أغلقت باب البيت الحجري بعد العشاء، أخلدت إلى النوم بعد عناء يوم شتوي، اندسست بين أغطيتي، تدوي الريح في الخارج، تنبح الكلاب، تلقي السحب بحمولتها، سيول تكاد تقتلع الأشجار، أصوات مخيفة، ربما تهزأ الجن بالمنزوين، كثيراً ما أخبرتني أمي أنها ترى كائنات من العالم الآخر، أتسمع نبضات قلبي، يدب الخوف، أردد آية الكرسي!
يجدر بالمنسي أن يحتمي بربه!
تأخذني سنة من النوم، يتراقص القمر، تتبعه النجوم، تشعر الشمس بالغيرة، تستدعي أمواج البحر، تعلو في غرور، تفر العصافير، أنظر جهة النهر، تخرج منه أشكال من البشر، أتفرس فيها، بعضهم يعرفني، يحاولون أخذي معهم، أفر منهم، أخفى وجهي بكفي، أفرج بين أصابعي، لديَّ صورة معلقة على جدار حجرتي، يوم كنت طفلاً ألعب في شوارع البلدة، كلب يتبعني، لا أدري لم يظهر في الحلم كبيراً، بين هؤلاء تأتي امرأة، وجهها أبيض مشرب بالحمرة، ربما كانت فتاة الحلم الأول، تفرست في ملامحها، تشابه كبير بينهما، غير أن تلك المرأة خصلات شعرها نحاسية، يبدو أن الزمن ترك بصمته!
وشمة الحسن في خدها، هل تراها تتذكرني؟
ليس هناك غير الصخب، قطط تنتقل بين النجوم، يختفي ظلام الليل، تمحوه أضواء القمر، تلك المرأة تمسك بمكنسة كبيرة، يتساقط الظلام في جوف جبل كبير، أرتدي ثوباً أخضر، تهتف من ورائي جموع البشر الخارجة من النهر، تستبد بي حالة من الغرور، أخرج ورقة وقلماً، أرسم لوحة، ينعقد مهرجان، مكان أشبه بدار الأوبرا!
صحيفة اليوم تنشر صورتي، تكتب تحتها:
الرجل الذي مسه جنون الحرف!
في الصورة مرحباً محبرة وريشة، تعزف الفرقة سيمفونية لبيتهوفن، يقدمون لي علبة زاهية الألوان، أدسها في جيبي، أتحين فتحها، ثمة كتاب بلا عنوان، في الصفحة الأولى قمر وشمس، لوحة تجمعت ظلالها، يبدو أن الحلم رسم في ذلك الكتاب!