في فترات ضعف الأمة المسلمة وتسلط أعدائها، أو محاولات الانتقاص من ثوابتها؛ تظهر جهود أفراد وجماعات لرأب الصدع ورد الصائل، والرباط في الثغور المهددة، بدأ ذلك مبكراً بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهور بوادر الاختلاف بل وحالات الردة والامتناع عن فريضة الزكاة، وكان لها رجل الأمة الأقوى وخليفة المسلمين الأول الصديق رضي الله عنه.
وعند اختلال ميزان الخليفة نفسه، وسعي المعتصم العباسي لمخالفة أصول العقيدة، وقف له عالم الأمة الإمام المبجل أحمد بن حنبل، وكانت محنة عظيمة، انتصر فيها الإمام بثباته حتى قيل: إن الله تدارك الإسلام برجلين؛ بأبي بكر في الردة، وأحمد في المحنة.
وبقيت هذه سُنة في هذه الأمة، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يحمِلُ هذا العلمَ من كلِّ خلَفٍ عدولُه، ينفونَ عنهُ تحريفَ الغالين، وانتحالَ المبطلين، وتأويلَ الجاهلين».
ومع إعلان سقوط الخلافة العثمانية، لم يكن الأمر تغييراً لنظام الحكم، أو تبديلاً في عالم السياسة، بل كان انقلاباً على شرائع الإسلام ونقضاً لأصوله، وهنا بدأت جهود المصلحين، وظهر الأئمة والمجددون، وهو ما عرف اصطلاحاً بالحركة الإسلامية أو التيار الإسلامي، وهو عبارة عن جهد بشري، واجتهاد قد يحصل صاحبه على الأجرين أو يرجع بأجر واحد، وقد تجد من يختلف مع أدائهم السياسي أو دورهم النقابي، لكن ما أحدثوه من ترميم بنية المجتمع الأخلاقية لا ينكره منصف أو محايد، ونظراً لأن ميدان الأخلاق فسيح، ومواطنه متعددة، فسأذكر مثالين بارزين؛ هما: الحجاب، والمخدرات.
أولاً: الحجاب
معركة الحجاب من أشرس المعارك التي لم يفتر فيها أعداء الإسلام، ويجددون خططهم فيها، ولو أخذنا فرنسا مثالاً نجد أنها جنَّدت كل طاقتها لحرب الحجاب ومظاهر الاحتشام، واختصرت المسألة حينما اعتبرت الحجاب هو الرمز الديني الدال على الإسلام، وأثناء احتلالها للبلاد العربية، كانت أول ما تفرضه من ثقافتها إشاعة العري والتشجيع على السفور، حتى رحلت عن بلادنا وثقافة التنورة القصيرة قد وصلت إلى درجة «ميني جيب» ثم تقلصت إلى «ميكروجيب»، وكان الحجاب في فترة الستينيات في الجامعات المصرية من القليل النادر، حتى ظهرت الدعوة الإسلامية داخل الجامعات على يد الطلاب الإسلاميين، الذين كانت الدعوة لعودة الحجاب في مقدمة أولوياتهم، حتى كتب أحد هؤلاء الشباب الذين قامت على أكتافهم الدعوة في كلية الطب كتاباً بعنوان «عودة الحجاب»، وذلك بعد تفرغه للدعوة والتأليف، وهو من شيوخ الدعاة الآن د. محمد إسماعيل المقدم.
كل هذه المظاهر كانت رجع صدى لسقوط الخلافة، ومحاولات طمس الهوية الإسلامية، بل وأصبح الحجاب مؤشراً على ضعف الدعوة الإسلامية أو تمكنها، ورأينا ذلك في انحسار ظاهرة الحجاب الآن، وتسخير السينما والإعلام لحض الفتيات على خلعه، وتأثرت بذلك طائفة منهن، لا سيما بعد خلو الساحة من دعاة الفضيلة وأصحابها، فهم بين من يرسف في أغلال الاعتقال، أو من غيبته فيافي المنافي، ومن بقي منهم حيل بينه وبين الناس!
ثانياً: المخدرات
الحركة الإسلامية بدأت على يد الشباب وتوجهت إليهم، وبذلك حصلت ضمانة لهم من الانحراف إلى المخدرات أو الوقوع في براثن الإدمان، بل انتقل الأمر إلى حرمة التدخين، ولا ينكر حملة الحركة الإسلامية على الدخان وتبشيعه إلا جاحد، واشتهر عن الشيخ محمد الغزالي قوله: «إن المدخن قد بدَّل نعمة الله كفراً، حيث وهبه الله لساناً وشفتين فجعلهما مدخنة»! وهذه مرحلة متقدمة في الحرب على المفترات والإدمان بصفة عامة، وكان العرف السائد بين الطلاب، وقتئذ، أن المدخن على أبواب الانحراف، ولا يمكن أن يكون في عداد الطلاب المجدين، ومع تغييب الحركة الإسلامية ومحاولات إقصائها، أصبحت المخدرات من السلع المتداولة، وبعد أن كان الشاب يتوارى بالسيجارة، أصبح يدخن الحشيش أمام المارة، أما تيسير وصولها إلى الشباب وغض الطرف عن تجار المخدرات، فظاهرة لا تخطئها عين المتابع؛ لأن سقوط الشباب في دوامة الإدمان تحول بينهم وبين التفكير والتغيير، ولكن الأيام دُوَل، والدول أيام، وإن كانت الحركة في كبوة، والصحوة في غفوة، فإن الفرج قريب، والعودة محتومة، لأن المستقبل لهذا الدين.