في هذا المقال، نسلط الضوء على المراحل التاريخية لتواجد المسلمين في النرويج، بدءًا من بداياتهم الأولى قبل نصف قرن تقريباً وحتى واقعهم المعاصر، كما نستعرض الإيجابيات لهذا الحضور الإسلامي، بالإضافة إلى التحديات التي يواجهها المسلمون في ظل مجتمع جديد تختلف عاداته وثقافته.
ونهدف من هذه السطور حفظ هذه الصفحات التاريخية الخاصة بالمسلمين في النرويج، والاستفادة منها للمطلعين والمهتمين، ولفهم أعمق لوضع المسلمين الحالي، ولدورهم في المحافظة على دينهم ونشر الوعي به، إضافة لدورهم في نشر قيم التعايش، ومشاركتهم في بناء المجتمع الذي يعيشون فيه.
النرويج.. معلومات وميزات
النرويج بلد الفايكنغ، تقع في أقصى شمال القارة الأوروبية، وتحتل الجزء الغربي من شبه الجزيرة الإسكندنافية القطبية.
وفي النرويج تظهر ظواهر كونية ربانية عجيبة، يرحل السائحون من كل مكان لمشاهدتها، وأهمها:
– ظاهرة شمس منتصف الليل في الصيف، حيث تستمر الشمس في الظهور لبعد منتصف الليل.
– ظاهرة الشفق القطبي، بأضوائه الساحرة الجميلة في ظلام الشتاء.
– عدد سكانها 5 ملايين تقريباً، معظمهم من أتباع الديانة المسيحية وخاصة أعضاء الكنيسة الوطنية اللوثرية، وإن كانت النسبة بدأت تقل بسبب انتشار ظاهرة الإلحاد واللادينية، حسب إحصاءات واستبيانات حديثة.
– تُعد النرويج من أفضل دول العالم من حيث الرخاء والرفاهية وجودة المعيشة، وهي أكبر منتج للنفط في القارة الأوروبية.
– تتميز بالتسامح، والحرية، والديمقراطية، والتعدد الثقافي، كما أنها من بين البلدان الأكثر أمناً وهدوءاً.
– من أبرز ميزات النرويج المساواة في الحقوق بين الكنيسة وأي مؤسسة دينية أخرى، ولذلك تحصل المساجد والمراكز الإسلامية على نفس الدعم التي تتمتع به الكنائس.
– من البلدان الأوروبية التي ليس لها صراعات مع العالم الإسلامي عبر التاريخ، خاصة فترة الحملات الصليبية القديمة، أو مشاركة في الاستعمار الحديث.
– وتتميز بمواقفها الإنسانية عموماً، وخاصة في دعم القضية الفلسطينية، قياساً بغيرها على مستوى القارة الأوروبية.
محطات من تاريخ الإسلام بالنرويج
– رحلة ابن فضلان إلى النرويج:
يُعتقد أن الرحالة المسلم أحمد بن فضلان هو أول مسلم وصل إلى النرويج في القرن العاشر الميلادي، ضمن بعثة أُرسلت بأمر من الخليفة العباسي المقتدر بالله، كانت هذه البعثة تتألف من مجموعة برئاسة ابن فضلان، وقد أُرسلت بناءً على طلب ملك الصقالبة لتعليم الإسلام له ولشعبه.
وقد ثق ابن فضلان هذه الرحلة في كتابه «رسالة ابن فضلان: في وصف الرحلة إلى بلاد الترك والخزر والروس والصقالبة»، حيث ذكر أنه التقى بمجموعة من الفايكنغ ووصف طباعهم وتقاليد حياتهم.
ويُعتبر كتابه من الوثائق التاريخية المهمة حول الفايكنغ، وهذا ما يؤكد أن ابن فضلان هو أول مسلم تطأ قدماه أراضي الشمال الإسكندنافي، خاصة النرويج والسويد، وهذا يتوافق مع ما سجلته المصادر التاريخية في هذين البلدين.
– الشاعر النرويجي فيرغيلاند وإسلامه:
الشاعر والأديب النرويجي المعروف هنريك فيرغيلاند، المتوفي عام 1845م، هو أحد أبرز الشخصيات الثقافية والأدبية الرائدة في تاريخ النرويج الحديث، التي كان لها دور كبير في بناء الهوية الوطنية وتطويرها، كما يعد من أهم رموز النضال الوطني.
