أجرى الحوار: نورهان الشرقاوي
أصبحت ظاهرة الابتزاز الإلكتروني التي يمكن للجاني فيها إخفاء هويته منتشرة في العالم عامة، وعالمنا العربي خاصة، وهي ظاهرة خطيرة باتت محط بحث ودراسة من المتخصصين في النظام الإلكتروني، نظراً لتفشيها في الوقت الحاضر ولتفاقم نتائجها الوخيمة التي قد تقود إلى الانتحار.
وحول الأبعاد القانونية لهذه الجريمة، أكد المحامي والقانوني الكويتي طارق الغانم أنها من الجرائم التي ترفضها الطبيعة الإنسانية، فهي مخالفة لأبسط حق من حقوق الإنسان بحصوله على الأمن والأمان، مشيراً إلى أن الشريعة نهت عن الترويع؛ فالابتزاز جريمة أخلاقية وسلوك معوج قبل أن يكون محرماً شرعاً، معتبراً إياه من المخالفات المركبة التي تشتمل على مخالفات متعددة، وتحوي في طياتها جرائم أخرى كالتهديد والترويع والإكراه المعنوي والتشهير وإشاعة الفاحشة والإيذاء وأكل أموال الناس بالباطل.
كما دعا الغانم، في حواره مع «المجتمع»، إلى ضرورة تكاتف كل الجهود الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني للتوعية بمخاطر الابتزاز الإلكتروني، خاصة لشريحة الأطفال والنشء؛ لأن الأطفال هم الأكثر عرضة للوقوع ضحايا لهذه الجريمة.
- يعد الابتزاز الإلكتروني قضية شائكة شديدة التشعب، نريد أن نتعرف على كيفية إثباتها؟
– تستمر التكنولوجيا في التقدم بسرعة، وكذلك الأشكال المختلفة للجريمة عبر الإنترنت، من بينها جريمة الابتزاز الإلكتروني، وهي المطالبة بالمال أو المعلومات أو المكاسب الأخرى من الأشخاص والشركات من خلال التهديد بنشر أمور خاصة أو مخزية وبيانات سرية على وسائل التواصل الاجتماعي.. وفي مقام الإثبات، فالقانون لم يوضح وسيلة معينة، لكن في مجال التطور التكنولوجي وتعدد الوسائل الحديثة وظهور الهواتف الذكية وحتى يمكن إثبات قضية الابتزاز؛ يجب جمع كافة الوثائق والأدلة الممكنة التي تثبت صحة ادعائك، وهذه الأدلة قد تكون تهديدات؛ مكتوبة أو منطوقة، وبعد جمع هذه الأدلة والوثائق يمكن التوجه لمباحث الجرائم الإلكترونية وتكون الأدلة المكتوبة دائماً هي الأقوى عن غيرها من الأدلة.
كما أن هناك أدلة أخرى مستحدثة مع التقدم التكنولوجي الذي يعيشه الناس الآن؛ منها -على سبيل المثال- رسائل نصية، ورسائل البريد الإلكتروني، والبريد الصوتي، وغيرها من وسائل المراسلات الحديثة، وعلى الشخص الواقع ضحية الابتزاز أن يحتاط جيداً في الأدلة وأن يحافظ عليها، سواء كان يعتقد أنه دليل قوي أم لا، وسواء كان الدليل كتابياً أم شفهياً، أم غير ذلك؛ فيجب الاحتفاظ بكل ما يرسله المبتز سواء كان رسالة عادية أم نصية، أم بريداً إلكترونياً، ومن ثم يقوم بتقديم المعلومات الكافية والوافية إلى مباحث الجرائم الإلكترونية، وعدم إخفاء أي معلومة من أي نوع.
- ما أركان جريمة الابتزاز الإلكتروني؟
– كي يتم إثبات أي جريمة في أي قانون لا بد من توافر عدة أركان لها، وتتمثل أركان جريمة الابتزاز الإلكتروني في ركن مادي؛ وهو قيام المبتز بتهديد وتخويف المجني عليه بفضحه ونشر خصوصيته وانتهاكها عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو الإنترنت عامة، إذا لم يستجب لما يمليه عليه المبتز، التي تكون مطالب غير مشروعة، أما الركن المعنوي ويقصد به توافر عنصرَي العلم والإرادة في المبتز، بأن يريد ابتزاز وتخويف الضحية كي تنفذ له ما يريد، ويعلم أن هذا الفعل ليس له حق فيه، بالإضافة إلى توافر الأدلة التي هدد بها المبتز الضحية، وهذا يعد من أهم الأركان في جريمة الابتزاز الإلكتروني.
- وما عقوبة المبتز؟
– جريمة الابتزاز الإلكتروني من الجرائم التي ترفضها الطبيعة الإنسانية، فهي مخالفة لأبسط حق من حقوق الإنسان؛ وهو حصوله على الأمن والأمان؛ فالتهديد والابتزاز عكس الأمن، فهي جريمة مرفوضة تماماً من قبل الشرع والقانون، حيث يعتبر الابتزاز الإلكتروني من الجرائم الإلكترونية التي تتعدى على خصوصية الآخرين وممتلكاتهم، وتهديدهم في أمنهم، من أجل تحقيق مكاسب مادية أو معنوية، وينص القانون (الكويتي) رقم (63/2015) بشأن حرية المعلومات في البند الرابع من المادة الثالثة على أن عقوبة المبتز تكون الحبس بمدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو الغرامة ما بين 3 إلى 10 آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين، وإذا كان المبتز يهدف إلى القيام بجريمة أكبر فإن العقوبة تكون أشد، وتكون عبارة عن الحبس لمدة 5 سنوات والغرامة من 5 آلاف إلى 20 ألف كما يرى القاضي.
