حين كان بنامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، سفيرًا لـ«إسرائيل» في الأمم المتحدة عام 1986م، قدم كتابًا بعنوان «الإرهاب: كيف يمكن للغرب أن ينتصر؟»، شارك فيه مجموعة كبيرة من الساسة وصناع القرار الغربيين –نحو 40 كاتباً ومستشرقاً- ضمن مؤتمر عقد في معهد جوناثان بواشنطن، وفي هذا الكتاب تم وضع قواعد ومنظومات «الحرب على الإرهاب»، ومن هم أعداء «إسرائيل» وأمريكا القادمون؟!
لقد أطلق على المعهد اسم «جوناثان»؛ تخليداً لشقيق نتنياهو بعد مقتله في عملية عنتيبي الشهيرة عام 1976م (تم فيها اختطاف رهائن يهود بطائرة ركاب فرنسية، ونفذتها مجموعة من الفلسطينيين واليساريين الألمان، لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، وأسفرت عن إصابات ووفيات في اشتباكات بين الطرفين).
أخذ نتنياهو خبرات هؤلاء الساسة في وضع قواعد الحرب على العالم، وأخذ يعظ وينظّر ويوجه العالم الغربي حول مكافحة الإرهاب؛ وبالطبع كان يقصد بالإرهابيين اثنين لا ثالث لهما؛ الإسلام والشيوعية.
رأى نتنياهو أن الأعداء القادمين للغرب هما هاتان القوتان، المقاومة الإسلامية والمسلمون عموماً، والمعسكر الشيوعي والاستخبارات الروسية (KGB)، وهنا لبس ودلس، وإذا بالمغتصبين القتلة -وهم اليهود على أرض فلسطين- يصبحون الضحية، والمدافعين عن أرضهم المسلوبة، وعرضهم المنتهك الذين شردوا ودمرت منازلهم فوق رؤوسهم وسكنوا العراء بلا مأوى، وأصبح الفلسطينيون هم المتطرفين المجرمين!
في فصول الكتاب السبعة، ظل نتنياهو الذي حمل جثمان شقيقه مدرجًا بدماء وسط صرخات زوجته، يواجه هاجسه الأكبر وهو كيف ينتصر على أي مقاومة للاحتلال الصهيوني، لكي تتحقق لـ«إسرائيل» السيادة ويستتب لها الأمن؟ وبالفعل نجح نتنياهو في استغفال الغرب وسرب آرائه الخبيثة إلى الإدراك الغربي والأمريكي المتأهل بطبيعته لتشرب تلك الأفكار المعادية لكل ما هو أخضر وأحمر!
يقول المفكر الكبير إدوارد سعيد عن هذا الكتاب في كتابه «اللوم على الضحايا.. الدراسات الزائفة والقضية الفلسطينية»: استطاعت هذه الدراسة لنتنياهو تضخيم حجم العنف الفلسطيني بشكل أثر في الواقع الأوروبي، ومع نهاية العقد انتهجت أمريكا نفس خطاب «إسرائيل» واستغلت مخاوف اليهود في إثارة المشاعر اليهودية والمسيحية ضد الإسلام.
الإرهابيون والحرب على الإرهاب
في مؤتمر القدس بمعهد «جوناثان» عام 1979م، يعتبر السيناتور جاكسون أن الإرهاب هو القتل المتعمد والمنظم، وتشويه وتهديد الأبرياء لإثارة الخوف من أجل تحقيق أهداف سياسية.
وهنا يرى الخبراء، أمثال فريدي هالداي، وماكيل ليدين، أن تعريف الإرهاب ومسبباته أمر صعب، ولكن يمكن ملاحظة اتفاق الإرهابيين على الإيمان بالتغيير الاجتماعي والسياسي بلا انتخاب أو تعبئة جماهرية ولا حتى تكوين أحزاب سياسية، فقط يمكن تغيير الوضع السياسي عن طريق قتل بعض الأفراد، لكي نسقط الحكومات، والمثير أن هذا المنطق هو نفسه الذي تطبقه الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» في الشرق الأوسط؛ حيث يظنون أنه بقتل عدد من الخصوم سيكون هناك انتصار على الإرهاب.
الهوة بين «حماس» وجماعات الإرهاب
في حالة حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، سنرى فوارق كبيرة في بنيتها الداخلية تختلف تماماً عما تقدمه سرديات «القاعدة» و«داعش»، وليست -كما يروج المتحدث العسكري للاحتلال الصهيوني– حين يربط «حماس» بجماعات الإرهاب المتشحة بالسواد، بما فيها جماعات «القاعدة» الموالية والمناهضة لإيران.
الفرق بين «داعش» وحركة «حماس»
1- «حماس» حركة تحرر وطني ذات قالب ديني، بينما «داعش» له أيديولوجيا أممية عابرة للحدود.
