تميزت الثلة المسلمة من الجماعة الأولى التي تربت على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصائص مهمة جعلتها تتقدم بخطوات ثابتة وغير مسبوقة نحو صياغة الشخصية المسلمة التي تُقيم الدولة المسلمة، القائمة على قواعد الإسلام وتحتكم إلى شرائعه، وتساهم في صناعة الحضارة الإنسانية الرائعة المنشودة.
من أبرز خصائص هذه الشخصية أنها تميزت بالعلم والفقه الصحيح في العقائد والشرائع والآداب، وفق ما جاء عن طريق مصدري الشريعة الأساسيين؛ القرآن الكريم وصحيح السُّنة الشريفة –الرواية والدراية- وهذا منهج الذين أنعم الله عليهم بالهداية والتزام الحق، قال تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (الأعراف: 181).
لقد كان صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من غيرهم لاصطفائهم لصحبة نبيه والإيمان به، وتصديقه والجهاد معه وتحت رايته؛ فقلوبهم خالية من كل ميل أو زيغ أو هوى يخالف ما جاءت به النصوص الشرعية؛ مع استعداد منقطع النظير لقبول ما جاء عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والانقياد له دون تردد؛ فكانوا أعلم الناس به وأخلصهم له، وكانوا يفدونه بأرواحهم في الأوقات الصعبة ويقولون: «نحري دون نحرك يا رسول الله».
كانت نصوص القرآن والسُّنة تأتي في كثير من الأحيان في سياق أسباب تتعلق بهم مباشرة بصورة فردية أو جماعية تؤثر فيهم أعظم التأثير لأنها تمس واقعهم؛ فتُحدِث في نفوسهم تأثيراً وجدانياً عميقاً بالوحي والإيمان بما جاء به من أوامر ونواهٍ تلامس الوجدان، وتدخل القلوب وتؤثر في العقول.
كان الصحابة يتعاملون مع العلم ليس بكونه علماً مجرداً دون أن تكون له علاقة بالقلب والجوارح؛ بل يتعاملون معه كعلم يتعلق بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله؛ فنتجت محبتهم لله والتقرب إليه والشوق إلى لقائه وطمعاً في جنته وحسن الظن به؛ فتكامل لديهم بذلك العلم بالله والإيمان به، وهذه المعاني الوجدانية هي المقصود في تشكيل الشخصية المسلمة، وهي الأعظم في تحصيل حقيقة العلم وتحقيقه قولاً وعملاً، كان الصحابة رضي الله عنهم عُباداً في الليل فرساناً بالنهار، وهذه أكمل خصائص الشخصية المسلمة وهي الجمع بين العمل للدنيا والآخرة معاً دون إفراط أو تفريط وبميزان دقيق التوازن والاعتدال.
ومن السمات والخصائص التي يجب أن يتحلى بها المسلم في حياته:
– الأسوة الحسنة: من الواجب على المسلم أن يعكس شخصيته الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في سلوكه، فقد ذكر القرآن الصفات والخصائص التي تشكل صورة واضحة الملامح لشخصية المؤمن كما أرادها الله تعالى، وهي الصورة التي تُمثلها في أكمل صورها شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأنه كان «خلقه القرآن»؛ ولأن الله تعالى قد أدبه فأحسن تأديبه؛ فهو الأسوة الحسنة الكاملة.
– استقلال الشخصية: فهو يعتنق الحق ويسير على ضوئه ويعمل في دائرته دون أن يكون هناك أي تأثير خارجي عليه، وقد حرص الإسلام على تحرير الشخصية لئلا تستبد بها الآفات أو تحتلها الأباطيل والنزعات، فليس لأحد أن يخضع إلا لله، ودعا إلى تحرير الشخصية من العادات السيئة والتقاليد المرفوضة، وحث المسلم إلى تحرير شخصيته من الخوف والقلق.
