بعد سنوات من التعامل الاضطراري مع بعض «الإسرائيليين» في محافل أكاديمية وعلمية في الولايات المتحدة، بدأت أدرك تدريجياً الشفقة تجاه واقع «الإسرائيليين» وسمعتهم وتزايد كرههم كدولة وليس كدين.
أصبحت أرى الخجل الذي يغمرهم، وهم يواجهون تحديات كبيرة في التعبير عن هويتهم والانتماء إلى دولتهم، في مقابل تسامح أكثر تجاه اليهود كديانة؛ وهو ما يستدعي فك اليهود ارتباطهم بـ«إسرائيل» ونقدها كما فعل بعض اليهود، وكتبت عنهم من قبل تحت عنوان «يهود ضد إسرائيل!»، الذين تبرز مواقفهم أكثر في التصدي للعدوان «الإسرائيلي» على غزة، وزيادة نسبة الذين يطالبون بوقف إطلاق النار كما في استطلاعات معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم (Institute for Social Policy and Understanding (ISPU))، بين 22 ديسمبر 2023 و15 يناير 2024م، والتي تناولت نظرة الجماعات الدينية في الولايات المتحدة إلى وقف إطلاق النار، حيث أظهرت النتائج أن 50% من اليهود أيدوا ذلك مقابل 34%.
وهكذا تزداد نسبة من يتنصل من جنسيته «الإسرائيلية» خجلاً وليس خوفاً! بعدما كانوا يفتخرون في الماضي بأنهم الدولة الديمقراطية الوحيدة في محيط من جيرانها العرب ذوي النظم السلطوية.
أما الآن، فقد بات هذا الكيان هو الأكثر دموية على مستوى العالم، بعد أن بلغ عدد ضحايا عدوانه المستمر على غزة منذ 270 يوماً نحو 38 ألف شهيد، وأكثر من 87 ألف جريح، حتى ساعة كتابة هذه السطور، إضافة إلى الخسائر البشرية والنفسية والمادية التي لا يُمكن تجاهلها، متجاهلاً كل القرارات الأممية في إدانته ورافضاً كل من يحاول إيقافه.
من الواضح أن بشاعة ووحشية الكيان «الإسرائيلي» قد قادت شرائح من يهود العالم إلى الشعور بالحرج والاستياء من السلوكيات والممارسات التي تسببت في تدهور صورة «إسرائيل» في العالم وشعور «الإسرائيليين» بالحرج والخجل من هويتهم الوطنية، بل أصبح بعضهم يفضلون الإشارة إلى أصولهم الأخرى أو أي جنسية أخرى، كما حدث أمامي مع إحدى الباحثات «الإسرائيليات» في جامعة أمريكية؛ حيث تجنبت -دون وعي- ذكر «إسرائيل» عندما عرفت بنفسها، وبدلاً من ذلك أشارت إلى بلدها الأصلي كأوكرانيا، وقالت عنه «مسقط رأسي» (My hometown) والخجل يكتنف وجهها!
كما هناك العديد من الناس الذين يشاركون في المظاهرات أو ينضمون إلى حملات تضامنية مع غزة وفلسطين، يتجنبون الاعتراف بجنسيتهم «الإسرائيلية»، ويعتذرون ويعبرون عن شعورهم بالخجل من أفعال الكيان الذي يحملون جنسيته، كما صرحت بذلك واحدة من المتحدثات بكلمات مؤثرة، وأما عرب «إسرائيل» فهؤلاء لهم حالة أخرى أكثر شفقة وكأنهم بين نارين!
عندما أتحدث مع «الإسرائيليين» من هؤلاء أو المترددين أو الصامتين، فإنني أشير إليهم باستمرار بأنهم يقفون في مواجهة هذا العالم بأسره، الذي يطالبهم بمجرد وقف لإطلاق النار، ولكن هذا الربط المتعسف المجرم الذي ابتدعه الصهاينة، الذي يربط بين التأييد المطلق لكيان معتد قام على إبادة الآخرين والاستيلاء على أراضيهم، واحترام حق فئة معينة من البشر في اعتناق عقيدة معينة، هو ما يجب على شريحة من يهود العالم فكه، والتحدث علناً ضد الفظائع التي ترتكبها «إسرائيل» باسمهم وباسم عقيدتهم كما يفعل الكثير من الأصدقاء اليهود هنا في الولايات المتحدة!