تمثل فتنة العلاقات العاطفية المحرمة تحديًا كبيرًا يواجه الشباب في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وتُعزى إلى مجموعة من العوامل والمؤثرات التي تساهم في انتشارها وتفاقمها، على رأسها تسطيح الوعي عبر وسائل التأثير الفكري، ومنها الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، إضافة إلى الفراغ النفسي، بحسب دراسات متخصصين في علم الاجتماع.
ويُظهر تحليل هذه الجوانب تعقيد هذه الظاهرة وضرورة التفاعل معها بشكل شامل، إذ أوردت دراسة بشأن التأثر المزدوج لوسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات العاطفية للشباب، نشرتها مجلة «علم النفس الاجتماعي» عام 2019م، أن منصات الإعلام الاجتماعي ذات تأثير كبير في تغيير القيم والتقاليد لدى الشباب والفتيات عبر تشجيعهم على استكشاف علاقات عاطفية خارج إطار الخطبة والزواج.
وأوردت الدراسة أن نقص التوجيه الأسري أحد أبرز عوامل هيمنة الوعي السطحي على عقول الشباب والفتيات، فضلاً عن الفراغ النفسي، الناتج عن نقص التفاهم داخل الأسرة من جانب وتأثيرات الإعلام والثقافة الشعبية من جانب آخر.
وسلطت دراسة أخرى، نشرتها مجلة الدراسات الدينية عام 2016م، الضوء على دور غياب الوعي الديني في تهيئة بيئة الفراغ النفسي المساهم في زيادة الانخراط في علاقات عاطفية محرمة.
كما تساهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية في زيادة الشعور بالانضغاط لدى الشباب والفتيات، وهو شعور يحتاج إلى تفريغ نفسي يمارسه ناقصو الوازع الديني في شكل علاقات يبحثون بها عن زيادة الراحة العاطفية، حسبما أوردت دراسة نشرتها مجلة «الدراسات الاجتماعية والاقتصادية» عام 2019م.
وأوردت دراسة نشرتها مجلة «العلوم الإنسانية والاجتماعية» بجامعة القصيم عام 2019م، أن العلاقات العاطفية المحرمة بين الشباب والفتيات ذات آثار سيئة على الصحة النفسية والعقلية والروحية للمتورطين فيها، فهي تتسبب في مشاعر سلبية خطيرة، مثل: الضعف والتشتت والتوتر والقلق والاكتئاب والندم والحزن والخوف والذنب والحيرة والشك والغضب والكره والانعزال، وغيرها من المشكلات النفسية التي تحجب الشعور بالسعادة والرضا والثقة والإنجاز.
مدرسة غزة
في مقابل الحب الحرام، يقدم قطاع غزة، المحاصر منذ 17 عاماً، الذي يتعرض لإبادة صهيونية نموذجاً فريداً في مواجهة الفراغ النفسي والعاطفي، عبر بيئة إيمانية مركزها حلقات القرآن التي يتعلم فيها الأطفال والشباب والفتيات كتاب الله؛ تلاوة وحفظاً وعملاً، ما يصقل شخصياتهم معرفياً ونفسياً.
ولم تمنع ظروف النزوح والعدوان الصهيوني على القطاع، منذ السابع من أكتوبر الماضي، الفلسطينيين من استئناف عمل مراكز تحفيظ القرآن من داخل المخيمات ومراكز الإيواء بمدينة رفح، التي يتواجد فيها أكبر عدد من النازحين مقارنة ببقية مدن القطاع، بحسب تقرير نشرته وكالة «الأناضول».
وخصص متطوعون فلسطينيون خيمة لتحفيظ وتعليم القرآن الكريم في كل مركز إيواء، وهي الخيام التي باتت تشهد إقبالاً كبيراً من جميع الأعمار وخاصة من الأطفال والشباب والفتيات، وبلغ عددها نحو 72 خيمة.
واهتمت الفتيات في غزة بتخصيص خيمة لهن في مركز القدس للإيواء برفح، إذ يتم تخصيص ساعتين يومياً في المتوسط لتعلم القرآن في حلقات دائرية تُسمع فيها الأصوات الندية كأزيز النحل وسقط إقبال من آلاف الفتيات.
ولأن الشعب الفلسطيني في غزة معرضٌ بحكم الاحتلال إلى حروب دائمة وحالات طارئة، لم تكن علاقته بالقرآن الكريم تقتصر على التلاوة والحفظ فقط، بل وجد الغزيون في التعمق في معاني القرآن الكريم والتأثر بمدلولاته والتناغم مع مقاصده والتزود من أسراره وهالته الإيمانية حاجة ملحة لتربية الاستعداد لمواجهة العدو وأخطار الحرب في نفوس كل فئات المجتمع.
وإزاء ذلك، أصبح الالتزام بالتعاليم الإسلامية والتحلي بالحياء والعفة والورع والتقوى سمة سائدة في مدرسة غزة، التي تعمل فيها مراكز الإشعاع القرآنية على إبعاد الشباب والفتيات عن كل ما يثير الشهوات ويدعو إلى المعاصي والمحرمات، والتزام الحدود الشرعية في التعامل بين الجنسين، والحرص على الزواج الشرعي الحلال، وهو الحرص الذي بلغ حد الاحتفاء بالزيجات الجديدة عبر منصات التواصل الاجتماعي حتى أثناء الحرب.
وفي ظل بيئة ينشغل فيها الشباب والفتيات بتعلم القرآن نظرياً وتطبيقه عملياً عبر مقاومة الاحتلال مدنياً وعسكرياً، تصل مشكلات العلاقات العاطفية المحرمة في القطاع إلى الحد الأدنى، إذ لا مجال في المجتمع الغزي لوعي سطحي أو فراغ نفسي؛ ما انعكس حتى على سلوك الأطفال، وليس الشباب والفتيات فقط، وهو النموذج الذي أثار انبهار كثير من غير المسلمين في الغرب، الذين عبروا عن ذلك عبر منصات المقاطع المرئية، خاصة «تيك توك»، وقد سجلت شابة أمريكية تعبيرها عن هذا الانبهار بمشاهد مدرسة غزة وتحصينها النفسي والفكري للشباب والفتيات والأطفال، قائلة: هؤلاء هم المؤمنون، ما هذا الأمل الذي لا يقهر لديهم؟! فيما قالت أخرى: لا ييأسون من الحياة أبداً، فالله وحده هو من يخشونه.