منذ أكثر من عام، يعيش مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية أوضاعاً صعبة، بسبب الأزمة السورية ودخول مجموعات سورية معارضة مسلحة إلى المخيم،
اصطدمت مع قوات النظام، ما أدى إلى تدمير وتهجير المئات، واضطر عدد من شبان المخيم لحمل السلاح، للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وأعراضهم، بعد فقدان الأمن وانتشار عصابات مسلحة بدأت تعتدي على الممتلكات والأعراض.
ورغم أن القيادات الفلسطينية عملوا من أجل تحييد المخيم، ومنع زجه في الأزمة السورية الداخلية، فإن عدة عوامل ساهمت في إدخال مخيم اليرموك في قلب الصراع، أهمها:
– موقع مخيم اليرموك على أطراف مدينة دمشق الجنوبية.
– قربه من حي الميدان الذي شهد معارك عنيفة، وقربه أيضاً من منطقة الحجر الأسود التي خرج منها مسلحون لمقاتله النظام.
– دخول تنظيم «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة» على خط الصراع إلى جانب النظام، حيث اتهم مواطنون فلسطينيون القيادة العامة بخطف فلسطينيين وتسليمهم إلى النظام وقتل فلسطينيين آخرين.
– قيام المجموعات المسلحة باتخاذ المخيم مقراً للهجمات على النظام دون أن يكون لأهل المخيم قدرة على الرفض بسبب تعقد الأزمة واتساع العنف.
وفي نهاية عام 2013م، ازداد العنف في مخيم اليرموك وحوله، مع قرار المجموعات السورية المعارضة المسلحة باقتحام دمشق، وقرار النظام الدفاع حتى آخر رمق، وتنفيذ خطة عسكرية لتأمين كامل محيط منطقة دمشق، فازداد القصف على المخيم، واشتد الحصار، وقصف المخيم بالطائرات الحربية، واستهدفت المساجد، واستشهد المئات من أبناء المخيم، وتهجر أكثر من 90% من سكانه، وتعطلت الحياة الاقتصادية فيه، وانقطعت الكهرباء، ومنع إدخال المواد الغذائية، فمات أكثر من 25 شخصاً بسبب الجوع.
قصة حياة المخيم
في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ الفلسطينيون يتوافدون إلى مخيم اليرموك أو ما كان يسمى بـ«بساتين الشاغور»، بعد أن قطنوا المساجد والمدارس والمشافي وبعض التجمعات إثر النكبة.. أما أرض «المهايني والحكيم والرجلة»، فهي أرض زراعية تحيط بها البساتين من ثلاث جهات وحي الميدان الدمشقي من الجهة الرابعة، وكانت المؤسسة العامة للاجئين الفلسطينيين توزع الأراضي بوحدة القياس «النمرة»، وهي شرائح طولها 10 أمتار وعرضها 4 أمتار، وذلك حسب عدد أفراد الأسرة (نمرة أو نمرتين ونصف وهكذا..)، أما وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فكانت تقدم مساعدات بنحو 300 ليرة سورية لكل غرفة يتم بناؤها.
في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، راح المخيم يمتد غرباً وشرقاً، وازدادت حركة العمران، ولم تعد بيوت المخيم المعدة بطريقة استثنائية وريفية وبسيطة تكفي حاجات أبناء المخيم، فبدأ المخيم يأخذ شكلاً آخر أكثر مدنية.. هكذا، ارتفعت الطوابق واستقبل المخيم أعداداً كبيرة من المناطق المحيطة به، ومع نهاية التسعينيات خلا المخيم نهائياً من البيوت «العربية» كما كان يطلق عليها، وحلّت مكانها البنايات المرتفعة.
«حارة الفدائية» هي الحارة الأولى التي وضعت على أرضها اللبنات الأولى لمخيم اليرموك وجدران بيوته البسيطة منتصف عام 1954م عندما قطنها عدة مئات من اللاجئين الفلسطينيين من قاطني المساجد والجوامع في حي الميدان الدمشقي ومعه حي الشاغور.. «حارة الفدائية» كانت البداية لنهوض مخيم اليرموك الذي شَهِدَ بعد ذلك قفزة عمرانية بدأت منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، كما هي الحارة الأولى التي صنعت المثوى الأول والمقبرة الأولى لشهداء الثورة الفلسطينية المعاصرة في مخيم اليرموك، عندما بدأت تتوالى عمليات الاستشهاد.
