تعاني العديد من الأسر في مختلف أنحاء العالم من انعدام الأمن الغذائي، وهو حالة يكون فيها الغذاء غير كافٍ أو غير متاح بشكل مستدام، يترتب على هذا الوضع العديد من التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي تؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة والتنمية البشرية.
في هذا السياق، تواجه الكويت تحديات خاصة تتعلق بتحقيق الأمن الغذائي نظراً لاعتمادها الكبير على الواردات الغذائية وندرة الموارد الطبيعية.
سنستعرض في هذا التقرير الأسباب والتأثيرات والحلول الممكنة للتعامل مع هذه التحديات في الكويت.
الأسباب والتأثيرات
تعاني الأسر من انعدام الأمن الغذائي عندما تعجز عن تأمين غذاء كافٍ وآمن ومغذٍ لضمان حياة نشطة وصحية. يمكن أن يكون هذا بسبب ندرة الغذاء أو نقص الموارد المالية للحصول عليه. يرتبط الأمن الغذائي بالعديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، حيث يعد الغذاء من العوامل الأساسية التي تؤثر على ظروف المعيشة والصحة العامة. في حالة عدم توفر الغذاء بشكل منتظم ومستقر، يتعرض الأفراد لخطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وتقل قدرتهم على الإنتاجية والعمل، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية.
مدى انتشار انعدام الأمن الغذائي
رغم التحسينات التي شهدتها السنوات الأخيرة، ما زال انعدام الأمن الغذائي يمثل تحدياً عالمياً. في عام 2022، كان حوالي 1.3 مليار شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ساهمت عدة عوامل في تفاقم هذه الحالة، بما في ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية، زيادة الخسائر الزراعية بسبب الكوارث الطبيعية، والقيود التجارية. في عام 2023، أشار البنك الدولي إلى أن تضخم أسعار المواد الغذائية تجاوز التضخم العام في 74% من 167 دولة.
الأمن الغذائي في الكويت
تعتمد الكويت بشكل كبير على استيراد السلع الغذائية الأساسية، مثل الأرز والقمح والسكر والزيوت والبقوليات والفواكه والألبان، بنسبة تقارب 100%. هذا الاعتماد يجعل الكويت عرضة للتقلبات في الأسواق العالمية ويزيد من التحديات التي تواجهها في تحقيق الأمن الغذائي. في تصنيف مؤشر الأمن الغذائي لعام 2022، تراجعت الكويت 20 مرتبة لتحتل المركز 50 عالمياً من أصل 113 دولة، والمرتبة السابعة عربياً. هذا التراجع يعكس الحاجة إلى تحسين الاستراتيجيات والسياسات المتعلقة بالأمن الغذائي.
التحديات الرئيسة
تشمل التحديات التي تواجه الكويت لتحقيق الأمن الغذائي الظروف المناخية القاسية، ندرة الموارد الطبيعية مثل المياه والأراضي الزراعية، النمو السكاني السريع، وزيادة استهلاك الطاقة والمياه. بالإضافة إلى ذلك، فإن التغيرات المناخية والكوارث الطبيعية تؤثر على إنتاج الغذاء وترفع من أسعاره. على المستوى المحلي، تواجه الكويت تحديات تتعلق بالسياسات الزراعية وفعالية إدارة الموارد.
حلول لتعزيز الأمن الغذائي
لمواجهة هذه التحديات، أوصت لجنة تقييم الأمن الغذائي في الكويت بتنفيذ 21 مشروعاً استراتيجياً بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص. تشمل هذه المشاريع تحسين الإنتاج الزراعي المحلي، الاستثمار في البحوث الزراعية والتكنولوجيا، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لتأمين الإمدادات الغذائية. كما دعت اللجنة إلى تشكيل لجنة عليا للأمن الغذائي لتنسيق الجهود وتطبيق الاستراتيجية الوطنية.
التحديات الاقتصادية
يؤدي انعدام الأمن الغذائي إلى زيادة معدلات الأمراض المزمنة، مما يضع ضغوطاً على أنظمة الرعاية الصحية ويقلل من إنتاجية القوى العاملة. تؤدي هذه المشكلات إلى خسائر اقتصادية كبيرة، حيث تكلف الاقتصاد مليارات الدولارات سنوياً. يؤثر انعدام الأمن الغذائي أيضاً على الأطفال، حيث يمنعهم من التعلم بشكل فعال ويؤثر على قدرتهم على النجاح الأكاديمي والدخول إلى سوق العمل في المستقبل.
