يواجه الاقتصاد السعودي أكبر التحديات منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008م.
يواجه الاقتصاد السعودي أكبر التحديات منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008م.
ويأتي هذا التحدي على ضوء تدهور سعر النفط الخام بنسبة زادت على 50% منذ صيف عام 2014م، وتشكل إيرادات النفط ومشتقاته أكثر من 90% من مجمل الصادرات وإيرادات الخزينة العامة للدولة في السعودية، حسب موقع “دويتشه فيله” الألماني.
وقد بدأ الانخفاض يلقي بظلاله السلبية على مستقبل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما المرتبط تمويلها بنفقات الدولة، فالحكومة السعودية تتوقع عجزاً في الموازنة بحدود 40 مليار دولار إذا بقي سعر النفط بحدود 60 دولاراً للبرميل.
وفي حال بقاء السعر دون 50 دولاراً للبرميل فإن العجز سيتراوح بين 50 – 60 مليار دولار، ويتوقع تغطية العجز من الاحتياطيات المالية التي تراكمت إبان الطفرات التي زاد فيها السعر على 80 دولاراً للبرميل الواحد.
ودائع مالية مهددة
وتمتلك السعودية ودائع مالية كبيرة تزيد على 700 مليار دولار يمكن استخدامها لتمويل العجز في الموازنة، إضافة إلى تمويل المشاريع والمساعدات الخارجية التي لا تدخل في بنودها.
غير أن المشكلة تكمن في أن الاحتياطيات ستتراجع بسرعة إذا استمر انخفاض سعر النفط وارتفاع الأسعار العالمية والنمو السكاني المرتفع بشكل يتطلب زيادة الإنفاق الحكومي بمعدلات عالية.
ومن شأن هذا التراجع أن يجعل البلد أقل حصانة إزاء الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية غير المتوقعة، ومن هنا فإن اللجوء إلى الاحتياطيات المالية ينبغي أن يتم بحذر شديد وفي حالات الضرورة.
وبحسب “دويتشه فيله”، فإن مشكلة الاقتصاد السعودي لا تكمن حالياً في توفير مصادر التمويل للنفقات الحكومية، بل في ضعف بنيته التي ما تزال تعتمد بشكل أساسي على النفط كمصدر للدخل، وفي الوقت الذي يستوعب فيه القطاع العام 75% من الوظائف، فإن القطاع الخاص مازال ناشطاً بشكل أساسي في قطاعي السكن وبناء المكاتب والخدمات غير العامة.
ولا يغير من ضعف البنية الاقتصادية التقدم الملموس الذي تحقق في إنتاج المحاصيل الزراعية كالقمح والشعير والتمور والخضراوات لسد جزء من احتياجات السوق المحلية، كذلك لا يغيره إقامة صناعات تحويلية تعتمد بالدرجة الأولى على تصنيع النفط.
فعلى الرغم من هذا التقدم، مازالت السعودية تستورد ما لا يقل عن 70% من احتياجاتها الغذائية، وتعتمد السوق السعودية بشكل أكبر على الاستيراد من أجل توفير مستلزماتها من الألبسة والأدوية والإلكترونيات ومعدات البناء ووسائط النقل ومعدات البنية التحتية والصناعة.
غياب العمالة الوطنية
ويعاني الاقتصاد السعودي كغيره من اقتصاديات دول الخليج النفطية من تدني مستوى الكفاءات البشرية الوطنية أو المحلية في مختلف المجالات، ويتجلى هذا الأمر في عدم توافر العمالة الماهرة اللازمة للأعمال والوظائف غير القيادية في الصناعة والتجارة والخدمات.
فالجدير ذكره أن المجتمعات الخليجية باستثناء المجتمع العُماني تزدري هذه الوظائف وتنظر إليها نظرة دونية، ويجري تعويض هذا النقص عن طريق استقدام الكفاءات والعمال الأجانب الذين يشكلون مع عائلاتهم ثلث سكان السعودية البالغ عددهم نحو 31 مليون نسمة.
غير أن المشكلة تكمن في أن الكفاءات الأجنبية ليست مستقرة لا في السعودية ولا في عموم منطقة الخليج؛ لأسباب عدة، منها سوء معاملتهم الشديدة، وامتهان حقوقهم الأساسية، واستمرار تطبيق أنظمة الكفيل التي تضع العامل الأجنبي تحت رحمة صاحب العمل المحلي في الإقامة والسفر.
ويؤدي عدم استقرار الكفاءات الأجنبية في ظل عدم توافر العمالة الماهرة إلى ضعف الاستثمارات طويلة الأجل في المجالات التي تتطلب نقل التكنولوجيا وتوطينها، ومن ثم الانتقال إلى تطوير وإبداع تكنولوجيا محلية تناسب البيئة.
تنويع مصادر الدخل
ورغم مرور أكثر من نصف قرن على تسويق النفط السعودي بكميات تجارية متزايدة جلبت عائدات ضخمة بتريليونات من الدولارات، فإن الاقتصاد السعودي مازال بعيداً عن تنويع مصادر دخله بشكله يحصنه من الأزمات لفترات طويلة.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن النفط ثروة ناضبة، وقد لا يعود سعره إلى الارتفاع بمعدلات عالية؛ بسبب دخول النفط الصخري، لاسيما الأمريكي منه، ميدان المنافسة، فإنه لا يوجد خيارات أمام الاقتصاد المذكور سوى تكثيف الجهود لتخفيف التبعية للعائدات النفطية بالسرعة الممكنة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف السبيل إلى ذلك؟ وما المجالات التي يمكن البناء عليها مستقبلاً؟
والإجابة هي أن السعودية تمتلك موارد مالية كبيرة لتمويل مشاريع مستقبلية، فعلاوة على النفط فإنها تتمتع بالغاز وثروات طبيعية أخرى كبيرة؛ كالحديد والفوسفات والنحاس والذهب والفضة والبلاتين والرصاص.
كذلك فإن لديها فرصاً كبيرة لتعزيز دور السياحة، لاسيما الدينية منها حيث يمكن مضاعفة أعداد الحجاج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في غضون سنوات قليلة، غير أن السؤال هنا: كيف يمكن القيام بتنمية متنوعة ومستدامة يمكن من خلالها استغلال ثروات المملكة على أساس بناء صناعات تحويلية وخدمات مواكبة تستوعب قوة العمل الشابة في ظل وجود عمالة أجنبية غير مستقرة وغياب الكفاءات السعودية المطلوبة؟
إن الإجابة على هذا السؤال مرهونة بتوجهات السياسة الاقتصادية السعودية اعتباراً من هذا العام، وبغض النظر عن الخط الذي سيتم انتهاجه، فإن أي تنمية طويلة الأجل لا يمكن أن تتم دون إصلاح جوهري لأنظمة إقامة وتشغيل العمال الأجانب بالشكل الذي يضمن حقوقهم الأساسية.
وفي الوقت ذاته، لا بد من إصلاح أنظمة التعليم والتأهيل والدعم الحكومي بالشكل الذي يفسح المجال أمام الشباب السعودي للعمل في الوظائف غير القيادية.