ليست فكرة «زوال إسرائيل» متعلقة فقط بالعرب والمسلمين، إنما هي فكرة يعتقد بها الكثير من اليهود أيضاً، مثل الحاخام شمعون بن يوحاي، والحريديم، وغيرهم.
والحريديم طائفة يهودية أصولية متطرفة، تلبس نساؤها «الفرومكا»، وهو زي نسائي، ويربي رجال طائفة الحريديم لحاهم دون تهذيب، ويرتدون المعطف الطويل الأسود والقبعة السوداء، ويحرم على المرأة الحديث في الهاتف المحمول في الشوارع أو محطات الأتوبيس والأماكن العامة؛ حيث يعتبرون صوت المرأة عورة وكل جسدها عورة أيضاً.
فضلاً عن الجماعات المناهضة للصهيونية التي من أبرزها «ناطوري كارتا»، مع وجود العديد من الشخصيات السياسية والنخبوية والصحفية، بل حتى من مؤسسي هذا الكيان، أمثال: ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لـ«إسرائيل» عام 1948م، وناحوم غولدمان رئيس المؤتمر الصهيوني، وأبراهام يورغ، رئيس الكنيست السابق، وإيهود باراك، رئيس الوزراء الأسبق، ونفتالي بينيت، رئيس الوزراء السابق، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي، وغيرهم.
وبعرض عدد من النبوءات التوراتية، يمكن الإشارة إلى ما ورد في سفر ملاخي آخر أسفار العهد القديم من إنذار ووعيد لليهود الذين ينطبق عليهم بشكل خاص وصفهم بالصهاينة الأقحاح ومن يؤازرهم، فهذا السفر يبشر اليهود الصهاينة بالكارثة التي ستحل بهم، فتحت عنوان يوم الرب، وكما هو مفهوم اليوم الذي يحمل بشارة خلاص الإنسانية من الشرور بقدوم المخلص ومعه القديسين، قال ملاخي لليهود: «لقد أسأمتم الرب بكلامكم وتقولون بما أسأمناه؟ بقولكم: كل من يصنع الشر فهو صالح في عيني الرب، وبهم هو يرتضي أو بقولكم: أين إله العدل».
أما بخصوص نبوءة دانيال، «فقد استيقظ النبي دانيال ذات يوم فزعاً، فقد توالت عليه أحلام غريبة لم يجد لها تفسيراً، كان مما رأى أن 4 حيوانات عظيمة مختلفة صعدت من البحر المحيط، الأول: كالأسد، ولـه جناحا نسر، والثاني: كالدب، وفي فمه ثلاثة أضلع، والثالث: مثل النمر، وله أربعة أجنحة وأربعة رؤوس، والرابع: حيوان هائل قوي لـه أسنان من حديد، أكل وداس بقية الحيوانات برجليه، وله عشرة قرون طلع بينها قرن صغير طلعت من قدامه ثلاثة قرون، وظهر لهذا القرن الصغير عيون، وفم إنسان، فتكلم بإلحاد وكفر، ثم تكون نهاية القرن الصغير هي الهلاك على يد قديم الأيام ذي العرش الذي تخدمه الألوف المؤلفة» (سفر الرؤيا).
وفي السياق نفسه هناك نبوءة يهودية أوردها الحاخام شمعون بن يوحاي في كتابه الزوهار، ويعد بن يوحاي من أعظم الحاخامات التاريخيين لليهود، الذي عاش في القرن الثاني الميلادي، وله قبر يزوره اليهود كل عام في جبل ميرون القريب من مدينة صفد (شمال فلسطين)، (حيث وقع حادث مقتل 38 من اليهود المتدينين في انهيار جسر خلال إحيائهم لحفل في أبريل 2021م)، وتتحدث هذه النبوءة عن مصير «إسرائيل» بالقول: «يأتون من أرض بعيدة إلى جبل «إسرائيل» العالي، ينقضون على الهيكل ويطفئون الأنوار، يعبرون فلسطين ناشرين الدمار الكامل ولا تخلص «إسرائيل»، وكل من صودف طعن، وكل من وقع أخذ بالسيف، وكل من يتلو اسمع يا «إسرائيل» الرب إلهنا يقتل، وسيهرب بنو إسرائيل حتى سهل أريحا ثم يأتي أبناء أشور فيدمرون إسرائيل».
أما قصيدة «كسرات الغنيزا» التي تشكل نبوءة يهودية قديمة، تصف زمن مشكلات ومعارك في فلسطين قبل مجيء المسيح المنتظر اليهودي- الماشيح فتقول: «سوف يتحارب الآدوميون (الروم) والإسماعيليون (المسلمون) في عكا حتى تغوص الخيل في الدم، سوف ترجم غزة وبناتها، وتضرب عسقلون وأشدود بالرعب»!
