخلق للخالق»، وبرز وبقوة التصوف الخرافي السلبي لا التصوف الحقيقي.
وواصل الداعية الإسلامي قوله: ظهر الفقر بكل أشكاله في البلاد العربية بعد أن غابت الجمعيات الخيرية التي كان يقوم عليها الإسلاميون رعاية وعناية، وظهر التفاوت الطبقي الرهيب؛ حيث اغتنى أناس ومات آخرون كمداً وغماً، وضاعت قيمة العلم أكثر وأكثر بعد أن ظهر على الشاشات الجهلة والإمعة، وزادت نسبة العري بعد أن ازدادت السخرية من الحجاب والمحجبات، وأقيمت المسلسلات والأفلام لتشويه صورة الإسلاميين ونسائهم، كما زادت نسبة الإلحاد بعد أن فتح الباب لنقد كل شيء إلا الحاكم المستبد، فهل من حرية التعبير والكلمة أن تسب الأئمة، وترمي الفقهاء بالتخلف؟ وهل من حرية الرأي أن تنكر السُّنة، وتلعن البخاري، ومسلماً؟ هذا كله والعلماء القادرون على الرد مغيَّبون، وأعداء الإسلام تفتح لهم القنوات ليل نهار.
وأضاف كساب: لقد غاب الإسلاميون ففقدت الأمة جزءاً كبيراً من كرامتها وعزتها، فازداد قهر المسلمين في الشرق والغرب؛ كما في ميانمار وكشمير وتركستان الشرقية، وازداد قهر أهل السُّنة في اليمن والعراق وسورية ولم نسمع صيحات التحذير كما كنا نسمعها من قبل، بل وإن القضية الفلسطينية تمر بأسوأ أيام لها بعد أن غاب المدافع الأول عنها من شباب ورجال ودعاة الإسلاميين، فضُيِّق على أهل فلسطين بما لم يكن من قبل، بل وبات الحديث عن القضية الفلسطينية في بعض البلاد الإسلامية مما يعاقب عليه فاعله!
اليوم الموعود
ومن لبنان، يقول المسؤول السياسي السابق للجماعة الإسلامية في طرابلس إيهاب نافع: إنه لا يزال العالم العربي يعاني من تقهقر مريع وانحدار سريع على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وغيرها خلال العقد الأخير بسبب تغييب الإسلاميين، حيث إنه ما إن برزت في مطلع القرن العشرين حركة إسلامية رائدة أدت دوراً مهماً في نهضة العالم العربي وتقدمه، إلا سرعان ما تآمر عليها الغرب بمعاونة عملائه ببلادنا العربية لإجهاضها.
وأضاف نافع أن المستبدين العرب يقمعون الحركات الإسلامية بدعم غربي، ويشوهون صورتها بالأكاذيب عبر إعلامهم المأجور لإفساح المجال للحركات المشبوهة لإبعاد الشعوب العربية عن كل ما يربطهم بالإسلام، ولكن ما إن تركت مساحة من الحرية للشعوب العربية حتّى انتفضت على واقعها المرير واختارت الإسلام وأحكامه خياراً وحيداً لها، وبدأ العالم العربي يستعيد دوره شيئاً فشيئاً، ووقفت مصر بإدارة الشهيد الرئيس محمد مرسي بالمرصاد للخطط الصهيونية في فلسطين، ودعا الأمة، رحمه الله، للاكتفاء الذاتي من غذائنا وسلاحنا ودوائنا ليستعيد العالم العربي والإسلامي ريادته.
