الحمد لله منزل أحسن الكلام، الذي جعله نورًا يهدي به من اتبع رضوانه سبل السلام، والصلاة والسلام على خير الأنام الذي جعل هديه شافيًا للقلوب من السقام، وبعد
الرقائق.. أصل الأصول
يزداد يقيني كل يوم أن الإيمان الحقيقي هو ما نسميه اليوم ازدراءًا -عن قصد تارة وعن جهل تارات- بالرقائق وكأنه مكمل للأصول وليس منها رغم أنه في الحقيقة أصل الأصول، وأراد من ليسوا منه في شيء تصدير تلك الصورة المخالفة لما عليه الوحي نصًا وروحًا على أنها الجادة في مقابل هزل من اهتم بصلاح الباطن!، والحقيقة أنهم عمدوا إلى أحكام فقهية مبنية على تصور الإيمان فظنوها نفس الإيمان وليس الأمر كذلك، فنفس عثاثة المتكلمين التي أدخلوها في العقائد دخلت على بعض من جابههم كردة فعل مقابلة والله المستعان.
إرادة تحقق الإيمان بين القلب والأحكام العملية
ويزداد يقيني أن ظلام النفس الذي يتبعه ظلام التصورات العقلية عن المسائل الشرعية -تصديقات كانت أو أعمالًا- سببه مازرعته في البعض تلك الفكرة الدخيلة من التقليل من إرادة تحقق الإيمان الحقيقي في القلب، وذلك في مقابل الغلو الشديد في تقدير وتقديم الأحكام العملية التي هي في الأساس فرع عن أصل تحقق تلك المعاني في القلوب، فتجد -مثالًا لذلك- غلوًا كبيرًا في جعل مسائل كالإيمان أو الكفر أشبه بمسائل رياضية ليس فيها تصور أمثل لماهية الإيمان والكفر فضلًا عن نسبة الأحكام العملية إليها تبعًا.
رهاب التصوف غير الجاد .. وغربة الزاهدين
إن من الدعاوى التربوية المتهافتة تخذيل الناس -لاسيما الناشئة منهم- عن التزود من تراث أعمال القلوب والسلوك بدعوى خوف مشابهة أهل التصوف غير الجاد، وهو من التطرف الذي بني على تطرف مقابل فكان ردة فعل غير محسوبة، وتبعها جيل كثير منه غلاظ الأكباد بليدي التصورات منعدمي الرحمة بأنفسهم قبل رحمتهم بالخلق!
إنه لمن غير المعقول ظلم فكرة فاضلة لأن قصر مدعون لها في تحقيقها، فمن صدّر ضرورة التربية وتعهد القلب وقصّر في تحصيل العمل التابع لذلك كاذب في دعواه، لأنه لو تحقق في القلب معنىً فلابد وأن يظهر موجبه في العمل، فليكن المُصلح على بصيرة من وجوب الواجبات بصرف النظر عن سوء فعل من ادعاها أو نسبت له.
إن الانفعال القلبي مع الحقائق الشرعية الذي يتبعه عمل مقيم في رعايتها هو علامة الإيمان الحقيقي، لا مجرد الدعاوى ولا تكثير المسائل ولا تحصيل المعارف فكل ذلك سبب في حصول الإيمان لا هو بمجرده نفس الإيمان، وعدم فقه تلك الفكرة هو ما أنتج أشباحًا تعجبنا أجسامهم لكن لا روح فيهم ولا ذوق.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.