وأشارت بعض التقارير إلى أنه قد أرسل قبل موته رسالة لأبيه يعبر فيها عن إعجابه بالإسلام؛ ما جعل البعض يعتقد أنه اعتنق الإسلام ولم يعلن ذلك لأسباب خاصة به، ولعدم وجود مسلمين آخرين في النرويج آنذاك، فيعتقد أنه عرف الإسلام من خلال دراسته للكتب المتوفرة في المكتبات، وخاصة المكتبة الملكية التي شغل منصب المسؤول عنها.
– دخول الإسلام إليها في العصر الحديث:
في الستينيات من القرن الماضي، عندما كانت النرويج بحاجة إلى العمال، شهدت البلاد أولى موجات المهاجرين المسلمين من باكستان، وذلك بتنسيق رسمي بين الحكومتين.
تبعهم مهاجرون من دول عربية وإسلامية أخرى، وقد جاؤوا بطرق مختلفة، مثل المغرب وتونس والجزائر والعراق وتركيا وألبانيا والبوسنة والصومال وفلسطين، ومؤخراً من سورية، ووفقاً لبعض الإحصاءات غير الرسمية، يُقدّر عدد المسلمين في النرويج اليوم بحوالي 250 ألفاً، وهي نسبة 4-5% من عدد السكان، ومما يجدر ذكره أن النرويج قد اعترفت بالإسلام ديناً رسمياً منذ عام 1969م.
وأُنشئ أول مسجد في العاصمة أوسلو عام 1974م، وهو المركز الثقافي الإسلامي الذي أسسه المهاجرون الباكستانيون، ومنذ ذلك الحين، تزايدت أعداد المساجد والمراكز الإسلامية، حيث يصل العدد اليوم إلى نحو مائة مسجد ومصلّى في العاصمة وحدها، بالإضافة إلى مساجد ومراكز أخرى كثيرة في مختلف المدن النرويجية.
ونشير إلى أن المراكز الإسلامية في المدن الكبرى تتوسع من فترة لأخرى بسبب تزايد أعداد المسلمين وخاصة في العاصمة أوسلو والمدن الكبرى مثل برغن وستفنغر وترندهايم وكريستيانساند.. وغيرها.
وعلى سبيل المثال، ومن أبرز هذه المراكز الإسلامية في النرويج وأكبرها وهي في العاصمة أوسلو:
1- المركز الإسلامي الثقافي: الذي ذكر سابقاً كأول مسجد، والذي بنته الجالية الباكستانية فيما بعد على أرض في وسط العاصمة أوسلو وبشكل حديث وكبير، ويعتقد أنه أصبح أكبر مركز إسلامي بالنرويج في الفترة الماضية.
2- الرابطة الإسلامية في النرويج: أسسها مجموعة من الجالية العربية، وتقوم حالياً بالإعداد لمشروع بناء مركزها الجديد ليكون أكبر مركز إسلامي حديث في الفترة القادمة.
3- مركز التوفيق: أنشأته الجالية الصومالية، وبنته جديداً على أرض خاصة من فترة قريبة، بعد أن كانوا في مكان صغير مستأجر.
4- مسجد التوبة: أسسته الجالية المغربية.
بالإضافة إلى مساجد ومراكز أخرى كثيرة للجالية العربية والباكستانية والصومالية والتركية والكردية والبوسنية وغيرها في أوسلو، وفي المدن الأخرى، ولا يسع المقام لذكرها وحصرها.
وتقوم هذه المساجد والمراكز بأنشطة متعددة مثل طبيعة مثيلاتها في أوربا والغرب عموماً، مثل:
– إقامة الشعائر الدينية مثل الصلوات الخمس والجمعة والعيدين.
– التوعية عبر إلقاء الخطب والدروس والمحاضرات والدورات.
– التعليم؛ وذلك بتدريس القرآن واللغة العربية للأطفال والشباب.
– الأنشطة الاجتماعية والأسرية مثل عقود الزواج، والصلح بين الزوجين، وغيرهما.
– مراسيم دفن الموتى.
– أنشطة التعريف بالإسلام.
– المشاركة في التواصل والحوار مع الأديان والجهات الرسمية.
وتتطور الأنشطة وتتوسع حسب كل مركز ومدى الوعي والتخصص في العلم والدعوة والإدارة.