تعاني المرأة في اليمن من متناقضات كثيرة تجعلها تراوح مكانها دون أن تساهم بشكل كبير في الارتقاء والنهوض بمجتمعها، وذلك لأسباب كثيرة، من بينها اختلاط المفاهيم الثقافية تجاه المرأة ما بين مجتمع محافظ، وتيارات متطرفة، تمارس دورًا شبه كامل من الوصاية عليها، وحرمانها من كل الحقوق التي جاء بها الإسلام، وتيارات علمانية تتبنى الخطاب الغربي فيما يسمى حقوق المرأة، وهو الخطاب الذي يتصادم بشكل مباشر مع المعتقدات الدينية الإسلامية التي تحكم المجتمع اليمني، وتقاليده العريقة التي اكتسبها من تلك المعتقدات حتى صار الحجاب جزءًا من التقاليد، وتنفيذًا للمطالب الإسلامية.
ومر اليمن بمراحل متعددة لناشطات حقوق المرأة والمجتمع المدني للمطالبة بحقوق المرأة وفقًا لمعايير الغرب، التي تدرجت من ضرورة الاختلاط في التعليم، وعدم الفصل بين الجنسين، وخلع النقاب، والخروج إلى العمل، وتقلد المناصب القيادية، والسفور، إلى أن بلغت ذروتها في الدستور الذي كان مقترحاً في العام 2013م، الذي تضمنت مقترحات المرأة فيه ضرورة المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة بما فيها المساواة في الميراث وعدم الاعتراف بالنصوص الدينية الإسلامية في هذا الشأن.
غزو ثقافي
منذ تاريخ إجلاء آخر جندي بريطاني عن مدينة عدن، في 30 نوفمبر 1967م، وبعد فشل الغرب في تحقيق أهدافه في اليمن عبر القوة العسكرية، بدأت إستراتيجية «الحرب الناعمة» تظهر كبديل فعّال، فقد انتقل الغرب إلى سياسة استخدام الإعلام والعملاء بدلاً من الجيوش والدبابات، بهدف احتلال النفوس والأرواح والعقول، وذلك من خلال التأثير على العقول والقلوب دون الحاجة إلى اللجوء إلى القوة العسكرية، واستخدموا لهذا الغرض وسائل جديدة تشمل الإعلام ووسائل الاتصال المختلفة مثل القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية والمجلات والمراكز الثقافية.
وكان استهداف شباب وبنات اليمن، وتأثيرهم بشكل سلبي على مجتمعهم وثقافتهم ودينهم، بترويج أفكار تهدف إلى تشويه الهوية الإسلامية والقيم الدينية والثقافية للشعب اليمني، والترويج لأساليب حياة غربية تنافي قيمهم وعاداتهم التقليدية، أبرز منطلقات هذا الغزو.
وتحت عناوين مثل «حرية المرأة» و«الديمقراطية» و«العادات الغربية»، لم تسلم المرأة اليمنية من الاستهداف الغربي، الذي حاول ضرب ثقافة هذا المجتمع المسلم المحافظ، بإبعاد النساء عن قيم دينهن وتقاليدهن التي ترسخت فيهن منذ الصغر، ليظهرن بسلوكيات غير مقبولة، تحت غطاء الحداثة والتطور.
ويسعى الغرب عبر أدواته التي تشعبت داخل شعوبنا العربية، إلى فرض أنماطه الدخيلة بشعارات رنانة تنادي بحقوق للمرأة هي في حقيقتها محاولة مكشوفة لهدم أهم ما في المجتمع وهي الأسرة المتماسكة التي يفتقدها كل الغرب، فثني اليمنيات عن ارتداء الحجاب والملابس الشرعية، وترك مطلق الحرية لبناتهن في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بكل ما تحتويه هذه الوسائل من أبواب الثقافات المنحلة التي لا تتناسب لا مع العادات المجتمعية أو الآداب الدينية، جميعها مداخل غربية لمحاولة احتلال المجتمع وإدارته من الداخل.
مطالبات نسائية
وفي خضم الصراعات التي تعصف باليمن، برزت دعوات غربية تحمل لواء «تحرير المرأة اليمنية»، حيث تنوعت مسميات تلك الحملات، إلا أنها تهدف جميعًا إلى السيطرة الأوروبية على المرأة اليمنية بشكل كامل.
