يلفت انتباهك هذا الجيش العجيب من شباب لا يضع صوره على صفحات العالم الأزرق، متباهياً بسلاحه الذي يحمله، مستعرضاً زيه وعضلاته، يخرج من حفرته التي يعيش فيها من شهور طوال، ملابسه غاية التواضع، ربما حافي القدمين، لا يهتم بما وقع فيه أبناء جيله من حب للشهرة ومحاولة اللحاق بعالم «الترند».
هذا الشاب المقاوم الذي لا نعلم له اسماً، غيّر المعادلة الدولية، وجعل ليل العالم بأسره نهاراً، بل اجتمعت عليه قوى العالم لا تريد إلا إبادته والخلاص منه حتى لا يخرج عن منظومة تُرسم منذ سنوات طوال، وعن طفلهم المدلل -الكيان الصهيوني- الذي يربونه ويعدونه من زمن بعيد.
إنهم الفريق الذي أراده الإسلام، بل حثنا أن نكون منهم، الأخفياء الأتقياء أصحاب الأثر دونما أن نعرف من هم، بعدما خسر فريق المنافقين المتلونين معول الهدم والخيانة في المجتمع، فلا ولاء لديهم لمجتمعهم.
تركيبة عجيبة
وهنا نقف أمام هذه التركيبة العجيبة التي يمتلكها هؤلاء، لا يهتمون بظهور أشخاصهم، وإن كانوا يبذلون أرواحهم في سبيل الحفاظ على أوطانهم وبناء أمتهم وإخراج المحتل من أرضهم، يخافون أن تُعرف أشخاصهم؛ فنجاتهم ورفعة مكانتهم في إخلاصهم وإنكار لذاتهم.
إنهم أناس يسيرون على الأرض ارتقت قلوبهم حتى ارتبطت بخالقها، وارتفعت جباههم حتى لامست السحب، فصاروا لا يرون أحداً من البشر، لا هدف لهم إلا رضا رب البشر.
وقد حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على إخفاء العمل والحرص على الخبيئة من العمل الصالح، وكونها رافعة لدرجة صاحبها، فكان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل ذكر الله خاليًا، ففاضت عيناه»، ومنهم «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله»، وقال صلى الله عليه وسلم: «فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع» (رواه الطبراني).
وعن ثوبان رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء» (رواه البيهقي).
وما أروع ما ورد عن السلف الصالح نجوم السماء في هذا الباب وغيره، يقول أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السر حتى مات عليّ بن الحسين، وقال ابن القيم: «أنفع العمل أن تغيب فيه عن الناس بالإخلاص، وعن نفسك بشهود المنة، فلا ترى فيه نفسك ولا ترى الخلق».
يقول الشيخ الغزالي: «إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يُفتقدوا، وإن حضروا لم يُعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة، أجل إن الله يحب أولئك العاملين في صمت الزاهدين عن الشهرة والسلطة المشغولين باللباب عن القشور المتعلقة قلوبهم بالله، لا تحجبهم عنه فتنة ولا تغريهم متعة، وما أفقر أمتنا إلى هذا الصنف المبارك! بهم ترزق وبهم تنصر»
جدد إيمانك
إذا أردنا تجديد إيماننا فعلينا بهم، وكما قيل: يتحصل الإيمان بالساجد قبل المساجد، فالإيواء لمثل هؤلاء يجعل الروح أكثر راحة وطمأنينة، يروى أن أبا بكر، وعمر، كانا يذهبان إلى أم أيمن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم يتنسمان عندها عبير النبوة، ويتذكر أن رسول الله كان كثير الزيارة لها.
وكان ابن المبارك يأتي إلى محمد بن واسع فيجالسه ساعة يرق بها قلبه شهراً.