هدر الطعام في الكويت
يعتبر هدر الطعام مشكلة كبيرة في الكويت، حيث يُقدر بحوالي 400 ألف طن سنوياً. يؤدي هذا الهدر إلى خسائر اقتصادية كبيرة وإهدار للموارد. اقترحت مبادرة “نعمتي” العديد من الحلول للحد من هدر الطعام، مثل إعادة توزيع الأطعمة الفائضة في المناسبات الاجتماعية على الأسر المحتاجة، وذلك بالتعاون مع الجهات المختصة.
استراتيجية الأمن الغذائي
تعمل الكويت على تطوير سياسة وطنية للأمن الغذائي تشمل تحسين الإنتاج المحلي والتعاون مع المنظمات الدولية مثل الفاو. تركز الجهود على تحسين استخدام الموارد المائية وتبني التقنيات الحديثة لتحقيق الاستدامة. تتضمن الاستراتيجية تنفيذ مشاريع زراعية جديدة وتحديث البنية التحتية الزراعية، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار في القطاع الزراعي.
دور اللجنة العليا للأمن الغذائي
تم تشكيل اللجنة العليا للأمن الغذائي في الكويت لتعزيز الاكتفاء الذاتي في الأمن الغذائي والمائي. تضم اللجنة ممثلين عن 12 جهة حكومية وخاصة، وتعمل على مواجهة المخاطر المتعددة التي تطرحها الأزمات المستجدة والحالات الطارئة. تشمل الحلول التي تقدمها اللجنة استخدام المياه المعالجة للري والاستثمار في البحث والتطوير لتحسين إنتاج الغذاء.
تحديات ندرة المياه
من بين التحديات التي تواجه الكويت ندرة مياه الري، ولهذا السبب استكشفت الجهات المتخصصة عدداً من الحلول مثل استخدام المياه العادمة المعالجة للري، مما يقلل الاعتماد على المياه العذبة. بالإضافة إلى ذلك، تستثمر الحكومة في جهود البحث والتطوير لتحديد حلول مبتكرة لمعالجة ندرة المياه وتحسين إنتاج الغذاء.
استراتيجيات للتكيف مع التغيرات المناخية
يشمل جزء من استراتيجية الكويت للأمن الغذائي التعامل مع التغيرات المناخية من خلال تطوير أنظمة زراعية مقاومة للجفاف والفيضانات، وتعزيز قدرات المزارعين على التكيف مع الظروف المتغيرة. تهدف هذه الجهود إلى ضمان استقرار الإنتاج الغذائي وتقليل تأثير التغيرات المناخية على الأمن الغذائي.
الكويت والأمن الغذائي
هذا، وقد أكدت رئيس مجلس الإدارة المدير العام للهيئة العامة للغذاء والتغذية د. ريم الفليج حرص الكويت على أهمية تحقيق الأمن الغذائي خاصة في ظل التحديات التي تواجه بعض دول العالم في هذا الشأن.
وأضافت الفليج، في تصريح لـ «كونا»، عقب افتتاح أعمال «المنتدى الثاني رفيع المستوى حول الأمن الغذائي للمنظمة الإسلامية للأمن الغذائي» الذي تستضيفه الدوحة، أن تضافر الجهود بين دول منظمة التعاون الإسلامي سيسهم في تعزيز الأمن الغذائي لاسيما مع توافر جميع الإمكانيات لتحقيق الأمن الغذائي في دول المنظمة.
وذكرت أن التكامل بين دول منظمة التعاون الإسلامي سيحقق ويعزز الأمن الغذائي خاصة أن كثيرا من هذه الدول تعتبر من الدول المنتجة للأغذية لكنها تواجه بعض التحديات في تسويق وتصدير هذه المنتجات، مشيرة الى أهمية إيجاد فرص لتبادل المنتجات الغذائية وتذليل التحديات التي تواجه سلاسل الإمداد الغذائي في أوقات الأزمات لضمان تعزيز منظومة الأمن الغذائي في جميع الأوقات.
وبينت أن للكويت السبق في تعزيز منظومة الأمن الغذائي، وذلك من خلال إنشاء لجنة دائمة من لجان مجلس الوزراء تعنى بالأمن الغذائي والدوائي والمائي نظرا لأهمية هذا الموضوع في ظل التطورات الدولية المتسارعة.
4 ركائز
فيما أوضح الرئيس التنفيذي لشركة مطاحن الدقيق والمخابز الكويتية، مطلق الزايد، أن الأمن الغذائي يعتمد على 4 ركائز رئيسة:
1- التوافر: يجب أن تكون السلع الغذائية متوفرة داخل الكويت.