ولم يترك الغرب فرصة للعبث بالعادات والقيم الاجتماعية في اليمن إلا واستغلها، حيث استهدفت الحملات الغربية الموجهة لتحرير المرأة اليمنية عدة جوانب من حياتها اليومية والثقافية، في محاولة لفرض نمط حياة غربي يتنافى مع القيم والتقاليد الإسلامية والموروث الثقافي اليمني.
وتجلى التدخل الغربي في اليمن متخذًا من المرأة هدفاً رئيساً عندما كان اليمنيون يعدون دستورهم الدائم في العام 2013م، حيث تحركت منظمة حقوق الإنسان الأمريكية «هيومن رايتس ووتش»، ووضعت هي مقترحاتها بخصوص حقوق النساء في الدستور.
وشددت المنظمة على أن الدستور اليمني يجب أن يشتمل بشكل صريح وليس ضمنيًا على حقوق المرأة، خاصة فيما يتعلق بالمساواة، وعدم التمييز، والمشاركة السياسية، والعنف ضد المرأة، وقانون الأحوال الشخصية، وزواج الأطفال، وحقوق المواطنة والجنسية.
وكان من اللافت أن دعت المنظمة إلى إضافة توصية بأن يحتوي الدستور الجديد على مادة تؤكد المساواة في حقوق الزواج وفي حال الخروج منه، والمساواة بالرجال في حقوق الميراث، كما شددت المنظمة على إلغاء مواد قانونية في اليمن اعتبرتها تمييزية، أهمها الأحكام القانونية التي تجرم الزنى، و«الأعمال اللاأخلاقية»، معتبرة إياها ذات أثر تمييزي على المرأة، وتقوض حقوقها، بما في ذلك حقها في المساواة بالحماية بموجب القانون، مشيرة إلى أن تجريم الجنس بالاتفاق في أماكن خاصة بين البالغين يخرق المعايير الدولية للحق في الخصوصية، ويزيد من عرضة المرأة للاغتصاب والانتهاكات الجنسية.
ومن المعروف أن ناشطات مثل بلقيس اللهبي، وبشرى المقطري، وغيرهما، قد تبنين مطالب المنظمة، وهي نفسها المطالب الأوروبية الخاصة بالنساء في اليمن، وكأنها إنتاج يمني خالص، وجاءت بعد مناقشات مجتمعية شاملة.
الهوية الإسلامية
وسط استمرار هذه الهجمة الشرسة التي تواجهها المرأة اليمنية، وتستهدف قيمها وهويّتها، وتسعى إلى تجريدها من كرامتها، بأشكال متعددة، منها الاستهداف الديني والاضطهاد، والدعوات المشبوهة لرفع الولاية، تدرك المرأة اليمنية تمامًا الأجندات الخفية وراء هذه الدعوات، التي تستغلّ رغبتها في الحرية لتحقيق مطامعها في تغيير الهوية الدينية والثقافية لها، فمع أن النساء اليمنيات يتمتعن بحقوقهن في التعليم والزواج والعمل والتصرف بممتلكاتهن، فإن بعض المنظمات المشبوهة تحاول استغلالهن لتقويض الأسرة اليمنية.
وتنشط مجموعات من المثقفات اليمنيات اللاتي يتسلحن بأفكار إسلامية في نشر المفاهيم الصحيحة لحقوق المرأة في الإسلام، وهي في ذلك الشأن تواجه بعض التيارات المتطرفة في الداخل التي تستغل الإسلام في تمرير ثقافات عزل المرأة عن مجتمعها، وتسييد بعض المفاهيم التي تصل إلى استعبادها داخل المنزل دون السماح لها بالمشاركة في تنمية مجتمعها وسط أطر إسلامية واضحة.
ولعل من أبرز الأمثلة على دور المرأة اليمنية المسلمة، نموذج حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي من منطلقات وأسس دينية صحيحة كفل للمرأة اليمنية كافة حقوقها، وعزز من دورها وجعلها شريكة متساوية للرجل في الحقوق والواجبات، وتؤدي دورًا فعّالًا في مختلف المجالات، فهي تتمتع بتنوع واسع في المهن، سواء كمعلمة متميزة، أو كطبيبة ماهرة، أو في مجال الحرف اليدوية كالخياطة والحياكة والرسم وصناعة العطور؛ مما يسهم في تخفيف الأزمات الإنسانية وتعزيز الاقتصاد المحلي.