يقولون: «فاقد الشيء لا يعطيه»، لكن المحن والأزمات تثبت أن فاقد الشيء قد يكون هو أكثر من يشعر بآلام الذين يعانون ويحاول العطاء قدر ما يستطيع.. هذا ما أثبته مسلمو الروهنجيا في تفاعلهم مع زلزال تركيا؛ فرغم محنتهم وعيشهم في مخيمات اللجوء والشتات حرصوا على رد الجميل لتركيا من خلال تقديم يد العون لها؛ ففي المخيمات جُمعت التبرعات، وفي الهند باعت مسلمة روهنجية سوارها الذهبي، وآخرون دشنوا حملات إغاثة، بهدف رد بعض من الجميل لتركيا.
تبرعات من مخيمات اللجوء
من بين اللاجئين الروهنجيا في مخيمات بنجلاديش يعيش محمد صحات، وهو ناشط حقوقي ومصور، فرّ هو وعائلته من آراكان هرباً من الإبادة الجماعية في ميانمار عام 2017 مع نحو مليون من الروهنجيا، ويستقرون في مخيمات اللجوء بمنطقة “كوكس بازار” في بنجلاديش، وبعد وقوع الزلزال دشن صحات حملة لجمع تبرعات من أجل مساندة المتضررين من الكارثة في تركيا وسورية.
وعن فكرة الحملة، تحدث صحات لـ«المجتمع» قائلاً: عندما رأينا العائلات المتضررة من الزلزال والأسر التي فقدت أحباءها، والصغار الذين فقدوا ذويهم، تذكرنا نفس شعور الرعب الذي عشناه في عام 2017 مع هروبنا من الموت في ميانمار، وعلى الفور فكرت في ضرورة أن يكون لنا دور ولو قليل، خاصة أن تركيا ساندتنا ودعمتنا في محنتنا.
ويضيف صحات: دشنت الحملة بمبادرة فردية وبدعم من اثنين من أصدقائي بالمخيمات، وأطلقناها عبر مجموعة في تطبيق «فيسبوك ماسنجر» واتفقنا على نقاط تحصيل التبرعات في المخيمات، وحددنا للاجئين في المعسكر التبرع بـ10 تاك بنغالي، وتواصلنا مع ناشطين من الروهنجيا في الخارج للمساهمة وبالفعل استجابوا وتفاعلوا مع الحملة، وفي غضون يومين جمعنا مبلغاً مناسباً، بعدها سلمنا هذه التبرعات إلى مكتب «الوكالة التركية للتعاون والتنسيق» (تيكا) في بنجلاديش، وبهذا المبلغ تم تجهيز مساعدات وإرسالها إلى تركيا.
وعن دوافع هذه الحملة، يقول: فعلنا ذلك لإظهار تضامننا وحبنا تجاه تركيا، ونحن نتذكر دعمهم لنا منذ أن وصلنا إلى معسكرات اللجوء في بنجلاديش؛ فنحن من خلال محنتنا ومعاناتنا نشعر بآلام الأشخاص الذين فقدوا مأواهم ونعرف كيف تؤثر الأزمات على حياة الناس؛ ولذلك أردنا أن نشارك إخواننا المتضررين من الزلزال في تركيا وسورية آلامهم؛ فنحن بشر.
أعرفُ شعور الفقدان
ومن مخيمات بنجلاديش، نتوجه معاً إلى الهند حيث تعيش أمينة خاتون (56 عاماً)، وهي مسلمة روهنجية مرت بمعاناة اللجوء هرباً من ميانمار، حتى إنها فقدت مأواها مجدداً عام 2018 في حريق كبير أتى على المخيم الذي كانت تقيم فيه في العاصمة الهندية نيودلهي، لكنها أصرت أن تساند المتضررين من الزلزال، فهي تعرف مرارة أن يفقد الإنسان كل شيء.
وفي كلماته لـ«المجتمع»، يقول علي جوهر، ابن أمينة خاتون: بعد مشاهدة المقاطع المصورة عن الزلزال ومعاناة المتضررين، أرادت والدتي تقديم المساعدة للناس هناك في تركيا وشمال سورية، لكن لم يكن لدينا المال الكافي، ولذلك باعت أسورتها الذهبية الأخيرة التي احتفظت بها لحالات الطوارئ بالعائلة، لكنها قالت: هذا هو الوقت أن نقف إلى جانب من يعانون.
ويضيف جوهر: قالت لنا أمي: لقد قدمت لنا تركيا المساعدة الإنسانية باستمرار، ومدت لنا يد العون في مخيمات اللجوء، وأقامت مستشفيات ميدانية، وتقدم إفطارات رمضانية وحصصاً غذائية باستمرار، والآن تواجه تركيا الآن وقتاً عصيباً، فيجب أن نساعد إخواننا وأخواتنا هناك.
ويختتم جوهر قائلاً: بالمبلغ الذي حصلنا عليه مقابل بيع أسورة والدتي اشترينا 30 بطانية ومواد غذائية وملابس وحليب أطفال وسلمناها للسفارة التركية في الهند.
الروهنجيا في تركيا
وفي تركيا، يعيش خالد سلطان، وهو طالب ماجستير يدرس ويقيم في ولاية قونيا، وهو كذلك متطوع في الهلال الأحمر التركي، وهو واحد من أبناء الجالية الروهنجية فيها، يقول، في مقابلة مع «المجتمع»: عندما وقع الزلزال، اتجهت مع أصدقاء لي سوريين وأتراك من ولاية قونيا إلى هاطاي للمساعدة في أعمال البحث والإنقاذ، بقينا هناك لمدة ثلاثة أيام، ثم عدت إلى قونيا ومنها إلى إسطنبول.
حملة طلابية للروهنجيا
يضيف سلطان: كان لدينا مخيم شتوي للطلاب الروهنجيا في إسطنبول، لكن بعد وقوع الزلزال ألغينا كل الأنشطة الترفيهية، وقمنا بتدشين حملة إنسانية للمساعدة بالتشاور مع الطلاب وروهنجيين في دول أخرى، وبالفعل كانت الاستجابة واسعة فاشترينا مواد إغاثة ومساعدات غذائية وأرسلناها إلى المناطق المنكوبة، وهذا أقل شيء نقدمه لتركيا التي فتحت لنا أبوابها كمهاجرين وطلاب، ودعمتنا وساندت ولا تزال تقدم العون للاجئين الروهنجيا في المخيمات، ولا ننسى زيارة وزير الخارجية وقتها والسيدة أمينة أردوغان إلى مخيمات بنجلاديش ومساندتنا في محنتنا، ولا شك أنه عند وقوع الأزمات يكون الوقت المناسب لرد بعض من الجميل.