2- إمكانية الوصول: من المهم أن تكون المنتجات الغذائية سهلة الوصول للمستهلكين، وليس مجرد توفرها.
3- الاستخدام: يجب أن يكون هناك وعي بإمكانية استخدام المواد الأولية بشكل صحيح.
4- الاستقرار: يجب أن تكون الأسعار مستقرة لضمان الأمن الغذائي.
وأشار الزايد إلى أن الكويت تتمتع بمستوى جيد من الأمن الغذائي، حيث تتصدر الترتيب عربياً وتحتل المرتبة 33 عالمياً في تأمين الغذاء خلال جائحة كورونا. وأوضح أن الكويت لا تفرض سياسات تقييد استيراد المواد الأساسية مثل القمح والذرة والشعير، التي تصل بشكل سلس ولا توجد أخطار في نفادها.
وأكد أن شركة المطاحن أثبتت كفاءتها خلال الأزمة، حيث وفرت جميع المنتجات الأساسية والأعلاف بجودة عالية، مما أدى إلى زيادة ثقة المستهلكين وتقليل التخزين المفرط.
كما أوضح أن الكويت لا تنتج المواد الأولية مثل القمح والشعير والذرة نظراً لاحتياجها الكبير للمياه، مشيراً إلى أن الكويت قد تواجه أزمة مياه مستقبلاً. لذلك، قدمت الشركة دراسات لاستيراد الأعلاف الخضراء لتقليل استهلاك المياه.
وشدد الزايد على ضرورة وجود جهة حكومية، مثل مجلس الوزراء، للإشراف على الأمن الغذائي ووضع الخطط والسياسات اللازمة لضمان استدامته.
هدر الطعام في الكويت
وفي هذا السياق، أكد عضو لجنة تصميم وتنفيذ الحملة الوطنية لترشيد الاستهلاك الغذائي، رئيس مشروع مبادرة «نعمتي» محمد المزيني، أن شيوع ثقافة التبذير والإسراف وعدم تقدير النعمة تؤذي المجتمع، لافتا إلى أن اللجنة ستبدأ عملها بإجراء بحث شامل حول إحصائيات هدر الطعام الحالية والاتجاهات والعوامل المساهمة على المستوى الوطني، فضلا عن إعداد دراسات لتحليل السلوك الاجتماعي والدوافع وراء المفاهيم الخاطئة التي أنتجت الظاهرة وسبل معالجتها.
وأضاف المزيني أن من بين المقترحات أمام اللجنة لحفظ الطعام من الهدر: الاستفادة من الأطعمة المطبوخة في قاعات المناسبات الاجتماعية التي تقام بصورة يومية تقريبا، وذلك بعد أخذ آراء المختصين في هيئة الغذاء واللجان الخيرية، مع ضرورة توافر مشرف غذائي صحي، يشرف على إعادة ترتيب الطعام وتجهيزه وفقا للاشتراطات الصحية، ليتم تقديمه الى الأسر المحتاجة بطريقة مقبولة ولائقة.
ولفت إلى أن هدر الطعام في الكويت يقدر بنحو 400 ألف طن سنوياً، فيما يصل هدر الفرد المواطن الى 95 كيلوغراما بالعام الواحد، وذلك بحسب تقرير مؤشر هدر الأغذية لعام 2021، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).
وقال: إنه شهد استعراض تجارب لدول مجاورة عديدة كقطر والسعودية والإمارات في مجال تقليل هدر الأطعمة، وذلك عند مشاركته في لجان حكومية سابقة، مؤكداً محاولة تطبيقها على ارض الواقع، بعد طرحها على اللجنة المشكلة حديثا من قبل وزير التجارة.
وأضاف أن الهدر بحسب الخبراء والمتخصصين، يكلف موارد الدولة «الخدمات الأساسية للنقل والتجميع ومساحات النفايات» كحد أدنى 7 دنانير و200 فلس لكل كيلو، حيث إن كل كيلو مهدر من الغذاء يأخذ من موارد الدولة 7 آلاف و200 دينار، وهو من آثار هدر الأطعمة.
ولفت إلى دراسة ميدانية أجريت، أخيرا، بمشاركة 106 موظفين في المطاعم والفنادق وشركات التجهيزات الغذائية، وذكر 64.2% من العينة أن القيمة المالية التقديرية للطعام الفائض يوميا في المطاعم والفنادق وشركات التجهيزات الغذائيـة تصل الى 50 ديناراً يومياً، في حين رأى 25.5% أنها تصل إلى 100 دينار يومياً.