– العلم: حيث يجعل شخصية المسلم تتسامى وترتفع بالعلم الذي يكشف له طريق الحق والخير، وينير سبل الحياة فيمضي فيها المسلم على هدى، فتتميز شخصيته عن غيره بالفكر والعلم المفيد له في دنياه التي فيها معاشه وآخرته التي إليها معاده.
– العبادات: تعتبر من قواعد الإسلام قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، وهي التطبيق العملي للعقيدة الإسلامية، فهي التي تثمر السلوك السليم والخلق القويم، وترسم خصائص شخصية المسلم، فيعيش بها حياته موصولاً بحبل بربه، حانيًا على مجتمعه، ففي كل عبادة من عبادات الإسلام يستشعر المسلم نبض الإيمان في أعماقه فلا ينبعث منه البذل والعمل الصالح والإيثار على نفسه ولو كانت به خصاصة.
– العمل: يعتبر من الأسس المهمة في بناء شخصية المسلم، فالمسلم العامل له في الحياة أهميته مهما كان عمله ما دام عملاً شريفًا، وما دام كسبه حلالاً، فهو يشارك في عمارة الحياة وازدهارها، ويعمل على دفعها إلى الإمام، وتنهض شخصية المسلم على أساس العمل بإتقانه له؛ أخروياً كان أو دنيويًا، وكما قال عبدالله بن عمرو بن العاص: «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً».
– الجهاد: من خصائص شخصية المسلم أنه يتصف بالشجاعة؛ فالمسلم شجاع ليس بالخوار ولا يعرف الجبن إلى قلبه سبيلاً، يتحلى بعقيدة راسخة يرى من خلالها أن الأجل واحد، لذا فهو يدافع عن الدين وعن النفس والعرض والأرض والمال وفي قلبه يقين لا يتزعزع؛ إما نصر وإما شهادة في سبيل الله.
– الثبات في العسر وفي اليسر: المسلم شاكرًا لربه في السراء، صابر في الضراء، وللمسلم شخصيته المتوازنة نحو المال الذي استودعه الله إياه، فهو يتصرف فيه بالطرق المشروعة من غير إسراف أو تقتير، سائرًا على المنهج القرآني الذي رسمه الله تعالى في قوله: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان: 67).
– الصدق: هو قوام شخصية المسلم، وهو أول عناصر بناء الشخصية المسلمة منذ فجر الصبا على أيدي الآباء والأمهات في تنشئة الأبناء عليه منذ صغرهم، ويستمر خلق الصدق مع المسلم منذ عمر التمييز حتى آخر لحظة من العمر.
– الأمانة: هذا الحمل الذي ناءت بحملة السماوات والأرض وحملها الإنسان، ومن مقتضيات هذه الأمانة التي حملها الإنسان العمل بها، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له، ولا دينَ لمن لا عهدَ له» (رواه مسلم)، ولعظمة وما تشتمل عليه من أحكام الدين الشرعية، فإن من خصائص الإنسان المسلم أن ينجح في حملها على أكمل وجه، ويتحلى بها في سلوكه بكونها إحدى خصائص شخصيته.
– استقلال الشخصية: يجب على المسلم أن يعتنق الحق ويسير على ضوئه ولا يحيد عنه، ويعمل في دائرته دون أن يكون هناك أي تأثير خارجي عليه، فقد حرص الإسلام على تحرير الشخصية المسلمة من كل القيود والتجرد عن كل ميل أو تبعية؛ فليس لأحد أن يخضع إلا لله وحده دون سواه.
هذا ما تتميز به خصائص الشخصية المسلمة التي تلتزم بكتاب الله وترغب في أن تتمثل برسول الله، فهو أكمل شخصية في تاريخ البشرية، وواجب على كل مسلم يرغب في كمال الشخصية أن يتأسى ويقتدي به، وقد أمر الله المسلمين أن يجعلوه قدوة وأسوة حسنة: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب: 21)، وبالاقتداء به صلى الله عليه وسلم تكتمل شخصية المسلم وترتفع نحو الجمال والكمال المطلوب.