لقد سُمِّي شهر شعبان بهذا الاسم لتشعب الخير فيه، والحرص على جمع هذه الشعب كلها، وقد أكرمنا الله سبحانه وتعالى بهذا الشهر قبل شهر رمضان، لنستعد فيه ونكثر من الأعمال الصالحة، التي تعيننا على حسن الصلة بالله تعالى وحسن الاستفادة من مواسم الخير.
فما أهم العبادات التي يجب أن نفعلها في شعبان؟ وما الحكمة منها؟
1- الصيام:
في الحديث المتفق عليه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْته فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ»، وفي هذا دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخص شهر شعبان بالصوم أكثر من غيره.
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة من كثرة صيامه فيه؛ ففي الحديث الذي رواه أبو داود، والنسائي، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان، قال: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» (رواه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن خزيمة).
فالحكمة من الصيام في شعبان أداء الطاعة لله تعالى في وقت رفع الأعمال إليه، ويضاف إلى ذلك أن الصيام في شعبان يعد بمثابة تهيئة وتمرين على الصيام في رمضان، حتى لا يجد المسلم صعوبة ومشقة للصيام في رمضان.
ولهذا يقول ابن رجب الحنبلي: إن صيام شعبان كالتمرين على صيام رمضان؛ لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام وتعود عليه، ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط، فيكون حاله كمن صلى السُّنة قبل الصلاة، فإنها تؤدي إلى حضور القلب والتلذذ بأداء الفريضة.
فكأنه يزرع ويسقي من أجل حسن الحصاد، ولهذا قال أبو بكر البلخي: رجب شهر الزرع، وشعبان شهر سقي الزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع.
2- قراءة القرآن:
في «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»، عن أنس رضي الله عنه قال: كان المسلمون إذا دخل شعبان، انكبوا على المصاحف فقرؤوها، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء، وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته، وتفرَّغ لقراءة القرآن.
والحكمة من قراءة القرآن في شعبان أن المسلم ينطلق لسانه ويتعهد مصحفه قبل دخول رمضان، الذي أنزل فيه القرآن، فإذا داوم المسلم على قراءة القرآن في شعبان كان ذلك ميسراً للمضاعفة والزيادة في القراءة في رمضان.
كما أن كثرة القراءة في شعبان تسهم في تثبيت حفظ القرآن، فتسهل الصلاة به في رمضان.
3- الدعاء:
روى الإمام أحمد في المسند وغيره عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وبلغنا رَمَضَانَ».
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثرون من الدعاء في شعبان، وكان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان وتسلمه مني، متقبلاً.
وأكد الإمام الشافعي، في كتاب «الأم» (1/ 264)، أن الداء مستحب في شعبان.
والحكمة من كثرة الدعاء في شعبان أن المسلم في حاجة إلى بلوغ رمضان وتحصيل ثوابه، ولهذا يكثر من الدعاء أن يُبَلّغه الله إياه، كما أن كثرة الدعاء تطلق لسان العبد به فيداوم عليه في رمضان، الذي هو مظنة إجابة الدعاء.
4- تطهير القلب من الشرك والشحناء:
إن هذه من أعظم العبادات التي تجعل قلب المسلم مستعداً لعمل الصالحات، كما أن الله سبحانه وتعالى وعد فاعلها بمغفرة الذنوب، ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه وحسنه الألباني، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَه تَعَالَى لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ».
فالحكمة من تطهير القلب من الشرك والشحناء هي الدعوة إلى سلامة الصدر، وحسن الصلة بالله، فإن الشرك والشحناء من محبطات الأعمال، وبها يتوقف العمل عن الارتفاع إلى الله، فعلى كل مسلم أن يحسن صلته بالله من خلال ترك الشرك والرياء، كما يحسن صلته بالناس من خلال المسالمة وترك الخصام والهجر، حتى تنتشر المحبة بين الناس، ويتعاونوا في أداء العبادات وعمل الصالحات.
5- إعداد النية للعبادة في رمضان:
النية بداية العمل، بل الأصل في العمل، ففي الحديث المتفق عليه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ ومن كانت هجرتُهُ إلى دنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ».
وإعداد النية في شعبان للعمل الصالح في رمضان تعد تهيئة للنفس وحاملاً لها للإقبال على الله، كما تؤدي إلى حسن الانطلاقة والعمل في رمضان، فمن جهز نفسه وخطط لشهره قبل دخوله؛ فإنه ينطلق في العمل بقوة، دون أن تلهيه نفسه أو يشغله شاغل عن هدفه وغايته.
والحكمة من إعداد النية الحرص على تحصيل الأجر والثواب، من خلال إخلاص العمل لله، وتنوع النوايا فيه، بحيث يكون للعمل الواحد أكثر من نية، وكلها محل للأجر والثواب.
وإن إعداد النية وتجهيز العمل قبل رمضان يحقق أجره وثوابه إن شغل عنه أو مات قبل دخوله، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الحَسَناتِ والسَّيِّئاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذلكَ، فمَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَناتٍ، إلى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إلى أضْعافٍ كَثِيرَةٍ، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها، كَتَبَها اللَّهُ له عِنْدَهُ حَسَنَةً كامِلَةً، فإنْ هو هَمَّ بها فَعَمِلَها، كَتَبَها اللَّهُ له سَيِّئَةً واحِدَةً».
فعلينا جميعاً أن نفرح بقدوم هذه الأيام المباركة، وأن نهيئ قلوبنا للطاعة، وأن نحسن في صلتنا بالناس من حولنا، وأن نكثر فيها من الصيام والدعاء وقراءة القرآن؛ عسى الله سبحانه وتعالى أن يطلع على قلوبنا، فيغفر لنا ويرحمنا ويتقبل منا.. اللهم آمين.