2- «حماس» جذورها محلية مع تركيز واضح على تحرير الفلسطينيين، و«داعش» يرى الحدود وهْماً ويعمل على محو الحدود الوطنية.
3- «داعش» تنظيم متعدد الجنسيات، في حين أن «حماس» منظمة مقاومة يقودها فلسطينيون تمامًا مثل منظمة التحرير الفلسطينية، ولها خطاب موجَّه للشعب الفلسطيني على وجه الخصوص.
4- أطلق تنظيم «داعش» أعمالاً إرهابية ضد المسلمين والدول الإسلامية، بينما لا تستهدف «حماس» المسلمين والدول الإسلامية ولا حتى غير الإسلامية ما عدا «إسرائيل».
5- ليس لدى «حماس» سجل للإرهاب الدولي من النوع الذي شجعه «داعش» بشكل واضح منذ عام 2015م حتى الآن.
6- هناك سند قانوني لـ«حماس» يعتبر «إسرائيل» دولة محتلة للأراضي الفلسطينية، بينما لا يملك «داعش» أي مستند قانوني لممارسة العنف ضد المدنيين.
7- «حماس» شاركت في الانتخابات وفازت، ولم تصل إلى السلطة بقوة السلاح، لكن «داعش» لا يعترف حتى بمبدأ التمثيل السياسي.
8- «حماس» تسعى لنيل الاعتراف الدولي بها، بينما لا يرى «داعش» أن هذا الاعتراف يطعن بشرعيته.
9- تنظيم «داعش» يكفر حركة «حماس» بالكلية ويعتبرها في قالب الأنظمة العربية!
10- يعتبر «داعش» «حماس» حركة منافقة تتقرب لزعماء العالم، ومن هنا يستحيل تشبيه «حماس» بـ«داعش» أو حتى «القاعدة» لاختلاف المشارب والأهداف والمكونات الأيديولوجية.
الاختلاف حول «حماس» في «إسرائيل»
يتفق الساسة «الإسرائيليون» على رؤية واحدة في التعامل مع «حماس» المتشعبة داخل قطاع غزة، واعتبارها جماعة إرهابية، ولكنهم يختلفون هل ساهمت «إسرائيل» في نموها أم لا، ففي حين يُعرب مسؤولون سابقون في «إسرائيل» عن الأسف لترك «حماس» ونموها دون القضاء عليها بشكل نهائي، نجد في المقابل أنَّ شالوم هراراي، أحد ضابط المخابرات العسكرية -حينها- في غزة، يقول في تصريح نشرته «نيويورك تايمز» عام 2009م: «إسرائيل» لم تمول «حماس» قط، و«إسرائيل» لم تسلح «حماس» قط.. كانت هناك تحذيرات بشأن الإسلاميين تم تجاهلها، لكن الإهمال كان السبب وراء ذلك، وليس الرغبة في تحصين الإسلاميين.
وفي هذا الإطار، ذكر الشيخ أحمد ياسين، في كثير من تصريحاته قبل استشهاده، أنَّ «إسرائيل» كانت تراقب مؤسسات الإسلاميين كحال جميع المؤسسات، وكانت تحاول إيجاد توازنات داخل القطاع؛ تترك الكل ينمو بطريقته الخاصة حتى يأتي الوقت وتضربهم ببعضهم بعضاً.
وقد صرح وزير خارجية الكيان الصهيوني السابق بقوله: عازمون على القضاء على «حماس» كما فعل العالم مع النازيين و«داعش»، كان إهمالاً تركهم.. ولم نموّل «حماس» قط.
التاريخ وانتصار المقاومة
يرى المستشار طارق البشري، في دراسة عن حرب غزة عام 2005م، بعنوان «العدوان على غزة الحرب الثانية عشرة»، أنه يستحيل القضاء على أي مقاومة، فحرب التحرير الشعبية في مصر في الفترة من عام 1936 إلى عام 1954م، هي التي قادت البلاد متشكلة من الضباط الأحرار، وقد انتصروا بنظرية حروب العصابات التكتيكية، ورغم ما تكبدته المقاومة من خسائر كبيرة، فإنها استطاعت إثارة القلقلة وإحداث خسائر حقيقية لدى المحتل.
لذلك، فالمقاومة تدفع عن الوجود وعن الحرية الشخصية، المصلحة أقصر نفساً من الوجود، وأقل ضرورة منه، وهذا يجعل المقاوم أطول نفسًا، لأنه لن يتوقف فهو يدافع عن وجوده، والذي يدافع عن مصلحته إذا جعلته يشعر أنه يحققها، في واقع تؤدي به كل الظروف إلى الخسارة وليس إلى النفع، ولقد انتصر الفيتناميون رغم صغر حجم ومساحة فيتنام وأرغموا أنف الولايات المتحدة، وانتصر الجزائريون في النهاية على فرنسا وأجلوها.