هناك مفهوم تردد مع تطور تكنولوجيا الاتصال هو “الجيل الرقمي”، وهو جيل يشعر بأن صوته لا يسمع في الخطاب العام، وفي المؤسسات الرسمية السياسية، ووسائل الإعلام التقليدية؛ فوجد الفرصة ليتحدث، ويعبر عن نفسه عبر الإنترنت، وفتح ذلك التطور إمكانيات كبيرة لعملية تغيير في العالم كله.
لذلك تزايدت حاجة المجتمعات إلى دراسات تكشف: كيف يستخدم هذا الجيل ثورة الاتصال في عملية التغيير؟ وما المضمون الذي ينتجه؟ وكيف يستخدم الإنترنت في نقله للآخرين؟! فهذا الجيل تطور وعيه وهو يمسك بلوحة المفاتيح ليبحر عبر الكثير من المواقع.
إن استخدام الشباب للإعلام الجديد يمكن أن يساهم في بناء عالم جديد، وفي عملية تغيير واسعة في كل المجتمعات؛ حيث أصبح الشباب أعضاء في الكثير من الشبكات الافتراضية، التي ساهمت في بناء مجتمع شبكي يتم فيه تبادل الكثير من أنواع المضمون.
هناك من يحذر من المخاطر والآثار السلبية الناتجة عن الاستخدام المكثف للإنترنت، بينما هناك من يبشر بالنتائج الإيجابية لهذا الاستخدام، لكنْ هناك اتفاق على أن هذه الوسائل سيكون لها الكثير من النتائج والآثار على حياة الشباب ومستقبلهم وعلاقاتهم بمجتمعاتهم وبالعالم؛ حيث أوضحت الدراسات تزايد العنف بين الأطفال والمراهقين، وكان من الأسباب التي أشارت لها استخدام الإنترنت في نشر معلومات شخصية عنهم تقلل من أهميتهم أو قيمتهم الإنسانية، أو تكشف أسرارهم بواسطة زملائهم، أو نشر صور لهم تؤدي إلى احتقارهم بواسطة الآخرين أو إذلالهم.
وأشارت بعض الدراسات إلى تزايد العنف في المدارس، وتزايد حالات الانتحار بسبب نشر الآخرين لمعلومات وصور لهم تنتهك حياتهم الشخصية، وأشارت إلى أن الكثير من الأطفال والمراهقين يقومون بإخفاء شخصياتهم، ويستخدمون أسماء غير حقيقية ليقوموا بنشر المعلومات والصور عن أشخاص آخرين تؤدي إلى إذلالهم وتحقيرهم وتدمير سمعتهم، وهذا يدفع هؤلاء الأشخاص للقيام بسلوك عنيف ضد أنفسهم أو ضد الآخرين، وفي الكثير من الأحيان يرتبط ذلك السلوك العنيف بالجنس.
وأدى ذلك إلى تزايد اهتمام الباحثين في علم الجريمة بتزايد عصابات الشوارع في المدن الغربية، واستخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي في نشر الرسائل التي تحث على العنف والتهديد، وتشجع على السلوك العنيف.
كما أن هذه العصابات استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد الأعضاء، وهو ما أدى إلى التحذير من مخاطر تزايد هذه العصابات في المجتمعات الغربية خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا.
ومن بين الجرائم التي انتشرت في هذه المجتمعات -وقامت بها عصابات الشوارع- بيع المخدرات، وتبادل الموسيقى وأفلام الفيديو الإباحية التي تشجع على العنف والاغتصاب والتحرش الجنسي.
كما أدى الإنترنت إلى زيادة الفجوة بين الأجيال؛ فالأطفال يقضون معظم أوقات فراغهم يستخدمون وسائل الاتصال بعيداً عن الآباء المشغولين بأعمالهم، ولم يصبح للآباء قدرة على السيطرة على استخدام أبنائهم لهذه الوسائل أو توجيههم.
