جاء في الحكم: القلوب كالقدور، وألسنتها مغارفها، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اللسان قد ينطق بكلمة يهوي بها في النار، وقد ينطق بكلمة يرفعه الله بها الدرجات، ومن أروع هذه الكلمات ما رواه ابن ماجه في سننه، عن أَبِي هُرَيْرَةَ عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ قال: «إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقَ عَبْدِي؛ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا، وَأَنَا اللهُ أَكْبَر، وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ، قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي؛ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَحْدِي، وَإِذَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا وَلاَ شَرِيكَ لِي، وَإِذَا قال: لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي؛ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا، لِيَ الْمُلْكُ، وَلِيَ الْحَمْدُ، وَإِذَا قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، قَالَ: صَدَقَ عَبْدِي؛ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِي»، ثُمَّ قَالَ الراوي: «مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ».
وفي رواية للنسائي: «يُصَدِّقُ اللَّهُ الْعَبْدَ بِخَمْسٍ يَقُولُهُنَّ».
وقفات مهمة مع الحديث
فهذا ذكرٌ مباركٌ حريّ أن يعتني به المسلم، وأن يكثر من تكراره، رجاء أن يمكنه من الإتيان به عند احتضاره؛ لينال به حسن الخاتمة، وقد تفرد هذا الذكر عن غيره من الأذكار بعدة ميزات، منها:
– تصديق الله لعبده:
فقد اعتاد الناس أن يصدقوا ربهم بعد تلاوة ما تيسر من كلامه، فيقولون: «صدق الله العظيم»، لكن هذا الذكر العظيم يمنح العبد وسام التصديق من ربه، حيث إن الله تعالى هو الذي يقول: «صدق عبدي»، وهو الموطن الوحيد الذي ورد بتصديق الله عباده في الدنيا، ولعله بمثابة التمهيد للموطن الثاني الذي ينادي فيه المنادي: «صدق عبدي»، وذلك في امتحان القبر حيث يأتيه «مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا عَمَلُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ صَدَقَ عَبْدِي أَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الجنة»(1).
ولهذا بوَّب ابن حبان لهذا الحديث في صحيحه بقوله: «ذِكر الكلمات التي إذا قالها المرء المسلم صدَّقه ربه جل وعلا عليها»(2).
– البراءة من الكذب:
قال ابن القيم رحمه الله معلقًا على هذا الذكر: «أنَّ الذكر سببٌ لتصديق الرب عز وجل عبده؛ فإنه أخبر عن الله تعالى بأوصاف كماله ونعوت جلاله، فإذا أخبر بها العبد صدَّقه ربه، ومن صدَّقه الله تعالى لم يُحشر مع الكاذبين، ورُجي له أن يُحشر مع الصادقين»، وذكر هذا الحديث(3).
– ضمانة لدخول الجنة بلا سابقة عذاب:
فعقيدة أهل السُّنة والجماعة أن كل من شهد بالتوحيد سيدخل الجنة حتماً، ومن صميم العقيدة أيضاً أن هناك من الموحدين من سيدخل الجنة بعد أن ينال نصيبه من النار جزاء ما قدم من ذنوب وموبقات، أما من ختم له بهذا الذكر العظيم فهو في ضمان وعد النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رُزِقَهُنَّ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّار»؛ ومعنى لم تمسه النار: أنه حرام على النار، وسيدخل الجنة دخولًا أوليًا مع الأبرار دون سابقة عذاب.
قال السندي: «فمن أعطاه الله تعالى هذه الكلمات عند الموت ووفقه لها لم تمسه النار، بل يدخل الجنة ابتداء مع الأبرار.
وكان الشيخ أحمد المحرزي المراكشي كثير الوصية به ويسميه «ورد الاحتضار»، وكان يقول: «لا تَغفل عن ورد الاحتضار واجعله دائمًا في الاعتبار»، ويقول في بيان الفرق بين هذا الورد وحديث «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ»: يمكن أن تكون الجنة بعد سابقة عذاب، وهذا ليس هناك سابقة عذاب؛ لأن فيه «لم تمسه النار»، ويقول: «هذه الخمس عند الموت أعظمُ هبة وأجلُّ رزق من الله لعبده»(4).
فمن أراد أن يختم له بهذه الضمانة، فليتعهد هذا الذكر النبوي، فإن الخواتيم ميراث السوابق، وإن من عاش على شيء مات، والله أعلم.
___________________
(1) مسند أحمد.
(2) صحيح ابن حبان.
(3) حاشية السندي على ابن ماجه.
(4) موقع الشيخ عبدالرزاق البدر.