تُعَرَّفُ التربيةُ الإسلاميةُ بأنها: النظام الاجتماعي الذي يحدد الأثر الفعّال للأسرة والمسجد والمدرسة في تنمية النشء والكبار من مختلف جوانب الشخصية؛ بما يمكّنهم من أن يحيوا حياة سعيدة في الدنيا ويُثابون عليها في الآخرة. أما الجهاد في الإسلام فهو: استفراغ الوسع في مجاهدة العدوّ؛ شرط أن يكون هذا العدوّ غير مُعَاهَد، وقد شُرع لأجل إعلاء كلمة الله، وهو لا يقتضى استعمال القوة في جميع الأحوال، إنما يكون ذلك بعد استنفاد الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن. شُرعت هذه الفريضة على المسلمين بعد الهجرة من مكة دفاعًا عن النفس؛ (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (البقرة: 109)، ثم توالت الآيات والأحاديث التي تحضُّ عليه وتعدهم على ذلك أحسن الجزاء.
أسس التربية الجهادية
تقوم التربيةُ الجهاديةُ على التعريف بنوعي الجهاد والتدريب عليهما؛ وهما: ما كانت وسائله متعددة ومتطورة خاضعة لتغير الزمان والمكان؛ أو ما كانت وسائله ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان. فالدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، والدفاع عن عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام، وجهاد أعداء الدين بالقوة.. كل هذه تبعٌ للنوع الأول. أما النوع الثاني فيشتمل على: الإعداد المالي للقتال، وإعداد المجاهد (روحيًّا وعقليًّا وخُلُقيًّا وبدنيًّا)، وإعداد الآلة العسكرية، وإعداد الْقُوى المساندة، وإحياء فقه الجهاد في سبيل الله. وتتضمن التربية الجهادية أيضًا: العلم بالأسس التي قام عليها الجهاد، باعتباره ذروة سنام الإسلام، وما يلزمه من صبر واحتمال للمشاقّ، وهو غاية المؤمن وأمله لنيْل الشهادة ودخول الجنة، ثم هو الوسيلة العظمى للاستخلاف في الأرض والتمكين لدين الله تعالى.
إعداد الرجال لمهمة الجهاد
وإنّ إعداد الرجال الذين يحملون هذا العبء هو المحطة الأولى من محطات التربية الجهادية؛ إذ إن نجاح الفكرة مرتبطٌ بالنجاح أولًا في إنتاج الرجال الذين يليقون بها؛ فـالرجل كما يقول الإمام «البنّا»: (سرُّ حياة الأمم ونهضتها، وإن تاريخ الأمم جميعًا إنما هو تاريخ من ظهر بها من الرجال النابغين الأقوياء النفوس والإرادات، وإنّ قوة الأمم أو ضعفها إنما تُقاس بخصوصيتها في إنتاج الرجال الذين تتوافر فيهم شرائط الرجولة الصحيحة). من أجل ذلك وجب إنشاء محاضن تربية، الهدف منها: تكوين جيل رشيد، وتعبئته لحمل واجب تبليغ الفكرة الجهادية؛ ما يتطلب تجهيز مدارس لتثقيفهم ثقافة شرعية وإنسانية وحركية، ولتجهيزهم جاهزية معنوية، وذهنية ومادية، ولتدريبهم على المهارات الحياتية. ومن المفترض أن يكون المُنْتَجُ من هذه المحاضن رجلَ عقيدةٍ، له غايةٌ وشرعةٌ وسبيلٌ وأُمنيةٌ، وله صفاتٌ وأخلاقٌ تميزه عن غيره؛ ما يجعله كفؤًا وإخوانه لتحمُّل التبعة وقيادة الأمة.
أهداف الجهاد
وتقوم التربيةُ الجهاديةُ أيضًا على التعريف بأهداف الجهاد والتي تتضمن: تأمين حرية العقيدة ومقاومة الشرك والكفر؛ لما لهما من ضرر بالغ على فطرة الإنسان وإفساد قلبه وعقله، فضلًا عن إحباط العمل وخسران الآخرة. وكذلك تأمين حرية التفكير والتعبير؛ من أجل حماية حقوق الإنسان، وصوْن كرامته وإنسانيته، وتحريره من التقليد والجمود. ومن أهداف الجهاد أيضًا: تأمين حرية العباد لعبادة الله وحده وبطلان عبادتهم للعباد، وهو هدف الأديان السماوية جميعها، والذي إذا لم يحققه الإنسان عاش شقيًّا ووقع في دائرة الاضطراب والخلل النفسي.