تعليم غير رسمي
كما وفر الإنترنت للأطفال والشباب مصادر جديدة وغير رسمية للتعلم، وشكّل ذلك تحدياً للنظم التعليمية الرسمية مثل المدارس والجامعات، ويحمل ذلك للمجتمعات الكثير من المخاطر والنتائج السلبية؛ فالشباب يحتاجون إلى توجيه وقيادة ومعرفة بالقيم المجتمعية، ويحتاجون إلى علاقات قوية مع أفراد الأسرة وشخصيات حقيقية مثل المدرسين وأساتذة الجامعات وقادة الرأي.
لذلك، فإن المجتمعات التي تريد أن تستفيد من قدرات شبابها في إنتاج المضمون ونقله إلى الجماهير عبر وسائل الإعلام الجديد لا بد أن تعمل على إصلاح نظمها التعليمية لتقوم بدور رئيس في بناء شخصيات الشباب، وزيادة وعيهم وقيم مجتمعاتهم وثقافاتهم.
كما أن المجتمعات التي تتمكن من تقوية دور الأسرة في حياة الشباب هي التي يمكن أن تستخدم شبابها في زيادة قوتها الاتصالية والمعرفية.
إن تشجيع الشباب على قراءة الكتب وتنظيم أنشطة ثقافية تربطهم بالكتاب يساهم في بناء الشخصية والثقافة وزيادة القدرة على إنتاج مضمون له قيمة وأهمية.. لذلك، فإن هناك حاجة لثقافة تقوم على تحقيق التكامل والتوازن بين الإنترنت والكتاب المطبوع.
وهذا يدفعنا إلى البحث عن وسائل لإحياء صناعة نشر الكتب، والصحف والمجلات التي يمكن أن تحقق التوازن مع الإنترنت في إطار مشروع ثقافي يشمل تشجيع القراءة وإنتاج المعرفة.
كما يفرض ذلك على كل المجتمعات تطوير الثقافة الإعلامية، ومن أهم جوانب هذه الثقافة القدرة على نقد وسائل الإعلام، وما تقدمه من مضمون، وتقييم أهميته وجودته وفائدته للحياة الإنسانية.
وهذه الثقافة يجب أن تقوم النظم التعليمية بتقديمها في برامجها ومناهجها، والشباب وهم يبحرون في عالم افتراضي رقمي يحتاجون إلى تلك الثقافة التي تؤهلهم ليكونوا مؤثرين وفاعلين في البيئة الاتصالية الجديدة؛ فهذه الثقافة يمكن أن تقلل من تعرض الشباب للأضرار والمخاطر، وتزيد قدرتهم على المشاركة والتفاعل دفاعاً عن قضايا أمتهم، ويمكن أن ينتجوا مضموناً يؤهلهم ليصبحوا قادة رأي.
بناء القوة الاتصالية
لقد وفر الإنترنت الكثير من الوسائل الجديدة لنشر المضمون، لكن التحدي الذي يواجه كل المجتمعات هو: كيف يمكن أن تحول مشاركة الشباب عبر وسائل الإعلام الجديد إلى قوة اتصالية ومعرفية؟
والأمة الإسلامية يمكن أن تقدم نوعية جديدة من المضمون القائم على المعرفة التي تجعل لحياة الإنسان معنى، وتساعده على الكفاح لتحقيق أهداف عليا، من أهمها تحقيق الحرية والعدل وحماية كرامة الإنسان؛ فكيف يمكن أن نشجع الشباب ونؤهلهم لإنتاج هذا المضمون، ليكونوا قادة المعرفة؟
إن قوة الأمم في المستقبل تتمثل في استخدام شبابها في توفير المعرفة للبشرية؛ فإنتاج المعرفة ونشرها من أهم الإنجازات الحضارية؛ لذلك يجب أن توجه الأمة الإسلامية شبابها للمساهمة في بناء مجتمع المعرفة، وفي زيادة ثروتها الثقافية والمعرفية ونشرها، وبذلك سيكون لها مقام الأستاذية في المستقبل، ويمكن أن تقود الأمم لبناء عالم جديد يقوم على الحرية والعدل.
فكيف يمكن أن نحمي شبابنا ونستخدمهم في مشروع حضاري لنشر المعرفة الإسلامية، وإنقاذ البشرية من الغرق في التسلية الرديئة التي تنتجها الرأسمالية الغربية؟!