إن أحكام الإسلام تُخرج المرأة من نطاق الإنسانية لتكون مجرد متاع للرجل، تلعنها الملائكة إن امتنعت عنه تحت أي ظرف، في حين أنه ليس عليه أي وزر إن هو امتنع عن معاشرة زوجته ولو من باب الإضرار بها، وللرجل أجر صدقة إن عاشر زوجته وهو مستمتع بها وهي ليس لها أجر وإن لبَّت وهي كارهة.
تفنيد هذه الشبهة وبيان بطلانها
بداية، ينبغي أن نؤكد أن التشريع الإسلامي يرى أن الزواج مبني على التفاهم والمحبة والتراحم والمعاشرة الحسنة بالمعروف وإعطاء كل من الزوجين للآخر حقه، قال الله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، وقال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228)، وينبغي لكلا الزوجين أن يكون سِتراً ولباساً لصاحبه يعفه عن التطلع إلى ما حرم الله تعالى، وأن يقيما حياتهما على طاعة الله ومن ذلك تشاورهما في برامجهما، ولكن شرع الله حاكم عليهما ويجب التسليم له دائماً، ولا شك أن امتناع الزوجة عن موافقة زوجها في طلب الفراش معصية خطيرة يجب الحذر منها، لما توجبه من سخط الله ولعن الملائكة، كما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح»(1).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها»(2).
ومحل هذا إذا لم يكن لديها عُذر شرعي كالصيام الواجب والمرض أو نحو ذلك، فإذا كانت المرأة معذورة شرعاً، كأن كانت مريضة لا تطيق المعاشرة مثلاً، فلا حرج عليها إن لم تجبه إلى ذلك، بل قد يحرم عليها إجابته إلى ذلك أحياناً، كأن دعاها إليه وهي حائض، أو صائمة في صيام واجب أو مُحرمة بنسك.
وهنا أمر ينبغي التنبه له، هو أن الحديث ربط المعصية بغضب الزوج عند رفض الزوجة، ومن ثَم إذا تقبل الزوج عذر الزوجة فلا معصية، قال الإمام الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار: قوله صلى الله عليه وسلم: «فبات غضبان عليها» المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة، إما لأنه عذرها، وإما لأنه ترك حقه من ذلك(3).
كما يجب على المسلم الاستسلام لما حكم الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم، والبعد عن الاعتراض وتحكيم العقول فيما ثبتت فيه نصوص الوحي، فقد قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنِ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) (الأحزاب: 36)، وقال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (القصص: 68)، وقال الله تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65).
وقال العلامة ابن القيم يرحمه الله تعليقاً على هذه الآية الكريمة: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكداً بالنفي قبله على عدم إيمان الخلق حتى يُحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع، وأحكام الشرع وأحكام المعاد وسائر الصفات وغيرها، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج، وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح، وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم وعدم المنازعة، وانتفاء المعارضة والاعتراض(4).
ثم إن الله تعالى جعل للمرأة حقوقاً على الرجل يجب عليه أن يسلمها لها، وأوجب عليها مقابل ذلك طاعته وتسليم نفسها له إن أرادها للفراش وكانت مستطيعة، لأن الزوج يستحق بالعقد تسليم العوض عما أصدقها وهو الاستمتاع بها، كما تستحق المرأة العوض وهو الصداق، فمتى ما طلب الرجل زوجته وجب عليها طاعته في ذلك ما لم يمنعها منه مانع شرعي، أو مانع في نفسها كمرض ونحوه، ولا يخفى على أحد أن على الرجل أن يراعي حقوق زوجته ويتقي الله تعالى فيها، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 228)(5).
عدالة الإسلام بين جحود أعدائه وجهل أبنائه
وهنا نريد أن نؤكد ما قرره الشيخ الغزالي رحمه الله بأن هناك من يردد أقوالاً عن النساء لا تستحق إلا الازدراء! قال أحدهم: السفهاء هم الصبية والنساء قلت له: عمن رويت ذلك؟ عن عمدة القرية أم شيخ البدو؟ وزعم كذوب أن المرأة يساق فيها قوله تعالى: (وَهُوَ كَلٌّ عَلَىٰ مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ) (النحل: 76)، قلت: تلك صفة نفر من الناس رجال أو إناث محروم من المواهب عاجز عن العطاء.. ويخجلني أن هذا الوصف يكاد يطوي جماهير المسلمين في المشارق والمغارب بعد ما تخلوا عن رسالتهم ونسوا كتابهم، وعاشوا عالة على الحضارات الغالبة.
إنني أحذر على الإسلام صنفين من الناس: المكذبون به، والجاهلون به، المكذبون به من أعدائه والجاهلون به من أصدقائه، وأكرر ما قلته من قبل: إنني أحارب الأدوية المغشوشة بالقوة نفسها التي أحارب بها الأمراض المنتشرة.
والثغرة التي ينفذ منها أعداء الإسلام إلى بيضتنا ونحن نقاوم الغزو الثقافي هي موقف البعض من قضايا المرأة، فهم يقفون أحجاراً صلبة أمام كل الحقوق التي قررها لها الإسلام يريدون تعطيلها أو تشويهها.
وقد عاصرت أياماً أنكر فيها الأزهر تعليم المرأة في الجامعة، كما علمت على وجه اليقين أن أفواجاً من الأعراب ذهبت إلى الرياض تستنكر فتح مدارس لتعليم البنات!
ومع أن الدنيا تغيرت فالعلاقة بين الجنسين وحقوقها العامة والخاصة لم تأخذ بعد طريقها الصحيح، وذلك لأن بعض الناس يأبى أن يستقيم على منهج القرآن الكريم!
يقول الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة: 71)، هذه رابطة ولاية ووفاق بين الجنسين على مناصرة الحق ومخاصمة الباطل وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله، رابطة ولاية يتحول بها المجتمع كله إلى خلية ناشطة لها منهج وغاية فإذا نشأ عقد زواج بين مؤمن ومؤمنة فإن هذا المعنى يتأكد وتصبح العلاقة الجديدة إخاء عقيدة، وشركة أعباء، وصحبة حياة، ووحدة هدف، وتجاوب ثقافة.
المجتمع الوضيع هو الذي يفهم الزواج على أنه عقد انتفاع بجسد، أو يعرفه بأنه امتلاك بضع بثمن، أو يراه شركة بين رجل تحوّل إلى ضابط برتبة مشير، لديه امرأة برتبة خفير، أين الود والتراحم والشرف والوفاء(6)؟
وفي ظل ما سبق بيانه نؤكد أن العلاقة بين المرأة وزوجها هي علاقة حب ومودة ورحمة، وليست علاقة امتلاك جسد وإذلال نفس كما يدَّعي المرجفون.
______________________________
(1) صحيح البخاري (3237)، وأخرجه مسلم (1436) باختلاف يسير.
(2) أخرجه البخاري (3237) بنحوه، ومسلم (1436) واللفظ له.
(3) نيل الأوطار، الشوكاني، ج6، ص362.
(4) المنهج الصحيح، عبدالله بن محمد الغنيمان (1/ 15).
(5) شبهات حول المرأة في الإسلام، د. علي نايف الشحود (1/ 776).
(6) بتصرف من كتاب «قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة»، الشيخ محمد الغزالي (1/ 36).