تعد فنزويلا من الدول التي وصلها الإسلام منذ قرون، سواء بوصول مسلمين فروا من «محاكم التفتيش» في الأندلس، أو انتقل إليها عبر البرازيل، لكن الوجود الإسلامي فيها اختفى بفعل عوامل تاريخية والاستعمار، إلى أن ظهر مجدداً بشكل ملموس قبل نحو نصف قرن.
ولمعرفة واقع المسلمين فيها، وأهم التحديات التي تواجههم، كان لنا هذا الحوار مع مدير المركز العالمي للتواصل الحضاري في فنزويلا د. أحمد عبده، وهو داعية أردني يعيش في فنزويلا منذ 17 عاماً، ويقوم المركز العالمي للتواصل الحضاري الذي يديره بالتعريف بالإسلام، والعمل على تأهيل المسلمين الجدد في فنزويلا بتعليمهم القرآن الكريم والتأهيل الدعوي.
ما خطوات عملكم في التعريف بالإسلام؟
– الدعوة لا تقتصر على مجرد التعريف بالإسلام، بل إن الاهتمام بالمسلم الجديد ومتابعته وتأهيله أصعب كثيراً من دخوله في الإسلام، فهناك خطوات مهمة للعمل الدعوي في المجتمعات غير المسلمة، أولها: التعريف بالإسلام، وهي أسهل المراحل، وبعد اعتناق الدين تكون الخطوة الثانية؛ وهي تعليم المسلمين الجدد، والاهتمام بهم للاستمرارية والثبات، ثم الخطوة الثالثة الأكثر أهمية؛ وهي تأهيل المسلم الجديد ليقوم بدعوة غيره؛ أي يتحول من مدعو إلى داعية، وهذا لا يجعل العمل الإسلامي مرهوناً بوجود شخص أو أشخاص بعينهم.
ماذا عن الوجود الإسلامي في فنزويلا؟
– المسلمون في فنزويلا تقدر أعدادهم بحوالي 50 ألف شخص، غالبيتهم من الجاليات العربية المهاجرة من لبنان وفلسطين وسورية وأعداد قليلة من الدول الأخرى، إلى جانب المسلمين الجدد من أصول لاتينية، يتوزع المسلمون في أغلب مدن فنزويلا بواقع نحو 15 ألف مسلم في العاصمة كاراكاس، والبقية في المدن الأخرى بنسب متفاوتة.
هل الوجود الإسلامي في فنزويلا قديم؟
– وصول الإسلام إلى أمريكا اللاتينية قديم، وله تاريخ طويل بوصول العبيد الأفارقة المسلمين، وبعض المسلمين الموريسكيين الذين فروا من الأندلس، كما وصل الإسلام إلى البرازيل ومنها انتشر في بقية دول القارة وطبعاً مر بمراحل مختلفة من الظهور والذوبان.
أما بخصوص الوجود الحالي فنستطيع أن نقول: إن من مراحله وصول الهجرات العربية إلى دول القارة قبل نحو قرن، وكانت أيضاً في البرازيل أولاً، ولذلك تجد مسلمي البرازيل الآن لديهم الجيل الخامس وأعدادهم نحو مليون ونصف المليون مسلم، أما في فنزويلا فلدينا حتى الجيل الثالث، ونستطيع القول: إن المسلمين هنا منذ حوالي 50 عاماً، حيث جاء مهاجرون من لبنان وفلسطين وسورية للتجارة، وأقاموا لأنفسهم بعض المصليات فقط، وكان عدد المسلمين الجدد قليلاً جداً نظراً لندرة التعريف بالإسلام.
هل هناك مراكز إسلامية كافية ومؤهلة للعمل الدعوي في فنزويلا؟
– في فنزويلا حوالي 16 مركزاً إسلامياً ومؤسسة دعوية، منها ما هو مجرد مصلى، وبعضها عبارة عن مصلى ومدرسة وملحق به مقبرة إسلامية، وبعضها عبارة عن مسجد كبير يشمل مدرسة إسلامية وبجواره مقبرة إسلامية، كما أنه في العاصمة كاراكاس يوجد المسجد الإبراهيمي، وهو ثاني أكبر مسجد في أمريكا اللاتينية، ومئذنته هي أطول مئذنة في القارة.