أما حركة ناطوري كارتا فهي حركة يهودية تطلق على نفسها اسم حراس المدينة، تعد من أهم وأقدم الحركات الحريدية اليهودية المتدينة، تأسست عام 1935م، وهي التي تحارب الفكر الصهيوني في العالم ولا تؤمن بدولة «إسرائيل»، تعدادهم يقارب 5000 ويتواجدون في القدس ولندن ونيويورك، تم تأسيسها في سنة 1935م، تعارض هذه المجموعة الصهيونية وتنادي بخلع أو إنهاء سلمي للكيان «الإسرائيلي»، وإعادة الأرض إلى الفلسطينيين، ويبلغ عدد أتباعها ما يفوق نصف مليون في مختلف أنحاء العالم، عشرات الآلاف منهم يتواجدون داخل «إسرائيل» في حي مائة شعاريم بالقدس ومدينة بني براك، ويتصرفون بعكس كل توجهات مؤسسات «إسرائيل»، بل يحاربونها في كل شيء، من العطل إلى رفض التجنيد، يقول الناطق الرسمي باسم الحركة ديفد وايز: التوراة تقول: «إن من يقف ضد إرادة الله لن ينجح»، وهذه (الكيان العبري) سوف تنتهي لأنها عبارة عن عمل تمرد ضد ما حرمه الله وحظره، ثم يحمل الصهاينة مسؤولية هم ما يقومون به من اعتداءات، في غزة والضفة الغربية وفي لبنان، مؤكداً أن هذه الاعتداءات ستنتهي قريباً، لكن لا يعلم الوقت المحدد لذلك.
أما من رأى من الساسة والمثقفين في الكيان قرب زواله، فهم كثر بحيث لا يستطيع الباحث تعدادهم، لكن سنورد أبرز الآراء:
أولاً: ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان «الإسرائيلي» عام 1948م عاش ومات، وهو مقتنع بحتمية زوال الكيان بعزيمة الأجيال الفلسطينية الجديدة، فقد روى زميله المقرب ناحوم غولدمان، رئيس المؤتمر الصهيوني لعدة دورات، في كتابه «المفارقة اليهودية»، تفاصيل لقاء ليلي مطوّل له مع بن غوريون في منزل الأخير عام 1956م، خصه فيها بالكشف عن آرائه الصادمة: اعترف له بحق الفلسطينيين بأرضهم، مؤكداً أن كيانهم هو كيان احتلال، وتوقع ألا يدفن ابنه عاموس في الكيان «الإسرائيلي»؛ لأن العرب لن يسكتوا ولن يرضخوا لاحتلال أرضهم ومقدساتهم.
ثانياً: ناحوم غولدمان الذي كان من أعلام الكيان، حيث أسس وترأس المؤتمر الصهيوني لسنوات، ذكر في عدة كتب له: أن دولة «إسرائيل» سوف تختفي من الوجود إن هي ظلت تمارس الإرهاب اليومي، ولا تعترف بوجود دولة فلسطينية، داعياً الجيل «الإسرائيلي» القادم بأن يعترف بحق الشعب الفلسطيني في الوجود، وأن ينصهر معه في علاقات اقتصادية، متوقعاً ألا تستمر الولايات المتحدة الأمريكية بمد الكيان بمساعداتها الاقتصادية والعسكرية.
ثالثاً: البروفيسور إسرائيل شاحاك فيقول: إنه متأكد من أن الصهيونية ستندثر في المستقبل، فهي تعمل بعكس الآراء المشتركة لمعظم شعوب العالم، مؤكداً أنها ستجلب كارثة على المنطقة، وقبل كل شيء على اليهود أنفسهم.
رابعاً: يوفال ديسكن، رئيس «الشاباك» السابق: توصل إلى نتيجة، عرضها في مقال لجريدة «يديعوت أحرونوت»، يستخلص فيها أن: «إسرائيل» لن تبقى للجيل القادم، موضحًا أسباب ذلك، بازدياد نسبة الفلسطينيين في «إسرائيل» من جهة، وازدياد نسبة الحريديم من جهة أخرى، والحريديم برأيه هم عالة على المستوطنين الآخرين، لأنهم لا يؤدون التزاماتهم للدولة ولا يخدمون في الجيش، ما سيدفع الآخرين للهجرة، وعندها يصبح الفلسطينيون هم الأكثرية، يدفع بتطور العنف وسيدفع كل من يستطيع من اليهود للهرب إلى أمريكا والغرب.