واقع الأمة
خلافًا على ما كانت عليه فيما مضى –تعاني أمة الإسلام الآن من ضعفٍ ماديٍّ وتخلفٍ حضاريٍّ، على غير ما أمر به الإسلام؛ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60)، في حين يمتلك أعداؤها قوًى مادية وعلمية وتقنية غير مسبوقة، وقد أُصيبت الأمةُ في ناحيتها السياسية بالاحتلال من جانب أعدائها، والحزبية والخصومة والفرقة والشتات من جانب أبنائها، وأُصيبت فكريًّا بالفوضى والمروق والإلحاد، بهدم عقائدها وتحطيم المُثل العليا في نفوس أبنائها.. لقد انتصر المسلمون الأوائل حين كانوا أقوياء الإيمان، آخذين بأسباب القوة، ولا تزال انتصارات الماضي صالحة لأن تكون أمثلة تُحتذى لإحراز النصر في أيِّ معركة يستجمعون فيها صفوفهم، ويتزودون فيها بالإيمان والعمل الصالح.
نتائج القعود عنِ الجهاد
لمّا ضعف تمسّك المسلمين بدينهم، وساء فهمهم لمكانة الجهاد فيه، وسيطرت عليهم الفرقة والخلاف كان طبيعيًّا أن يتخلفوا علميًّا وتقنيًّا في عصرٍ القويُّ فيه هو من يملك عناصر المادة، وكان طبيعيًّا كذلك أن يغزوهم أعداؤهم فكريًّا على مستوى الشعوب، وأن يسيطروا على قراراتهم على مستوى الأنظمة والحكومات. وقد نتج عن ذلك أن تضعضعت الأمة وتداعت عليها الأمم، وأصيبوا بالفتن والمحن، وتوالت هزائمهم رغم كثرتهم، وسقطت هيبتهم في عيون أعدائهم، وصاروا مطمعًا لكل من هبّ ودبّ، فعجزوا عن حماية دولة الخلافة التي سقطت، وسقط معها الكثير من عُرى الإسلام، ثم لم يجرؤوا على منع إقامة دولة اليهود في فلسطين، قلب الشرق وموطن المقدسات، وإلى الآن لا يزال الجرح الفلسطيني نازفًا إلّا من قلة مجاهدة مُحَاصَرة تقاتل لعلاجه، وقد رأينا عجز المسلمين عن إدخال شربة ماء لأهل غزة، بله إنقاذهم من مجاعة وشيكة.
واجب الوقت
وجب على المسلمين الآن –أكثر من أي وقت مضى- إحياء تلك الفريضة الغائبة، واسترجاع فقهها، إن أرادوا النهوض والعزة، وأن يوقن المسلم بأن الأمة التي تحسن الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة يهب الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلّنا إلا لحب الدنيا وكراهية الموت.. وأولى خطوات التربية الجهادية تكون في البيت المسلم بتنشئة الأبناء على معرفة مكانة الجهاد في الإسلام، وأهميته في ردّ العدوان ونشر دعوة الله، وتبصيرهم بأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. ومن الحتمِ تأهيل المجتمع لهذا الأمر، بتغيير نظرته للجهاد التي شوّهها أعداء الإسلام، وشاركهم في ذلك نخبٌ من جلدتنا، ولن يتم ذلك إلا بتغيير سياسي يضمن تأسيس محاضن جهادية لتأهيل الشباب وفق معتقد الحق في المقاومة، بكل السبل، ضد المعتدين على أرضنا ومقدساتنا؛ سعيًا لاستقلالنا واسترداد حريتنا وكرامتنا.. وطبيعي أن ذلك سوف يحثُّ الحكومات والأنظمة على أداء واجبها نحو التربية على الدفاع عن النفس، وعدم الخضوع لمحاولات تغييب الجهاد أو تشويهه أو تسميته بغير اسمه، أو استعداء جماعاته التي تدافع –في الحقيقة- عن شرف الأمة وعزّها.