3 مراحل تحكم علاقة المحتل الغاصب بالشعوب المحتلة:
الأولى: مرحلة السيطرة التامة من المحتل والخضوع الكامل من الشعوب المحتلة.
الثانية: مقاومة الشعوب المحتلة ضد غاصبيها.
الثالثة: التحرر من الاحتلال.
فبعد أن يُحكِم المحتل قبضته ويحصل على السيطرة الكاملة، لا يجد نفسه محتاجاً لتكاليف استخدام القوة، ويحاول أن يبدو ظريفاً لطيفاً، ويستمر كذلك ما دام الشعب مستسلماً مستكيناً، ومع أول بوادر المقاومة من الشعب تظهر أنياب المحتل ومخالبه، ومع استمرار المقاومة تزداد ضراوة المحتل وجرائمه، حتى الوصول لمرحلة عدم تحمله لتكاليف المقاومة فيضطر صاغراً للانسحاب.
ونستهدي من التاريخ بمثالٍ مُعبِّر؛ فبعد أن بدأ الاحتلال البريطاني بالقصف والقتل والتدمير، وحصل على السيطرة التي يبتغيها؛ كَفَّ عن استخدام القوة، وظل كذلك طوال ربع قرن حتى ظهور أول حادثة مقاومة تُذكَر وهي حادثة «دنشواي»، وهنا ظهر الوجه الحقيقي للمحتل، وبدت أنيابه ومخالبه، وساق المقاومين وأهليهم إلى ساحات الإعدام والجلد علناً ليجعلهم عبرة لغيرهم، ووقف ممثل الادعاء إبراهيم الهلباوي، المكلف من حكومة الاحتلال ليوجه أصابع الاتهام لأهل دنشواي المقاومين في عبارة تُعبّر عن فِكرتنا بأبلغ تعبير، ننقلها من مضابط جلسات المحاكمة، يوجه فيها كلامه للمتهم الأول الذي بلغ 75 عاماً، قائلاً: إن حسن محفوظ أقام الفتنة النائمة؛ فكَدَّر جو أمة بأسرها؛ لأنه مضى علينا 25 عاماً ونحن مع المحتلين في إخلاص واستقامة وأمانة، أساء إلينا وإلى كل مصري، فاعتبروا صوتي صوت كل مصري حكيم وعاقل يعرف مستقبل أمته وبلاده.
هذه الحادثة التي أبرزت الوجه القبيح للمحتل وأبرزت أعوانه، كانت البداية لمرحلة مقاومة الاحتلال التي استمرت 50 عاماً حتى جلائه.
وإذا وضعت مكان اسم مصر اسم الجزائر أو فيتنام أو أي بلد آخر مر بنفس الظروف، فستجد نفس المراحل الثلاث بتمامها.
وإذا وضعت مكان اسم حسن محفوظ اسم أي حركة مقاومة، فستجد نفس لغة الخطاب كما هي كأنهم يقرؤون من كتاب واحد.
ما سبق ذكره من مراحل تكاد تكون قاعدة تاريخية ثابتة ترقى لمرتبة السنن التاريخية، وبإمكان أي قارئ للتاريخ أن يتتبع هذه السُّنة التاريخية في مشارق الأرض ومغاربها.
والمشهد الذي نرى فصوله الدموية اليوم في أمتنا، هو المشهد المناسب للمرحلة التي نعيشها، فقد عشنا زمناً في أخذ وردٍّ وكرٍّ وفرٍّ مع المحتل الغاصب الذي زرعه الغرب في قلب أمتنا، حتى تم تحييد الدول وجيوشها النظامية عن الصراع، وبدا المشهد ساكناً وكأن الشعوب رضيت بالاحتلال، ثم تم العبور من مرحلة الاستكانة إلى مرحلة الاعتراف والتطبيع، وحين أوشكت أمور التطبيع على التحقيق، وبعد أن ظن المحتل بأن المقاومة رضيت بأن تكون جزءاً من السلطة، ظهر «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر 2023م، التي أوجعت وباغتت ودخلت على المحتل بابه ومرغت سمعته، وقلبت الموازين، وأوضعت المحتل الغاصب لأول مرة أمام أزمة وجود.
واستكمل العدو الغاصب ملامح المرحلة التي نحياها بإبراز وجهه الحقيقي، وأظهَرَ أن حدوده في الإجرام ستتوسع لتشمل ما سماه الشرق الأوسط، وذكر رئيس وزرائه ذلك على منصة الأمم المتحدة، وكرره تحت نشوة النجاح في سلسلة اغتيالاته الجبانة، وأثبت مجدداً ومؤكَّداً استحالة التعايش مع هذه العصابة المجرمة مهما تلقت من دعم وشرعية من شركائها في الإجرام، وأنه لا حياة لهذه الأمة ولا أمل لها في أمن وأمان ونهضة واستقرار ما ظل هذا الكيان السرطاني قائماً.
فالقضية ليست قضية فلسطين، بل قضية أمة، وليست فقط قضية دين ومقدسات وعزة وكرامة، بل حياة أو موت.
وسيذكر التاريخ أن ما حققه المقاومون في 7 أكتوبر 2023م، كان أول تهديد وجودي للكيان الغاصب، وأول مسمار حقيقي يُدَقُّ في نعشه، والبداية الحقيقية لجولات المرحلة التاريخية التي تسبق التحرير الكامل.