الواردات الزراعية
وقال الكاتب الصحفي د. محمد الصانع: باعتبار الكويت دولة تعتمد بشكل كبير على الواردات الزراعية وغيرها، تواجه تحديات كبيرة في ضمان الأمن الغذائي لسكانها ومع ذلك، بذلت الحكومات المتعاقبة جهودًا ملموسة نحو تحقيق هذا الهدف المهم، مما جعل الكويت تتقدم بثبات في هذا المجال.
وتابع الصانع في مقال له على صحيفة القبس: فوفقًا لتقرير متخصص، تحتل الكويت المرتبة الثانية على مستوى الخليج والمرتبة الـ30 عالميًا في جهود الأمن الغذائي برصيد 72.2 من 100 نقطة وهذا التصنيف يضع الكويت في مرتبة متقدمة على دول خليجية أخرى مثل المملكة العربية السعودية والبحرين.
وأضاف الصانع: رغم هذا التصنيف الواعد، يتطلب الأمر مزيدًا من الجهود لضمان الأمن الغذائي للكويتيين على المدى الطويل. تعمل الكويت بشكل وثيق على تبادل الأفكار والتجارب مع المنظمات والهيئات الدولية، مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو). في الآونة الأخيرة، وافقت الكويت على مواصلة تعزيز برامج الشراكة المثمرة مع (الفاو) لمواكبة التحديات العالمية المتجددة، ووضع استراتيجية شاملة للأمن الغذائي وتغير المناخ، خصوصًا في ظل عدم الاستقرار العالمي. هذا التعاون ضروري لدعم الكويت في مواجهة التحديات المتعلقة بضمان الأمن الغذائي.
قنوات التواصل بين الحكومة وهيئات المجتمع المدني
وأكد الصانع فتح قنوات التواصل بين الحكومة وهيئات المجتمع المدني حول الأمن الغذائي يعد أمرًا بالغ الأهمية وقد أكدت الجمعية الكويتية للعلوم والتكنولوجيا والابتكار مؤخرًا أهمية إعادة التفكير في مفهوم الأمن الغذائي في الكويت، نظرًا لاعتماد الدولة الكبير على الواردات الغذائية.
وقال الصانع: من ناحية أخرى، دعت الجمعية الكويتية الحكومة إلى اتخاذ إجراءات حقيقية لتحقيق الأمن الغذائي، خصوصًا في ظل النمو الديموغرافي وندرة الموارد الطبيعية. ورغم أن الحكومة تقوم بتطوير سياسة وطنية للأمن الغذائي، إلا أن وضع وتنفيذ استراتيجيات ملموسة على المديين المتوسط والبعيد أمر لا مفر منه.
اللجنة العليا للأمن الغذائي في الكويت
وبين الصانع أن تشكيل اللجنة العليا للأمن الغذائي في الكويت يعد خطوة استراتيجية مهمة نحو تحقيق هذا الهدف. تم إنشاء هذه اللجنة لتعزيز الاكتفاء الذاتي في الأمن الغذائي والمائي بدولة الكويت، وتضم 12 جهة حكومية وخاصة. دور اللجنة هو مواجهة المخاطر المتعددة التي تطرحها الأزمات المستجدة والحالات الطارئة، وهو أمر مهم في بلد يواجه تحديات ندرة المياه وإنتاج الغذاء.
وأضاف الصانع: من بين التحديات التي تواجهها الكويت ندرة مياه الري، ولهذا السبب استكشفت الجهات المتخصصة عدداً من الحلول مثل استخدام المياه العادمة المعالجة للري، مما يقلل الاعتماد على المياه العذبة. بالإضافة إلى ذلك، تستثمر الحكومة في جهود البحث والتطوير لتحديد حلول مبتكرة لمعالجة ندرة المياه وتحسين إنتاج الغذاء.
الاكتفاء الذاتي
واختتم الصانع مقاله قائلا: رغم التحديات، تملك الكويت إمكانات كبيرة تؤهلها لتصبح رائدة في مجال الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي في المنطقة. تتوفر البلاد على كفاءات بشرية وإمكانات مادية وتقنية متقدمة يمكن استخدامها لحل المشاكل المستعصية. ويتمتع الكويتيون بعقلية منفتحة تساعدهم على تبني الأفكار الجديدة واستثمارها في كل ما يخدم الإنسان. هذه الميزات يمكن استثمارها في السياسات الهادفة لتحقيق أمن غذائي شامل.
___________________________
1- https://www.investopedia.com/food-insecurity-impacts-economy-8303222
2- دراسة لجنة تقييم الأمن الغذائي وبحث سبل تعزيزه في دولة الكويت.
3- وكالة الأنباء الكويتية (كونا).
4- جريدة القبس.