إن قيمَنا دينُنا، وديننا قيمُنا.
الجَد والأبناء والأحفاد كلهم كانوا يتابعون أخبار كأس العالم في دولة قطر، والجَد الداعية الرباني يلتقط المواقف ويعلق عليها تعليقاً تربوياً مناسباً للحدث والموقف، ويضفي روح الدعابة والمرح والبهجة، ليوصِل المستمعين لحديثه والمشاهدين للأحداث بقيم الإسلام العظيمة، التي يرى طرفاً منها خلال نقل أحداث المونديال في دولة قطر!
قيمة النظام
لقد أقبلت جماهير العالم إلى دولة قطر، فكانت أمورهم تسير بانسيابية وسهولة ويُسر من حين نزولهم أرض المطار إلى مكان إقامتهم وجولاتهم في معالم الدولة السياحية وتنقلاتهم في أحدث وسائل المواصلات، وكل ذلك بدقة في الوقت وصولاً وإقلاعاً مما يشهد بنظام محكَم ودقيق.
ويتوجه الجَد لأبنائه وأحفاده: نحن بحاجة متجددة إلى النظام في جميع شؤون حياتنا؛ لأن الفوضى والارتجالية لا تحقق أهدافاً ولا توصل لغاية سديدة رشيدة!
والإسلام دينٌ قائم على نظام دقيق في شعائره وعباداته ونظمه وتوجيهاته وقيمه وأخلاقه.
قيمة النظافة
وكان الجَدُّ متأثراً جداً بحركة الجمهور الياباني الذي تكفل بنظافة الملاعب والمدرجات، وقد حمل بيده أكياساً وتحول إلى مجموعات عمال نظافة، وعندما سئل عن ذلك قال: نحن تعودنا ألا نترك وراءنا مخلَّفات، ووجّه الجَد كلامه للحاضرين: كم نحن بحاجة إلى العناية بنظافة الطرق والمدرسة والجامعة والمعهد والجمعية والوزارة والبيت.
ويجب ألا ننتظر الخادمة أو العامل كي ينظف ويزيل الأوراق أو بقية طلباتنا من المطاعم، وألا نرمي المخلفات من سياراتنا أو نتركها في الممرات والطرق متعمدين ومستنكفين عن النظافة!
قيمة التعارف
ما أجمل قيمنا حين تنبع من قرآننا صافية عذبة رقراقة! (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 13).
يوجِّه الجَد الداعية الرباني انتباه أبنائه وأحفاده لأهمية التعارف بين بني البشر حتى يَألفوا ويُؤلَفوا ويتعاونوا على الخير ويأمنَ بعضهم بعضاً!
والتعارف يهيئ الناس كي يستمع بعضهم لبعض باهتمام واحترام، وهذا ما كان يحدث بين كثير من الإعلاميين العرب والمسلمين وغيرهم من مختلف اللغات والأديان.
وطلب التعارف رسالة تقدير واحترام ورغبة في التعاون، وربما تعبير لاستعداد لتقديم مساعدة عندما يطلبها الآخر.
قيمة السلام والأمن
أيها الأبناء الأعزاء الكرام، إن قرآننا وإسلامنا مفعمٌ بمعاني السلام؛ وهل يعمر الكونُ إلا بالسلام والنظام والاحترام؟ وهل تستمر الحياة إلا بالتعايش وقبول الآخر وحسن الجوار؟
لقد كان المونديال في دوحة العرب تصويراً وتعبيراً لعالمنا في عصر العولمة عصر القرية الواحدة؛ من حيث تقارب البشر وتواجدهم وتواصلهم وتعارفهم وتآلفهم.
ولعل هذه القيم أصول المنهج المدني في القرآن الكريم، فعند وصول الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنورة أسَّسَ هذا المنهج وبيَّنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي وصححه، وابن ماجه)، ومفهوم السلام أن يأمن الناس على دمائهم وأموالهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «المؤمنُ مَن أَمِنَهُ النَّاسُ علَى أَموالِهمْ وأَنفُسِهمْ، والمُهَاجِرُ مَن هجرَ الخَطايا والذُّنوبَ» (صحيح ابن ماجه)، ثم أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم أول دستور مدني في العالم وهو وثيقة المدينة المنورة.
قيمة السمت الحسن والالتزام بالهُوية
أيها الأبناء والأحفاد، إن العالم الراقي ليحترم ويقدر من يلتزم دينه وهُويته ومبدأه؛ لقد تفاعلت الجماهير بحب وإيجابية مع «الغترة والشماغ» العربي الخليجي، بل إن «البشت» اليوم أصبح موضة في بعض بلاد أوروبا، ولقد جربتْ كثير من نساء الغرب الحجاب واضعة إياه على رأسها!
بل إن الكثير أُعجب بالقرآن والإسلام فنطق الشهادتين، وبعضهم انبهر بصوت الأذان ومشاهدة المصلين في المسجد، والبعض أعلن ارتياحه بمنع الخمور.
إن ديننا دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وصدق الله: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (الروم: 30).
قيمة حسن التعامل وكرم الضيافة
أيها الأبناء والأحفاد الأعزاء، لاحظ الناس والجماهير في مونديال الدوحة حسن التعامل وكرم الضيافة ودماثة الخلق وطيب الكلمات.. كل ذلك دعاهم لقبول ما لدى أهل قطر من دين وخلق وعادات وتقاليد؛ لأن مفتاح القلوب هو حسن التعامل مع الناس عملاً وقولاً، وصدق الله: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة الآية: 83)، ومن أقوال الإمام الشهيد حسن البنا، رحمه الله تعالى: «لا تهدموا على الناس أكواخ عقيدتهم، ولكن ابنوا لهم قصراً من الإسلام السمح»، ولهذا كله ولغيره تم تكريم دولة قطر الشقيقة من قبل «فيفا» أنها أحسن دولة تم فيها تصفيات كأس العالم لكرة القدم!
قيمة الاهتمام بأمر المسلمين
أيها الأبناء الأعزاء والأحفاد الأحباب، لقد عاشت الجماهير في المونديال قضية المسلمين الأولى؛ قضية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك؛ تارة بالهتافات الجماهيرية، وتارة برفع الأعلام، وأخرى بعدم التجاوب مع ممثلي الإعلام الصهيوني؛ رفضاً ومقاطعة، لأن قضية فلسطين قضية عادلة، ومناصرتها مستحقة من كل ذي ضمير حي، ولطالما حاول الظلمة أن يوهموا الناس بالسلام والتطبيع مع الكيان الصهيوني المغتصِب، فباءت خططهم ومؤتمراتهم بالخيبة والفشل.
فليس السلام بتشجيع القاتل على القتل، والمحتل على الاحتلال، والغاصب على الاغتصاب، واعتبار كل ذلك أمراً طبيعياً، وهو ما يُسمى بهتاناً وزوراً بالتطبيع مع الصهاينة المحتلين القاتلين.
ويا أيها الأبناء والأحفاد، لقد شاهدتم أحداث المونديال الإعلامية، وكيف رفضت الجماهير التحدث مع إعلام الصهاينة ورفضتهم وركلتهم ركلاً دينياً وأدبياً وإعلامياً كما يركل اللاعب الكرة لأنه يمثل الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين والمدنس للمسجد الأقصى المبارك!
والآن، الأمة تتوجه بالشكر الجزيل والعرفان الجميل والاحترام والتقدير لدولة قطر؛ قيادة وشعباً، على الدور الشهودي والحضاري الذي قامت به تجاه دينها وقيمها ومبادئها وأمتها.
والحمد لله رب العالمين.