وواصل القيادي بالجماعة الإسلامية بلبنان أن الغرب انقضّ بكل ما أوتي من قوة وعبر أدواته التنفيذية المتمثلة في الحكم العسكري؛ ليقوّض هذه التجربة الرائدة وليقضي على حلم الشعوب العربية والإسلامية بالتحرر، لتخسر أمتنا الكثير بسبب الثورات المضادة لـ»الربيع العربي»، وتختفي كثير من الإنجازات التي حصلت على يد الإسلاميين، ويصاب العمل الخيري والاجتماعي بالشلل ويتوقف بحجج أمنية واهية، كما بدأت الحركات الهدامة من جديد ببث سمومها من إلحاد وشذوذ جنسي وأفكار تخريبية بعد تغييب الحركات الإسلامية، حتى بدأت الشعوب تستشعر أهمية هذه الحركات وتعرف قيمتها، وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر.
الطامة الكبرى
في حين، يؤكد البرلماني المصري السابق الكاتب د. محمد عماد صابر أن الشعوب العربية والإسلامية خسرت الكثير بتغييب الإسلاميين؛ فقد خسرت حكاماً كان هدفهم المستقبلي تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية، ولم يكتفوا بالتشدق وتوفير الأسلحة الفاسدة كغطاء للهزيمة، وقال: إن خسائر الشعوب العربية متعددة؛ فعلى الصعيد السياسي تم اعتماد الفجور السياسي كوسيلة سياسية في المنظومات الحاكمة العربية؛ ففقدت السياسة ما تبقى من أخلاقيات كان الإسلاميون يحافظون عليها؛ فتكلس الحراك السياسي، وفقدت الشعوب الشهية للتغيير بعد فقدان القدرة على التعبير السياسي بغياب الإسلاميين.
واقتصادياً؛ خسرت الشعوب غياب المشاريع الاقتصادية لرؤوس الأموال لرجال أعمال من هذا الفصيل، وزاد الفقر والفساد المالي بصورة خطيرة.
واجتماعياً؛ حدث انهزام نفسي داخل المجتمع واهتزاز وسقوط القيم المجتمعية المحافظة، وشيوع الرذائل المجتمعية والأمراض النفسية، وتدمير البنية التحتية للشبكات الاجتماعية التي عملت في مجال العلاقات الأسرية، بعد تغييب الناشطين في هذه الشبكات سواء بالاعتقال أم السفر إلى الخارج خوفاً من المطاردة الأمنية، أم الامتناع عن المشاركة في الحياة العامة.
ودعوياً؛ تسبب غياب الإسلاميين في انهيار مسار الدعوة الوسطية لصالح انحلال شديد أو تشدد مقيت، وتلك هي الطامة الكبرى.
وأضاف: كما أن شعوبنا خسرت الكثير نتيجة غياب منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية، والاتحادات الطلابية والأحزاب السياسية، والإعلام الحر وعسكرة الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بلادنا.
مستقبل العمل الاجتماعي
ومن لندن، يؤكد د. شكري مجولي، المنسق العام لهيئة علماء ودعاة تونس في أوروبا، أن العمل الاجتماعي جزء لا يتجزأ من ثقافة الحركة الإسلامية، يرتكز على قواعد صلبة من عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، وقد شكلت الحركة منظومة معرفية واسعة المدى من الأعمال التطوعية لدى نخبة من أبناء المجتمع، وتُعد جماعة الإخوان المسلمين في مصر رائدة العمل الاجتماعي، وهو أحد مصادر القوى الرئيسة لشعبيتها؛ نظراً لقدرتها على تنفيذ سلسلة من الخدمات الاجتماعية لصالح الفقراء والمساكين، في ظل غياب دور الدولة المركزية تجاه هذه الطبقة من المجتمع؛ وذلك من خلال إقامة المشاريع الاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والفكر، وحلت أنشطة الإسلاميين الخيرية والمجتمعية محل الدولة وليس مساعداً لها.
وأوضح أنه بعد انقلاب 3 يوليو 2013م بمصر أغلق الجيش مئات الجمعيات الإسلامية والمؤسسات الخيرية التابعة للحركة الإسلامية لا سيما جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجمعيات المجتمعية الأخرى، حتى تجاوز عدد الجمعيات المغلقة 1033 جمعية مختلفة الأنشطة.