خامساً: أبراهام يورغ، رئيس الكنيست السابق، فقد أثار جدلاً كبيراً داخل الأوساط «الإسرائيلية»، على مدى السنوات السابقة، التي جهر فيها بآرائه وكتبه التي حذرت من توافر أسباب زوال «إسرائيل»، واصفاً الكيان بأنه «غيتو صهيوني» يحمل أسباب زواله في ذاته، وكان بورغ نجماً من نجوم اليسار «الإسرائيلي» في وقت من الأوقات، وتقلد العديد من المناصب المهمة من بينها رئاسة الكنيست لأربع سنوات، ورئاسة الوكالة اليهودية من أجل «إسرائيل»، والمنظمة الصهيونية العالمية.
ويرى بورغ أن «إسرائيل» التي لم تعد تعبأ بأبناء الفلسطينيين لا ينبغي أن تتفاجأ حين يأتي الفلسطينيون إليها مشحونين بالحقد ويفجرون أنفسهم في مراكز اللهو «الإسرائيلية»، وأضاف أنهم يريقون دماءهم في مطاعمنا ليفسدوا شهيتنا لأن لديهم أبناء وآباء في البيت يشعرون بالجوع والذل.
ويفخر بورغ بأنه يحمل جواز سفر فرنسياً اكتسبه بالزواج من امرأة فرنسية المولد، وينصح كل مستوطن يستطيع الحصول على جواز سفر لدولة غير «إسرائيل» أن يفعل ذلك.
ومن جهته، يعتقد الكثير من «الإسرائيليين» أن عمر دولتهم لن يدوم أكثر من 80 عامًا، ويعني هذا أن «إسرائيل» التي تأسست في 14 مايو 1948م بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين واحتلال الأرض العربية، في طريقها إلى الزوال قبل عام 2028م، يجيء هذا الاعتقاد بسبب ما أثبته التاريخ من أن الدولتين اليهوديتين السابقتين «مملكة داود وسليمان»، و«مملكة الحشمونائيم»، لم تصمد أي منهما أكثر من 80 عامًا؛ لذا يسود اعتقاد بين اليهود أن دولتهم الثالثة القائمة حاليًا على الأراضي الفلسطينية المحتلة قد اقترب زوالها.
ففي أكتوبر 2017م، حذّر رئيس الوزراء «الإسرائيلي» –آنذاك– بنيامين نتنياهو، من الأخطار التي تواجه «إسرائيل»، وشدد على ضرورة مواجهة الدولة للتهديدات حتى تتمكن من الاحتفال بعيد استقلالها المائة، وخلال حديثه أشار نتنياهو إلى مملكة الحشمونائيم التي نجت قرابة 80 عامًا، وأنه يسعى ويجتهد لكي تبلغ «إسرائيل» عامها المائة، وقد تأسست مملكة الحشمونائيم في المنطقة عام 140 ق.م بعد تمرد الحشمونائيم، وانتهت باحتلال الإمبراطورية الرومانية للمنطقة عام 63 ق.م.
وكان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق إيهود باراك قد كتب مقالاً في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، في 4 مايو 2022م، تحت عنوان «بوحدتنا فقط سننتصر»، الذي أعرب فيه عن قلقه من قرب زوال «إسرائيل» قبل إكمال عقدها الثامن؛ وعلل ذلك بأن التاريخ اليهودي لم يشهد على تعمير دولة يهودية أكثر من 80 عامًا إلا في فترتين فقط؛ فترة دولة الملك داود، وفترة الحشمونائيم، وكلتا الفترتين كانت بداية تفككهما في العقد الثامن.
وأشار باراك، في مقاله، إلى أن لعنة العقد الثامن لا تخص الدولة اليهودية فحسب، وإنما أصابت أمريكا في عقدها الثامن بنشوب الحرب الأهلية، كما تحولت إيطاليا إلى دولة فاشية في عقدها الثامن، وكذلك فقد تحولت ألمانيا إلى دولة نازية أيضًا في العقد الثامن؛ مما تسبب في هزيمتها في الحرب العالمية وتقسيمها.
ويبدو أن عملية «طوفان الأقصى» البطولية والجريئة وغير المسبوقة والمعاكسة لكافة نظريات العلوم والعقيدة العسكرية الغربية والشرقية على حد سواء بخصوص الإستراتيجيات والتكتيك وعدم التوازن في العدد والعدة، جاءت في الوقت المناسب وكأنها قدر إلهي للبداية الحقيقية لزوال «إسرائيل».