انتهت الحرب على قطاع غزة؛ لكن ويلاتها ما تزال تتكالب على الجريح الفلسطيني “طارق الريفي”، القابع على سريره، في الطابق الرابع، من قسم الجراحة في مشفى الشفاء بغزة.
انتهت الحرب على قطاع غزة؛ لكن ويلاتها ما تزال تتكالب على الجريح الفلسطيني “طارق الريفي”، القابع على سريره، في الطابق الرابع، من قسم الجراحة في مشفى الشفاء بغزة.
ففي صبيحة يوم 21 أغسطس الماضي، أُصيب الريفي بجراح بالغة، في غارة إسرائيلية، وفقد في ذات الغارة، اثنين من أطفاله، هما عمر، (8 أعوام)، وأحمد (3 أعوام)، وجرح اثنان آخران، هما مرام وزياد، كما فقد اثنين من أشقائه، وأحد أبنائهما.
وخلال مكوثه في المشفى، فُجع “الريفي”، مساء الخميس الماضي 28 أغسطس بوفاة إحدى أطفاله الجرحى، وهي الطفلة مرام ابنة 7 أعوام، متأثرة بجراحها.
وادلهمت الخُطوب على الأب المكلوم، أمس الإثنين، حيث أُبلغ أن طفله الرابع زياد (9 أعوام)، قد تُوفي متأثرا بجراحه كذلك.
وكان مشهدا مؤلما حينما جيء بالطفل زياد، مسجيا بكفنه، كي يلقي عليه والده الجريح، نظرة الوداع الأخيرة.
ووثقت “الأناضول”، لحظة وداع “الريفي” لولده الرابع، حيث بدا متماسكا، لكنه انهار في أعقاب مغادرة المشيعين بالطفل من باب غرفته بالمشفى.
وبكي “الريفي” بحرقة، وقال لمراسل وكالة الأناضول:”في قلبي حزن دفين، لا يمكن أن يزول على فراق أطفالي وأرواحي الأربع، ولكنه قدر الله، ولا يمكنني الاعتراض عليه، لذلك سأظل صابرا إلى أن يجمعني الله معهم في الآخرة”.
وبعد لحظات من الصمت، استعاد خلالها الأب المكلوم مشهد فقدانه لأطفاله الأربعة، وأخويه وأحد أبناءهم، وقال:”ذهبت مع أبنائي الأربعة، واثنين من أشقائي، وابنيهما لنتفقد أرض لنا قريبة من المنزل، وبعد 5 دقائق من وصولنا شعرنا بانفجار صاروخ أطلقته الطائرات الإسرائيلية”.
ويضيف:” أصبت، لكني لم أفقد الوعي حينها، وشاهدت طفلتي مرام تبكي وتصرخ من شدة الألم، وحاولت الزحف تجاهها وإسعافها رغم إصابتي، إلا أني لم أتمكن من الوصول إليها وبعد لحظات وصلت سيارات الإسعاف”.
وأضاف:” لا زال مشهد بكاء طفلتي (مرام) وصراخها من شدة الإصابة حاضرا أمام عينيّ فهي الوحيدة التي شاهدتها جريحة من بين أبنائي الأربعة الذين استشهدوا في القصف الإسرائيلي”.
وعلم الريفي بعد يوم من إصابته أن طفليه وشقيقيه وأحد أطفالهما قتلوا على الفور، جراء القصف، وأصيبت ابنته مرام وابنه زياد وابن شقيقه بإصابات خطيرة.
وكان مما يصبّر “الريفي”، ويمنحه الأمل، أن طفليه “مرام”، و”زياد”، ما زالا على قيد الحياة، وأنهما قد ينجوان من الإصابة، فينسيانه بعضا من ألم فقدان طفليه “عمر وأحمد”.
ومنذ ذلك الوقت، تتراءى أمام ناظريّه، صغيرته “مرام” وهي مضرّجة بدمائها، فتزداد خفقات قلبه، ويرتفع أنين “وجعه”، فيقول لوالده: “أريد أن أحضنها يا أبي”(يقصد مرام)، فيرد عليه: “لا تقلق إنها بخير”.
لكن الأسوأ، قد حدث، وانقشع غبار الأمل الذي عاش عليه “الريفي”، أيام قليلة، حيث غادرته طفلته المدللة، وابنه البكر، دونما وداع، ليصبحان تعب الروحِ بعد أن كانا نبضها.
ويختم “الريفي” حديث للأناضول قائلا: “أحمد الله أن ألهمني الصبر.. ولا أتمنى إلا أن يجمعني الله مع أطفالي في الجنة”.
وكشف أحد أقارب “الريفي”، لمراسلة الأناضول، عن حادثة وصفها بالمؤلمة، حدثت الخميس الماضي، في أعقاب وفاة الطفلة “مرام” التي يصفها بأنها “حبيبة الروح”.
وقال إن والده (جد الطفلة) قرر دفنها دون معرفة والدها، رأفة به، كي لا ينفطر قلبه على فراقها، لمعرفته بمدى حبه لها، وحتى يجنبه المزيد من الألم.
لكن الريفي، علم بالصدفة بالأمر، واتصل بأبيه وهو في المقبرة، قبل لحظات من مواراتها التراب
وأضاف:” قال طارق لأبيه عبر الهاتف المحمول بصوت مخنوق: والله يا أبي لو ما أحضرتها لعندي كي أودعها، لأحاسبك أمام الله يوم القيامة، إنه دين في رقبتك، لن أسامحك أبدا..رجعها يا أبي الآن”.
وهنا بكى الجد، ورفع الطفلة من القبر، وأخبر المشيعين، بأنه سيعود إلى المستشفى بجثمان الطفلة كي يودعها أبوها.
وهناك ضم طارق صغيرته “مرام”، في مشهد أبكى الحضور.
ويقول الجد “زياد” لوكالة الأناضول:” كان كمن يفقد قطعة من قلبه، مرام كانت حبيبته، والأقرب إلى روحه، يومها شعرت أنه سيصاب بالجنون، وهو يحضنها”.
واستمعت مراسلة الأناضول لشهادة “ولاء عاصم” (45 عاما)، وهي جارة لعائلة الريفي، حول حادثة استهداف الطائرات الإسرائيلية لها، فقالت إنها شاهدت الأطفال برفقة والدهم وأعمامهم وهم يسقطون أرضا، على رمل أرضهم ومزرعتهم.
وأضافت:” كنت أرى الأطفال (مرام، وعمر، وأحمد، وزياد)، وهم يلعبون في أرض جدهم، ويقومون بري الزرع، وهم يضحكون، ويرشون الماء على بعضهم البعض، الآن سكتت ضحكاتهم”.
وينقل الجيران عن أم الأطفال الأربعة، أنها في “حالة نفسية صعبة لا تسمح لها بالحديث بعد أن فقدت أطفالها وأصيب زوجها”.
وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، يوم الثلاثاء الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، وهي الهدنة التي اعتبرتها الفصائل الفلسطينية في بيانات منفصلة “انتصار في معركتها مع إسرائيل”، وأنها “حققت معظم مطالب المعركة مع إسرائيل”، ورحبت بها أطراف دولية وإقليمية.
وجاءت هذه الهدنة، بعد حرب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في السابع من الشهر الماضي، استمرت 51 يوماً، وأسفرت عن مقتل 2148 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير الآلاف من المنازل، بحسب إحصاءات فلسطينية رسمية.