وأشار مجولي إلى أن الحكومة فشلت في إدارة الجمعيات الخيرية، وحرمت الطبقة الفقيرة والأشد فقراً، رغم أنها استولت على كافة موارد الحركة الإسلامية؛ ما تسبب في إغلاق المؤسسات الخيرية بسبب الفساد المالي وسوء إدارة اللجان المشرفة، فضلاً عن توقف تبرعات أعضاء الجماعة وأنصارها والمتعاطفين معها التي كانت تدعم هذه المؤسسات، بالإضافة إلى حرمان الشعب المصري من مساهمات الحركة الإسلامية في مساعدة وعلاج الفقراء ورعاية الأيتام والأرامل وتزويج الفتيات في محافظات مصر، واختفاء نظام الكفالات الشهرية لأسر المحتاجين، وأنشطة تزويج الفقيرات وتجهيزهم، وتوفير نفقات العلاج للفقراء سواء بالمعونات المادية أو عبر المؤسسات الطبية للجماعة، وتمويل مستوصفات خيرية خاصة تقوم بالكشف الطبي على الفقراء نظير أجور رمزية، إضافة إلى تسيير قوافل طبية لعلاج الفقراء في المناطق النائية يُنظمها أطباء الإخوان.
غياب الرعاية التربوية
ويقول الإعلامي اليمني وديع عطا: إن واقع الحال يؤكد أن الشعوب العربية تأثرت كثيراً نتيجة غياب الإسلاميين خصوصاً في مجال العمل الاجتماعي والتربوي فضلاً عن الخيري؛ فبالنظر إلى حال الناس في كل من مصر واليمن، على سبيل المثال، فإن ظروف آلاف الأسر تضررت كثيراً بسبب توقف برامج الدعم والرعاية الإنسانية التي كانت منتظمة إلى حد كبير عبر الجهات واللافتات الخيرية التي كانت إلى جانب وظيفتها الإنسانية تقوم بدور الرعاية التربوية لأبناء الأسر الفقيرة خصوصاً الأيتام منهم.
ويضيف أنه ما من شك أن الفراغ الذي تركوه في العمل الخيري والتربوي والإصلاح الاجتماعي لا يمكن ملؤه إلا بعودتهم؛ نظراً لخبرتهم الفريدة في إدارة هذه الملفات التي يشهد لهم الجميع بالتفوق فيها، ويمكن إدراك ذلك من خلال التعرف على ما آلت إليه أحوال الأحياء والمناطق السكنية التي كانوا فيها قبل أن يضطروا لمفارقة بلدانهم لظروفٍ قاهرة.
بينما يقول د. أشرف عبدالغفار، القيادي بنقابة أطباء مصر سابقاً: لقد خسرت الشعوب الكثير بتغييب الإسلاميين في مجالات العمل الاجتماعي ومحو الأمية ونشر فكرة التعاون بين الناس، وإنشاء معاهد لتدريب العاطلين عن العمل تدريباً مهنياً، وكذلك كافة دروب العمل الخيري الذي لا يتقنه إلا من يؤديه ابتغاء وجه الله في مساعدة المحتاجين أو الأيتام أو الأرامل أو أصحاب الاحتياجات الخاصة، فضلاً عن بناء المعاهد وإنشاء المدارس والمشافي والعيادات الخيرية المجانية بكل التخصصات وبكافة الأجهزة الطبية للفحص والعلاج مجاناً أو بأسعار زهيدة؛ فإذا غابوا ظهرت أيديولوجيات منحرفة تستغل هذه المساعدات لحرف الناس عن الفطرة السليمة.
ويؤكد عبدالغفار أن الشعوب خسرت كذلك في مجالات العمل السياسي والاقتصادي بغياب المنافسة الحزبية النظيفة التي يحاول الإسلاميون فرضها، وكذلك وجودهم يساعد في مراقبة أداء الحكومات بدلاً من تمرير «مصائب» في التشريع والرقابة بموافقة مجالس صورية ليس لها إلا أن تنفذ قرارات الحكام؛ لأنهم هم من أتوا بهم، فغياب الإسلامين عن المجال السياسي يعني غياب المعارضة الحقيقية المخلصة الساعية لتحقيق سلامة الوطن واستقلال أراضيه والارتفاع به إلى القمة.