وقد زار مفتي فلسطين الأسبق الحاج محمد أمين الحسيني يرحمه الله تعالى «حارة الفدائية» عام 1955م، وأطلق من بين بيوتها المتواضعة في حينها اسم اليرموك على هذا التجمع الفلسطيني ليصبح هذا التجمع هو مخيم اليرموك، منبت الأبطال والفدائيين.
قدمت «حارة الفدائية» عشرات الشباب من أبنائها خلال العملية الكفاحية الوطنية الفلسطينية خلال العقود الماضية من عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة في كل ساحات العمل الوطني وعلى أرض فسطين من الساحة الأردنية إلى الجولان السوري إلى الداخل الفلسطيني إلى حصار بيروت إلى معارك الدفاع عن الثورة والمنظمة والمقاومة في حرب المخيمات التي شنت عام 1985م ضد شعبنا وأهلنا في لبنان والتي كان فيها فلسطينيو سورية وشبابهم في مقدمة المدافعين عنها، وقد سقط منهم غالبية شهداء ما بات يعرف بـ«حرب المخيمات» في لبنان.
أوضاع مأساوية
إلا أنه وبعد كل هذا التاريخ فالواقع الآن كارثي بكل المقاييس؛ بسبب القتل والدمار والحصار، صور الشهداء الذين يموتون جوعاً ترعب كل من يشاهدها، أخبار الفتاوى التي يصدرها العلماء للأهالي لأكل القطط والكلاب تتصدر الاهتمام، مشاهد النساء اللواتي يؤكدن أنهن لن يبعن أعراضهن مقابل الطعام يندى لها الجبين، مناشدة الأهالي للعالم للتحرك تتكرر كل يوم.
كل هذا يحصل والمخيم مازال يعاني من الجوع، والأطفال يموتون جوعاً بسبب فقدان الحليب والأدوية والمحروقات، فيموتون جوعاً وبرداً.
هذه الأوضاع المأساوية دفعت «وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، لمطالبة القوات السورية والمسلحين السماح بإدخال مساعدات عاجلة إلى مخيم اليرموك في دمشق.
تدهور تدريجى
وقال المتحدث باسم «الأونروا» «كريس جانيس»، في بيان: «تدهورت تدريجياً أوضاع نحو 20 ألف فلسطيني محاصرين داخل اليرموك»، موضحاً أن «استمرار تواجد الجماعات المسلحة، التي دخلت المنطقة نهاية العام 2012م وإغلاق القوات الحكومية لها، أحبط كل جهودنا الإنسانية»، واعتبر «جانيس» أنه «إذا لم يعالج هذا الموقف سريعاً فقد لا يكون هناك متسع من الوقت لإنقاذ أرواح الآلاف، بينهم أطفال».
وقال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، «فيليبو جراندي»: إن الأوضاع الإنسانية في مخيم اليرموك المحاصر تزداد سوءاً بشكل كبير.
وأكد «جراندي» عدم قدرة الأونروا على مساعدة المحاصرين داخل المخيم حالياً بسبب الأحداث التي يشهدها، وعلى الرغم من استمرار ورود تقارير مقلقة للغاية حول تضاعف معاناة هؤلاء اللاجئين وانتشار الجوع في أوساطهم، فإن الأونروا ومنذ سبتمبر 2013م لم تعد قادرة على دخول المنطقة لتقديم إمدادات الإغاثة للذين هم بأمسّ الحاجة إليها.
وشدّد على أنه إذا لم يتم معالجة هذا الوضع بصورة عاجلة، فإنه قد يكون من المتأخر جداً إنقاذ حياة الآلاف من الناس بمن فيهم الأطفال.
وقال: يبدو أن العديد من المبادرات التي تهدف إلى إنهاء الحصار المستمر قد توقفت، لذا فإنني مضطر هنا لتذكير الأطراف المشاركة في الصراع بأنه وبموجب القانون الدولي فإن مسؤولية حماية المدنيين من آثار هذا النزاع المسلح تقع على عاتقهم.
وناشد مدير «منظمة ثابت لحق العودة» سامي حمود، طرفي النزاع في سورية، تجنيب مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ويلات الصراع الدائر في البلاد، وشدد على ضرورة إدخال المساعدات الغذائية والطرود الإغاثية إلى سكان مخيم اليرموك المحاصرين لأكثر من 160 يوماً على التوالي.
