«سعر موحد للدواء»، بهذا المطلب عاد صيادلة مصر لواجهة الأحداث، للتعبير عن رفضهم استمرار خسائرهم الاقتصادية وتآكل رأس مال الصيدليات وتكبيد المواطنين توحش أسعار الأدوية المرتبط بالتضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية (الدينار الكويتي = 100 جنيه مصري تقريباً)، بسبب وجود تسعيرتين للدواء في البلاد، منتقدين غياب نقابتهم عن أداء دورها النقابي والوطني، منذ فرض الحراسة غير القانونية عليها منذ عام 2019م.
وتقدمت شعبة أصحاب الصيدليات بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، في وقت سابق، بمذكرة رسمية إلى رئيس مجلس الوزراء د. مصطفى مدبولي، للمطالبة بسرعة العودة لقانون التسعيرة الجبرية على الأصناف الدوائية، وإلغاء سياسة السعرين، لم يتم الرد عليها بعد.
د. عبد الفاضل: غياب النقابة أثر سلباً علينا ولا بد من سعر موحد للأدوية
وعلى وسم «سعر موحد للدواء» على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر، نشر العديد من الصيادلة المصريين أوجه معاناتهم، وكشف البعض عن قرب خروج صيادلتهم من الخدمة أو اقترابهم من الإفلاس، مطالبين هيئة الدواء المصرية بفرض سعر موحد للأدوية.
خراب بيوت
في البداية، يوضح عضو الجمعية العمومية لنقابة الصيادلة المصرية والقيادي النقابي د. إسلام عبد الفاضل، في حديث لـ«المجتمع»، أن مهنة الصيادلة في خطر كبير من توابع الزيادات المتتالية لأسعار الأدوية، خاصة في ظل استمرار فرض الحراسة على النقابة العامة للصيادلة، وتغييبها عن الدفاع عن مصالح أعضائها، والحفاظ على توفير دواء بسعر عادل.
ويضيف عبد الفاضل أن الأمر امتد إلى عرض كبرى شركات توزيع الدواء للبيع لمستثمرين خليجيين، بعد خسائرها وعدم تعويضها فوارق الأسعار مع كل إنتاج وتحريك لسعر المنتج، في ظل التضخم الحالي؛ ما يحتم النص على تسعيرة موحدة تحمي الصيدلي من «خراب البيوت»، والمريض من ارتفاع الأسعار.
ويكشف القيادي النقابي البارز الذي يقود مع زملائه حراكاً لرفض الحراسة، عن حصول بعض الصيادلة على وعود بحل أزمة الحراسة بعد انتهاء انتخابات الرئاسة المقررة في ديسمبر المقبل، بجانب النظر في مطلب السعر الموحد للدواء قريباً، لكن –والكلام له- بسبب غياب النقابة، فإن الضغط وتبني المطالب وإيجاد حلول للمشكلات المتراكمة منعدم.
أزمة حادة
من جانبه، يوضح المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق في الدواء محمود فؤاد، في حديث لـ«المجتمع»، أن هناك أزمة حادة تعصف بالسوق الدوائية المصرية التي تعد من أكبر الأسواق في المنطقة، تقوم على فوضى تسعيرة الدواء ونقص المواد الخام المرتبط بالتضخم والعملة الصعبة، وخسائر كبيرة بالصيدليات تعصف بالصيادلة.
فؤاد: فوضى في التسعيرة ونقص للمواد الخام و84 ألف صيدلية تعاني
ويؤكد فؤاد أن هناك ما يقرب من 10 شركات تبيع منتجاتها بثلاثة أسعار مختلفة، طبقاً لآليات تحريك الأسعار الموجودة حالياً مع كل كمية إنتاج، وهذه مشكلة للمريض الذي يتحمل تكاليف مالية زائدة في فترة قصيرة، ومشكلة لأكثر من 84 ألف صيدلية بمصر تعاني من الركود والخسائر المالية بسبب قفزات الأسعار المتلاحقة.
ويشير المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق في الدواء إلى أن المساس بالصيدليات يعتبر مساساً بالأمن القومي المصري، فالصيادلة يقومون بدور صحي وتوعوي بجانب بيع الدواء، وهو ما ظهر بوضوح في بدايات أزمة وباء كورونا، حيث كان المصريون يخشون الذهاب إلى المستشفيات ويفضلون الصيدليات للاستشارة الطبية.
ووصف فؤاد ما يحدث حالياً في سوق الدواء بمصر، بأنها تعاني من تشوّه تسعيري، وفوضى غير مقبولة، مؤكداً أن هناك بعض الشركات تستغل نفوذها في تحريك أسعار منتجاتها أكثر من مرة، ما خلق أزمة حقيقية تتطلب رقابة سريعة.
ويلفت فؤاد الانتباه كذلك إلى أن الأزمة ليست في مشكلة غياب السعر الموحد، ولكن في استمرار نقص المواد الخام، المرتبط بالعملة الأجنبية، ومدى توافرها؛ مما أثر على صناعة الدواء، ودفع البعض للسحب على المكشوف من المخازن، في انتظار الوصول إلى شباك البنك المركزي المخصص لتوفير العملة الأجنبية، الذي يقول: إن مصانع المنشطات والأدوية التكميلية تزاحم عليه مصانع الأدوية الملحة، مثل أدوية الغدة والأنسولين المائي والأورام والهرمونات.
وتوقع المصدر ذاته أنه بحلول نهاية أكتوبر الجاري، ستحدث مشكلة أكبر في السوق الدوائية المحلية، بسبب المواد الخام، وهو ما حذر منه في مشاورات مع الجهات الرسمية والبرلمانية، مشيراً إلى أن مصانع الأدوية بدأت في توفير العمالة وتخفيض الإنتاج بسبب تناقص المواد الخام.
حمدي: الصيدلي يخسر.. وأحذر من انهيار الصيدليات الصغيرة والمتوسطة
مخاوف كبيرة
المراقبون للشأن الصحي كذلك لديهم مخاوف كبيرة حول تلك الأزمة، وهو ما عبَّر عنه لـ«المجتمع» الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الطبي محمد حمدي، موضحاً أن الأزمة الحالية تعرض الصيادلة لخسائر مالية كبيرة، دفعت بعضهم للاتجاه إلى التصفية والغلق، لتباين الأسعار التي تلتهم أرباحهم في ظل غياب السعر الموحد، كما هي الحال قبل عام 2016م.
ويشير حمدي إلى أن الصيدليات باتت مشروعاً خاسراً، ما يضر بالمريض والصيدلي والمجتمع، محذراً من أنه لو انهارت الصيدليات الصغيرة والمتوسطة سيؤدي ذلك إلى زيادة الضغط على القطاع الصحي الحكومي المنهك في الأصل.
ويرى حمدي أن غياب النقابة العامة لصيادلة مصر عن أداء دورها بسبب فرض الحراسة عليها؛ فاقم من الأزمة الحالية، لعدم وجود داعم للصيادلة أمام ما يحدث من متغيرات سلبية.