أصبح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أول زعيم أجنبي منذ ونستون تشرشل في ديسمبر(كانون الثاني) 1942 يلقي كلمة في جلسة للكونغرس الأمريكي. وبعد الترحيب بتصريحاته، ووعود بـ 47 مليار دولار من الدعم الإضافي، على الكونغرس أن يشرح للشعب الأمريكي كيف ستعزز المصالح الأمريكية بما يقارب 100 مليار دولار، قدمت لأوكرانيا.
ما الغرض من هذا الدعم الجديد؟ وكيف نعرف إذا أنفقت الأموال بحكمة؟ أسئلة طرحها دانيال ديفيز، باحث أول لدى مؤسسة ديفينس برايوريتيز، والضابط السابق برتبة مُقدّم في الجيش الأمريكي في مقال بموقع “1945” الأمريكي.
وقال الكاتب: “أولاً، دعونا نتحقق مما حصلت عليه أوكرانيا بعد رحلة زيلينسكي. أعلن بايدن رسمياً إرسال نظام الدفاع الجوي الأمريكي باتريوت إلى أوكرانيا، إلى جانب أكثر من 200 ألف طلقة مدفعية، وصواريخ، وذخيرة للدبابات. وبينما تحمس الكثيرون في الولايات المتحدة وأوكرانيا لإعلان باتريوت، من المهم أن نفهم ما يمكن لبطارية باتريوت واحدة أن تفعله وما لا تستطيع فعله“.
تأثير محدود
أطلقت روسيا في الأسبوع الماضي جولتها التاسعة من الضربات الصاروخية الاستراتيجية ضد البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، منذ منتصف أكتوبر(تشرين الأول)، ما أدى إلى شل ما يقرب من نصف طاقة توليد الكهرباء في البلاد. كان زيلينسكي يطالب بأنظمة دفاع جوي من الولايات المتحدة والغرب منذ بداية الحرب تقريباً. لكن في الأشهر الماضية، كان الغرب أكثر سخاءً، فقدم أعداداً كبيرة من أنظمة الدفاع الجوي الحديثة. والسؤال، هل تؤدي إضافة بطارية باتريوت، إلى تغيير قواعد اللعبة في أوكرانيا؟ الجواب القصير الصادق، لا”، وفق الكاتب.
وتابع “تعمل بطارية باتريوت عادة ضمن نظام دفاع متكامل يشمل العديد من منشآت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. تتطلب البطارية طاقماً من 90 فرداً، سيحتاجون عادةً إلى 90 يوماً من التدريب قبل بداية التشغيل. ومع ذلك، يمكن لبطارية واحدة أن تدافع بشكل عام عن هدف في نقطة واحدة. ويمكن لبطارية أن تدافع عن جزء كبير من العاصمة كييف، على سبيل المثال، ولكن حتى ذلك الحين، لا تدافع عن المدينة بأكملها“.
الحقيقة هي أنه بعد بضعة أشهر، سيشغل باتريوت واحد في موقع محدد في أوكرانيا. ولن يتمكن من تغيير الديناميكيات الأوسع للقدرات الأوكرانية المضادة للصواريخ.
بافتراض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن وقع في النهاية حزمة الدعم بـ 47 مليار دولار، تكشف لنا دراسة مسار هذه الأموال أن حوالي 14 مليار دولار فقط، ستذهب لأسلحة جديدة إضافية.
في سلسلة من المقابلات في وقت سابق من هذا الشهر مع “إيكونوميست”، و”غارديان”، حدد كبار القادة العسكريين والسياسيين الأوكرانيين الحد الأدنى من متطلبات الأسلحة لتحصل أوكرانيا على فرصة حقيقية لشن هجوم في 2023.
وقال الجنرال فاليري زالوجني، قائد القوات المسلحة الأوكرانية، إنه يحتاج إلى ما لا يقل عن 1500 عربة مدرعة حديثة، بما في ذلك 300 دبابة، و500 قطعة مدفعية. وأضاف خلال خطاب زيلينسكي في واشنطن: “أؤكد لكم أن الجنود الأوكرانيين يمكنهم تشغيل الدبابات والطائرات الأمريكية بأنفسهم بشكل مثالي”.
مغادرة زيلينسكي واشنطن، ولزوم بايدن الصمت على إرسال أكثر من بطارية باتريوت، وغياب دبابات أو ناقلات جند مدرعة أو مئات من قطع المدفعية الجديدة، يكشفان شيئاً ما.
وقال مؤلف كتاب “الساعة الحادية عشرة في أمريكا عام 2020”: “يبدو لنا من تحليل ما تفعله الولايات المتحدة وحلف ناتو، وما لا يفعلان، أن هدفنا الأساسي هو بالفعل تجنب أي اشتباكات مباشرة مع روسيا يمكن أن تتحول بسهولة إلى صراع نووي. هذا هو المسار الصحيح للعمل، وأُثْنِي على البيت الأبيض لتحليه بضبط النفس المدروس“.
استراتيجية الكونغرس
ومع ذلك، فإن ذلك يترك سؤالاً آخر لم يُطرح، وفق الكاتب، ما الغاية النهائية لأمريكا في هذا الصراع، وما استراتيجية الكونغرس للدعم في المستقبل؟
بعد توقيع حزمة الدعم الأسبوع الماضي، خصصت الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار للحرب في أوكرانيا، ما يزيد بـ 16 مليار دولار عن الميزانية العسكرية الروسية بأكملها في 2023.
ويدين الكونغرس للشعب الأمريكي بتوضيح كيفية إنفاق هذا القدر الكبير من الأموال على حليف يشكّل ما قيمته 100 مليار دولار من الأمن القومي. ما النتائج التي يتوقعها الكونغرس من هذه النفقات؟ بمعنى آخر، ما النتيجة المتوقعة أو المأمولة؟ كيف سنعرف إذا كانت هذه الأموال استثماراً جيداً، وماذا سيفعل الكونغرس في 2023؟
هذه ليست أسئلة ثانوية، يقول الكاتب، لأنه كما رأينا بعد عقدين من التورط الكارثي في حربنا في أفغانستان، حيث أهدرنا ما يقرب من 2 تريليون دولار، يمكن للكونغرس في كثير من الأحيان أن يتورط في الموقف.
ويقترح كثيرون أن مجرد استمرار الحرب بتوفير الأسلحة الكافية والدعم لأوكرانيا لمنعها من الخسارة يساعد المصالح الأمريكية بضمان استمرار تدهور القوة العسكرية الروسية التقليدية.
ومع ذلك، فهذه استراتيجية مشكوك فيها، لأنها تضمن في الوقت نفسه استمرار الوفيات بين الشعب الأوكراني بأعداد كبيرة.
واختتم الكاتب مقاله بالقول، إن “مخاطر الخطأ كبيرة للغاية في دعمنا لأوكرانيا. وقبل تخصيص دولار آخر في 2023، على الكونغرس أن يشرح للشعب الأمريكي كيف تعزز هذه الأموال المصالح الوطنية الحيوية لبلدنا. بخلاف ذلك، نحن في حاجة إلى خطة جديدة”.