تحركات سياسية
وخلال الأسابيع الأخيرة من عام 2013م انطلق حوار فلسطيني فلسطيني، وحوار فلسطيني سوري، من أجل إيجاد حل سياسي ينهي أزمة مخيم اليرموك، وزار وفد يمثل منظمة التحرير الفلسطينية كبار المسؤولين السوريين، والفصائل الفلسطينية المقيمة في دمشق، وتم التوصل إلى تفاهم لإنهاء الأزمة، يقوم على إخلاء المخيم من المسلحين، وعودة الأهالي، وإعادة المخيم إلى وضعه الطبيعي ووقف الملاحقات.
غير أن مفاجأة ما حصلت أعادت الأمور إلى نقطة الصفر، حيث اتهم عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» بإفشال المبادرة السياسية التي توافقت عليها الفصائل، والتي تتمثل في إنهاء تواجد المسلحين داخل المخيم وإعادة الهدوء إليه، معتبراً أنها أعاقت الجهود المبذولة وتمسكت بالحل الأمني بدل السياسي.
وأكد مجدلاني أن مبادرة منظمة التحرير الفلسطينية تمثلت في حل سياسي ينهي تواجد المسلحين داخل المخيم، ويصوب أوضاع المسلحين، فيما نصت مبادرة القيادة العامة على حل أمني يسمح بتواجد مسلحين من القيادة العامة لحفظ الأمن داخل المخيم.
وردّت «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» على الاتهام فقالت: إن وفد منظمة التحرير الفلسطينية الذي حضر إلى دمشق لمعالجة أزمة مخيم اليرموك هو أحد الأطراف الأساسية التي تسببت في سقوط اتفاق الحل السياسي للأزمة بسبب الروح الفئوية التي واكبت معالجته للأزمة، وإصراره على عدم إعطاء أي دور للفصائل الفلسطينية الرئيسة والمؤثرة في أزمة المخيم، وفي مقدمتها «القيادة العامة»، وقيامه بتحريض مجموعات مسلحة تابعة له بعدم التعاون مع أي مبادرة سلمية لا تكون منظمة التحرير موافقة عليها.>
تحييد الفلسطينيين
الناطق باسم «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) د. سامي أبو زهري، أكد لـ«المجتمع» أن موقف حركته الدائم أنه لابد من تحييد الفلسطينيين في مخيم اللجوء في سورية، وقال: «أبناء شعبنا هناك ضيوف، ويجب على كل الأطراف تحييدهم مما يجري نتيجة هذا القتال والويلات»، وبيَّن أبو زهري أن هناك أكثر من مبادرة طرحتها الفصائل الفلسطينية، مبيناً أن حركة «حماس» على اطلاع لهذه المبادرات وشجعتها؛ لأنها تقوم على أساس تحييد المخيمات نتائج هذا القتال، داعياً كل الأطراف المتنازعة في سورية إلى تحييد المخيمات والتمكين من إدخال المساعدات ووقف القتل الذي يجري داخل المخيمات.>
وأفادت إحصائية لمجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، أن عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين استشهدوا في سورية منذ بداية الأحداث الدائرة هناك وحتى نهاية عام 2013م بلغ 1873 لاجئاً، وحسب هذه الإحصائية، فإن 1842 لاجئاً فلسطينياً قضوا داخل سورية، بينهم 1270 داخل المخيمات والتجمعات الفلسطينية و572 خارجها، فيما قضى 31 لاجئاً خارج سورية أثناء محاولتهم الوصول إلى بلدان أوروبية هرباً من الأوضاع المأساوية، من بينهم 15 قبالة سواحل مصر، و6 قبالة سواحل اليونان، و6 قبالة سواحل مالطا.
وتوزع الضحايا حسب الأسباب التي أدت إلى الوفاة على النحو التالي: 753 لاجئاً قضوا بسبب أعمال القصف، و441 بسبب الاشتباكات المسلحة، و129 قضوا تحت التعذيب، و222 برصاص القناصة، و79 لأسباب مجهولة، و63 أعدموا ميدانياً، و48 لأسباب أخرى مثل الذبح أو الاغتيال أو القتل بواسطة السلاح الأبيض، و33 قضوا إثر التفجيرات، و33 خلال استهدافهم بالسلاح الكيماوي، و26 قضوا غرقاً، و19 قضوا جوعاً بسبب الحصار على المخيمات.>