قال المفكر والداعية الإسلامي د، طارق السويدان: ببالغ الحزن والأسى أنعى إلى الأمة الإسلامية رحيل شيخنا وأستاذنا الفاضل الشيخ محمد أحمد الراشد، الذي كان له أثر بالغ في مسيرتي التربوية والدعوية، منذ أن التقيت به لأول مرة في المحاضن التربوية، تَعلَّقت به وتأثرت بعلمه العميق وأخلاقه الرفيعة، لقد كان مرشدًا لنا وناصحًا أمينًا، نستلهم من علمه ونرتوي من تجاربه.
وتابع السويدان، في المساحة الحوارية التي أقامتها «المجتمع» بعنوان «معالم في مسيرة قنديل الدعوة الأستاذ محمد أحمد الراشد»: أتذكر جيدًا كيف كان الشيخ الراشد يدرسنا مقالاته التي كان ينوي نشرها في مجلة «المجتمع»، ومنها سلسلة «المنطلق»، التي أصبحت فيما بعد كتابًا مرجعًا للأجيال، كنا نناقش تلك المقالات معه بعمق، وكان يُحفزنا على التفكير النقدي والمشاركة الفعالة رغم صغر سننا، تعلمنا منه فنون المناظرة والحوار، وكان دائمًا يفتح لنا آفاقًا جديدة من العلم والمعرفة.
وأضاف د. السويدان: في أحد المواقف التي لا أنساها، قررت مع أحد الأصدقاء اختبار علم الشيخ واستفزازه بطريقة ودية لنخرج ما في جعبته من كنوز علمية، وعندما قدمنا اعتراضاتنا على إحدى مقالاته بشكل مُتظاهر بعدم الفهم، قام بتقديم درس لا يُنسى أظهر فيه قدراته الاستدلالية والعلمية الهائلة.
وأكد السويدان أن الشيخ الراشد كان مثالًا للعالم المتواضع، الذي يملك من العلم ما يفوق الوصف، وقد ألَّف كتابًا دفاعًا عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، أظهر فيه عمقًا علميًا مذهلًا، ولم ينشره باسمه بل باسم عبدالمنعم صالح العلي، وكان هذا الكتاب إحدى العلامات الفارقة في مسيرته العلمية.
أسأل الله أن يتغمد الشيخ محمد أحمد الراشد بواسع رحمته، وأن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، ويجزيه خير الجزاء على ما قدمه للأمة من علم وعطاء.
ومن جانبه، قال أستاذ الفقه وأصوله ومقاصد الشريعة الإسلامية د. وصفي عاشور: يعد د. محمد أحمد الراشد من أبرز الشخصيات العلمية التي جمعت بين التخصص الفقهي العميق والتجديد في المجالات الإدارية والتطويرية والإستراتيجية، فهو رجل فريد في بابه، قدم لنا طرحًا علميًا مميزًا يجمع بين الأصالة والحداثة، في طروحات تناولت نواحي متعددة مثل الإدارة والتطوير والتربية والدعوة والفقه.
وأضاف أبو زيد: لقد تمكن الشيخ الراشد بفضل خلطته السحرية الفريدة من تقديم مساهمات قيمة في خدمة الدعوة والتربية، وصاغ ذلك بلغة أدبية رفيعة وجميلة؛ ما جعل من أعماله موردًا مهمًا لشباب الدعوة الإسلامية، كانت لديه قدرة غير عادية على تقديم الأدب، سواءً كان نثرًا أو شعرًا، بطريقة يسهل فهمها وتنفيذها.
وبيَّن أبو زيد أن الجانب الأصولي كان دائمًا الركيزة الأساسية في أعمال الراشد، وهو ما مكّنه من تقديم معانٍ عميقة في كتاباته الأدبية والتنظيمية والإستراتيجية، هذا النجاح لم يكن ليحدث لولا خلفيته الأكاديمية المتينة، حيث تخرج في كلية الحقوق ودرس العلم الشرعي على يد كبار العلماء؛ ما مكَّنه من الجمع بين الثقافة الشرعية والقانونية.
وأشار أبو زيد إلى أن إسهامات الشيخ الراشد في مجال الأصول والمقاصد تتجلى بوضوح في أعماله، خاصة في كتابه البارز «أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي في نظريات فقه الدعوة»، حيث استخرج 13 نظرية تعكس فهمه العميق والشامل للفقه، لقد جمع بين الأصالة والابتكار بطريقة لم يسبق لها مثيل بين فقهاء الدعوة، مشيراً إلى أن ما يميز الراشد هو إيمانه العميق بضرورة استخدام العلوم الشرعية كقاعدة ينطلق منها العمل الدعوي والتطويري والإستراتيجي، لقد أسهمت منهجيته النادرة في تطوير الفكر الدعوي دون التفريط في المبادئ الشرعية التي نؤمن بها.