- برأيك، ما أبرز طرق الابتزاز في عالمنا المعاصر؟
– أدوات ووسائل الابتزاز الإلكتروني في العصر الحديث متنوعة، منها: «فيسبوك»، «إنستجرام»، «تويتر»، «واتساب»، «سكايب»، «سناب شات»، البريد الإلكتروني.. أو أي وسيلة أو برنامج آخر يحصل على بيانات الضحية السرية، وطرقه هي الحصول على صور أو معلومات سرية أو أي معلومات يترتب على إفشائها ضرر لهذا الشخص.
- ماذا يفعل مَن وقع في فخ الابتزاز الإلكتروني؟
– في حال تعرض الشخص لجريمة الابتزاز الإلكتروني لا بد أن يكون على دراية تامة بكيفية التعامل مع هذه الجريمة التي تعرض لها، ومعرفة الحلول الأنسب للتخلص منها ومن المبتز، ولإيقاف الابتزاز وإنهائه بشكل تام، يجب على الشخص التوقف عن التعامل بأي شكل من الأشكال مع المبتز، بالإضافة إلى عدم التعاطي مع متطلبات المبتز، والمماطلة فيه لأطول وقت ممكن، بالإضافة إلى التواصل السريع مع وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية مع إرفاق كافة الأدلة والإثباتات التي تدين المبتز، وهنا أذكر أن الوقاية خير من العلاج؛ لذا على من يتعرض لجريمة الابتزاز ألا ينشر خصوصياته على مواقع التواصل الاجتماعي وأن يضع بصمة أمان على هواتفه.
- لكن، دائماً ما نرى أن من وقع في الابتزاز يتخوف من افتضاح أمر ما أو نشر صور خاصة؟
– قد تكون هناك تخوفات من قبل من تعرضوا للابتزاز الإلكتروني؛ بسبب نظرة المجتمع، أو خوفاً من الإعلام الذي يهتم بمتابعة مثل تلك القضايا، لكن على من وقع في الابتزاز أن يدرك أنه في حالة عدم إبلاغه عما وقع فيه ستكون الأضرار أكبر، وبالتالي فإن أفضل الطرق له هو الإبلاغ.
- نريد أن نتحدث عن جريمة الابتزاز الإلكتروني بين الشريعة والقانون.
– الشريعة ونصوص القرآن والسُّنة نهت عن الترويع، فالابتزاز جريمة أخلاقية وسلوك معوج قبل أن يكون محرماً شرعاً، وهو من المخالفات المركبة التي تشتمل على مخالفات متعددة، وتحوي في طياتها جرائم أخرى كالتهديد والترويع والإكراه المعنوي والتشهير وإشاعة الفاحشة والإيذاء وأكل أموال الناس بالباطل، وكل مخالفة من هذه المخالفات محرمة ومنهيٌّ عنها شرعاً، وعلى المجتمعات المسلمة إذا وجدت هذه الظواهر التكاتف لمحاربتها بزيادة الوعي بتحصين هواتفهم؛ لأن الضرر على المجتمع سيكون شخصياً أو على الأسرة وقد ينسحب هذا التهديد على أمن الدولة.
- لا شك أن ظاهرة الابتزاز الإلكتروني أصبحت منتشرة بشكل كبير في ظل وجود مواقع للتواصل، كيف يمكن التوعية باستخدامها إيجابياً؟
– لا ينكر أحد أن منصات التواصل الاجتماعي لها أهمية كبيرة في حياتنا اليومية، وساهمت بشكل كبير في التغلب على المسافات الزمنية، وهي أداة لإنجاز الأعمال، وتحقيق الأهداف، لكن هناك من يسيء استخدامها ويزعجون غيرهم، لا سيما هؤلاء الأشخاص الذين يمارسون جرائم التشهير والسب والقذف والابتزاز عليها، مستغلين الفضاء الافتراضي الواسع لتحقيق مآربهم؛ لذا لا بد من الاستخدام المسؤول من قبل مستخدميها، فدائماً نحن ننادي بالحرية المسؤولة التي لا تنتهك حريات الآخرين.
- برأيكم، كيف يمكننا التوعية بخطورة الابتزاز الإلكتروني؟
– يجب أن تتكاتف الجهود للتوعية بمخاطر الابتزاز الإلكتروني؛ فلا بد من تكاتف مؤسسات الدولة والوزارات المعنية -خاصة وزارة التربية من خلال المدارس- لتدريب النشء على كيفية الاستعمال الصحيح للإنترنت وكل وسائل الإعلام، خاصة من يملكون القدرة المالية والعلمية والثقافية، وكذلك وزارة الأوقاف من خلال الدروس بالمساجد، بالإضافة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني.
ونؤكد الاهتمام بشريحة الأطفال والنشء في هذا المجال من خلال توعيتهم بالاستخدام الصحيح للإنترنت ومراقبة ما يتابعونه ومع من يتحدثون، فالأطفال من أبرز ضحايا الابتزاز الإلكتروني.
كما يجب زيادة الندوات والبرامج التي توعي المواطنين بصورة عامة بخطورة الاستخدام العشوائي للإنترنت، وتعلمهم الاستخدام الصحيح له.
- هل التشريعات الموجودة بالقانون الكويتي كافية للحد من هذه الظاهرة؟
– قانون رقم (63/ 2015) سد ثغرة كبيرة في هذا الجانب، لكن لا نقول: إنه سد الثغرة كاملة، لكن مع التطور التكنولوجي نجد أن هناك حاجة لمواكبة هذه التشريعات.