الشيء نفسه في الاقتصاد، فإذا وجد الاقتصاديون الإسلاميون أوضحوا عظمة الاقتصاد الإسلامي في إيجاد الحلول الناجعة لرخاء الوطن والمواطن؛ بينما تغييب الإسلاميين في مصر وغيرها عن كل الساحات أدى إلى انهيار البلاد سياسياً واقتصادياً، وأصبحت على حافة الإفلاس، وانهارت أخلاقياً وقيمياً، وضاع التكافل الاجتماعي.
ومن السودان، يوضح د. محمد ضوينا، الأستاذ بجامعات السودان وتركيا، أن الشعوب العربية خسرت كثيراً من الكرامة والقيم والعزة والهيبة والسيادة والدين، ولم يكن هناك سبيل ولا مجال لتحقيق ذلك إلا بتغييب الإسلاميين المتعمد والمقصود؛ حيث تعمدت جهات بعينها تغييب الإسلاميين، وفي ذلك خسرت ملايين الدولارات ثمناً للعملاء المنفذين من بني جلدتنا؛ مدنيين وعسكريين وأحزاباً، وجميعهم استخدم لإضعاف الإسلاميين وإبعادهم بوسائل كثيرة، منها الانقلابات العسكرية.
ويضيف د. ضوينا أن الثورات المضادة كانت مدخلاً لاحتلال الفكر والإرادة والقرار في بلادنا العربية للأسف، فضلاً عن الافتراء على الإسلاميين باتهامهم بالإرهاب كذريعة لتدخل القوات الدولية، أو قيام العسكري العربي بتصفية الإسلاميين واعتقالهم وتشريدهم؛ بهدف استبدال العلمانية بالإسلام، والخضوع بالكرامة، والهوان بالعزة، والوصاية بالسيادة، والانكسار بالهيبة، ونهب الثروات بالوطنية؛ فيحدث انحلال المجتمع وتذوب أخلاقه وتذهب ثرواته ويتم إعادة احتلاله فكرياً وسياسياً ويخلو الوطن العربي للأعداء، وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود المد الإسلامي المتدفق، فكان لا بد من إزالة العظماء ليحيا وكلاء الاستعمار الجديد.
ومن السويد، يقول معاذ عبدالكريم، الناشط السياسي المصري أحد شباب ثورة 25 يناير: إن الإسلاميين مارسوا أدواراً مختلفة على المستوى الاجتماعي والسياسي والمدني والديني، وبالتأكيد فإن تغييبهم عن المجتمع أمر مقصود ومتعمد، وله أثر سلبي على المجتمع المصري؛ فهم كانوا يقومون بدور اجتماعي وأهلي في كل قرية ومدينة وحي في مصر من خلال نشاطات الجمعيات في دعم الأسر الفقيرة، وتربية النشء والشباب على القيم الإسلامية المصرية، ونبذ كل أشكال الانحراف السلوكي والفكري، وبغيابهم انتشرت المخدرات بين الشباب والسلوكيات المنحرفة وغير المشروعة، واختفت روح التكافل ومساعدة الفقراء، وطغت أخلاقيات الأنانية والفردية والجشع.
ويختم قائلاً: في تقديري، إن بناء الإنسان المتكامل في المجتمع لا يحتاج فقط إلى الدعم المادي أو الاحتياجات الحيوية كالمأكل والمشرب، ولكن يحتاج أيضاً لبناء العقول والتربية؛ ليكون مستعداً لمواجهة التحديات وبناء جيل له هوية إسلامية ورسالة سامية تجاه مجتمعه ونفسه ودينه.