وُلِد الشيخ مجيب الرحمن عام 1920م في قرية غربي العاصمة البنجالية دكا، ودرس في مدارس الإرسالياتِ التنصيريةِ، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة كالكوتا، كما حصل على شهادة في القانون من جامعة دكا.
كان مجيب الرحمن من المؤيدين للزعيم محمد علي جناح في انفصال باكستان عن الهند عام 1947م، وفي 1949م انضم إلى رابطة عوامي الإسلامية، وانتخب أميناً مساعداً، ثم سكرتيراً عاماً لها.
وفي عام 1954م، عُين وزيراً للتنمية التعاونية والزراعة في باكستان الموحدة، وفقد تعيينه بعد حل الحكومة، واعتقل بعد 14 يوماً لتنظيمه احتجاجاً على قرار الحكومة المركزية بإقالة وزارة الجبهة المتحدة، ثم أطلق سراحه في 23 ديسمبر من نفس العام.
ومن عام 1955 إلى 1958م، كان عضواً في الجمعية التأسيسية الباكستانية الثانية (البرلمان)، وأصبح وزيراً للتجارة والصناعة والعمل ومساعدة القرى ومكافحة الفساد، في حكومة ائتلافية ثانية عام 1956م، واستقال عام 1957م.
العمل السري
اعتقل الجنرال أيوب خان، الشيخ مجيب مع كثير من السياسيين بعد انقلاب السابع من أكتوبر 1958م في باكستان، وسجن مجيب لمدة 3 سنوات، وبعد إطلاق سراحه عام 1961م، أسس المجلس الثوري البنغالي الحر، وهو منظمة عسكرية سرية لمواجهة النظام العسكري، فألقي عليه القبض مرة أخرى عام 1962م.
بدأت منظمة المجلس الثوري البنغالي المستقل كجماعة سياسية طلابية مسلحة سرية تم تنظيمها سراً في عام 1961م، وكانت تهدف إلى العمل المسلح ضد الحكم الباكستاني وتحقيق استقلال شرق باكستان باسم بنغلاديش الحالية، وقد بدأت الذراع العسكرية للمجموعة، قوة تحرير بنغلاديش (BLF)، بتدريب طلاب جامعة دكا على الثورة المسلحة في ملعب صالة الألعاب الرياضية بالجامعة في الأول من مارس عام 1962م.
جمهورية بنجلاديش الشعبية
في 5 فبراير 1966م، أصبح مجيب الرحمن رئيساً لحزب «رابطة عوامي الإسلامية»، وقام فوراً بإعادة تسميتها «رابطة عوامي» فقط، وتعني حزب الشعب، وحذف صفة الإسلامية من اسم الحزب.
أعلن مجيب الرحمن إعجابه بالصين بعد زيارته لها في عام 1952م، وكان يحلم بإنتاج نموذج مركزي وسلطوي مشابه للصين، وهذا يفسر تسميته للدولة البنجلاديشية بــ«جمهورية بنجلاديش الشعبية».
وبحلول عام 1975م، استطاع مجيب الرحمن الإمساك بكل خيوط السلطة في يديه، فقد ألغى جميع الأحزاب، وأسس حزباً سلطوياً واحداً هو رابطة بنغلاديش (باكسال)؛ مما أدى فعليًا إلى تحول بنغلاديش إلى دولة ذات حزب واحد، وقد أدت هذه الخطوة إلى مركزية السلطة والتحول بعيدًا عن المبادئ الديمقراطية، وربما استوحى الإلهام من نماذج الحكم السلطوية المختلفة، بما في ذلك هياكل السلطة المركزية التي شوهدت في الدول الشيوعية.
وقد عُرفت تلك الفترة بالثورة الثانية، وكانت تهدف إلى تنفيذ السياسات الاشتراكية وإعادة تنظيم الهيكل الإداري، ومع ذلك، فقد انتهى حكمه الحزبي الواحد باغتياله في 15 أغسطس 1975م، أثناء انقلاب عسكري.