ما أبرز التحديات التي تواجه العمل الإسلامي في فنزويلا؟
– دعني أخبرك أن الواقع متشابه كثيراً بين دول أمريكا اللاتينية عموماً، والعادات والثقافة متشابهة بين دول القارة، فأغلب الدول تتحدث اللغة الإسبانية، ما عدا البرازيل التي تعتبر نصف القارة تتحدث اللغة البرتغالية، وهناك دول صغيرة تتحدث الإنجليزية، ولذلك التحديات متشابهة أو يمكن تعميمها مع بعض الفروق البسيطة.
وبخصوص التحديات يمكن أن نجملها في النقاط التالية:
أولاً: قلة عدد الدعاة: هناك نقص كبير في عدد الدعاة المتخصصين المؤهلين الذين يجيدون اللغة الإسبانية، حتى إن هناك أعداداً كبيرة من المسلمين الجدد يدخلون الإسلام عن طريق الإنترنت في مناطق لا يوجد بها دعاة يقومون بمتابعتهم وتعليمهم بشكل مباشر، وللتغلب على هذه الأزمة افتتحت مؤخراً الجامعة الإسلامية بأمريكا اللاتينية، وهي فرع للجامعة الإسلامية في منيسوتا بالولايات المتحدة لتخريج جيل مؤهل من الدعاة.
ثانياً: غياب المتخصصين: فالمراكز الإسلامية على قلتها أغلب القائمين عليها من غير المتخصصين؛ سواء في العمل الدعوي، أو الجانب الإداري للمؤسسات الدعوية.
ثالثاً: عدم التواصل بين المؤسسات الإسلامية: للأسف ليس هناك تواصل أو تنسيق بين المراكز الإسلامية أو المؤسسات الدعوية، حيث تعمل كل منها في مدينة منعزلة، وقد تمر سنوات دون لقاء أو اجتماع واحد يجمع القائمين على هذه المؤسسات للتنسيق أو الاستفادة من التجارب.
رابعاً: زواج المسلمات الجدد: عدد النساء من المسلمات الجدد أكبر كثيراً من الرجال، وبالتالي فهؤلاء المسلمات هن في حاجة للزواج من مسلمين، ولا توجد هنا ثقافة التعدد، فكثير منهن يقعن في تجربة الزواج عبر الإنترنت من شاب مسلم أراد المجيء لهذه الدول والإقامة، فيقدم لها نموذجاً سيئاً للشاب المسلم.
خامساً: تفلت أبناء المسلمين من الإسلام: من التحديات كذلك أنت تقوم بدعوة الناس للدخول في الإسلام، تصطدم بتفلت أبناء المسلمين أنفسهم من الإسلام، ويقعون في فخ الانفتاح الواسع الموجود في هذه البلاد وعدم متابعتهم، وأيضاً بسبب عزوف كثير من المسلمين من الجاليات العربية والمسلمة عن حضور النشاطات الإسلامية ظناً أنهم ليسوا في حاجة لهذه النشاطات والتعاليم الإسلامية.
سادساً: القارة المنسية: أعتبر أن أمريكا اللاتينية قارة منسية، فهي لا تجد الاهتمام المناسب من قبل الدول والمؤسسات الإسلامية، ربما لبُعد المسافة، فلا تجد زيارات ملحوظة من مسؤولي المؤسسات الإسلامية العالمية؛ ما ينعكس بالسلب على واقع المسلمين في هذه القارة.
هل من رسالة أخيرة؟
– بالتأكيد أشكر مجلة «المجتمع» على اهتمامها ودورها في التعريف بالمسلمين حول العالم، وهذا الدور المطلوب والمفترض للمؤسسات الإعلامية، و»المجتمع» سباقة في هذا الاهتمام.