مؤامرة «النقاط الست»
كان برنامج «النقاط الست»، الذي قدمه الشيخ مجيب الرحمن، زعيم حزب رابطة عوامي في عام 1966م، يهدف ظاهرياً إلى تحقيق حكم ذاتي واسع لباكستان الشرقية (بنغلاديش الحالية) داخل باكستان الموحدة، ومع ذلك، فإن إلقاء نظرة فاحصة على «النقاط الست» يكشف أن مجيب الرحمن سعى في الواقع إلى الانفصال الكامل، فقد كانت تتألف من 6 مطالب رئيسة، تبدأ بحكم ذاتي شبه كامل؛ ثم سيطرة كاملة على الموارد الاقتصادية البنجلاديشية، بما في ذلك الضرائب؛ ومن ثم سيطرة كاملة على التجارة الخارجية، وكان المطلب الرابع صك عملة خاصة لبنجلاديش؛ والخامس قوات مسلحة خاصة لبنجلاديش للحفاظ على الأمن، وطالبوا أيضا في المطلب السادس بالسيطرة على الشؤون الخارجية.
كانت هذه النقاط الست في الواقع مطالب بالانفصال الكامل، وليس الحكم الذاتي، كما زعم مؤلفوها.
مؤامرة أجارتالا
في 8 مايو 1966م، اكتشفت الحكومة الباكستانية أن مجيب الرحمن يتآمر مع الهند فيما سمى بقضية «مؤامرة أجارتالا»، واتهم في القضية مجيب الرحمن مع 34 ضابطاً عسكرياً بالتواطؤ مع الهند في مخطط لتقسيم باكستان.
ولكن الحكومة الباكستانية اضطرت لإطلاق سراح مجيب الرحمن عام 1969م؛ بسبب اضطرابات وقعت في إقليم البنجال وأسقطت القضية المرفوعة ضده.
في عام 2010م، اعترف المتآمر الناجي نائب رئيس البرلمان البنجلاديشي شوكت علي أمام البرلمان في بأن الاتهامات التي قرئت عليهم كانت دقيقة، مشيرًا إلى أنهم شكلوا لجنة عمل تحت قيادة مجيب الرحمن من أجل انفصال شرق باكستان.
وقد تحدثت ابنته الشيخة حسينة عن عدة اجتماعات بين ضباط الاستخبارات الهندية ومجيب الرحمن في مقر إقامتها في لندن عامي 1966 و1967م للتخطيط لانفصال شرق باكستان.
أخطاء باكستان وتربص الهند
ولكننا لا ينبغي أن نغفل أن سياسة باكستان الخرقاء، وخصوصاً بعد انقلاب يحيى خان، هي التي صنعت من رجل متواضع الإمكانات مستبداً بنجلاديشياً.
ففي الانتخابات العامة الباكستانية لعام 1970م حققت رابطة عوامي، بقيادة مجيب الرحمن، فوزًا ساحقًا، وحصلت على 167 مقعدًا من أصل 169 مخصصة لباكستان الشرقية في الجمعية الوطنية، وقد أعطى هذا الفوز مجيب الرحمن تفويضًا قويًا استطاع من خلاله، وبمعونة هندية مخابراتية وعسكرية وسياسية وإعلامية أن يستقل ببنجلاديش.
وهكذا تمزق الكيان الإسلامي الهندي الوليد، باكستان، بسبب أخطاء الساسة الباكستانيين التي لا يمكن إنكارها، والتدخل الخارجي من قبل الهند المستفيدة من إضعاف باكستان عدوتها التقليدية، بالإضافة إلى استغلال طموحات شخصية انتهازية من جانب الساسة البنغال وعلى رأسهم زعيم تقسيم باكستان مجيب الرحمن.
___________________
1- Britannica.
2- The Friday Times.
3- Dhaka Tribune.
4- Al Jazeera.