نتيجة لأزمة غير مسبوقة، جمدت الرباط تعاونها القضائي مع فرنسا أواخر شهر فبراير 2014م.
نتيجة لأزمة غير مسبوقة، جمدت الرباط تعاونها القضائي مع فرنسا أواخر شهر فبراير 2014م.
وأخيراً انتهى الخلاف الذي دام 11 شهراً، فقد توصل وزير العدل المغربي ونظيرته الفرنسية “كريستينا توبيرا” يوم السبت 31 يناير 2015م إلى اتفاق يقضي بالاستئناف الفوري إلى ما كان من تعاون قضائي بين البلدين.
ولكن، ما الذي كان قد حصل حتى تتوتر العلاقات على هذه الشاكلة؟
لقد جمدت الرباط تعاونها القضائي مع فرنسا أواخر شهر فبراير 2014م؛ وذلك نتيجة لأزمة غير مسبوقة؛ مما أثر سلباً على التعاون الأمني أيضاً.
* تعدد شكاوى التعذيب:
اندلعت الأزمة رسمياً في 20 يناير 2014م عندما داهمت الشرطة الفرنسية إقامة السفير المغربي في باريس بغية إعلام مدير المخابرات المغربية عبداللطيف حموشي بأنه مدعو للمثول أمام القضاء الفرنسي في جلسة استماع.
وقد اغتنمت منظمة غير حكومية تدعى “Acat” فرصة تواجد هذا المسؤول رفيع المستوى في فرنسا، لتطلب من السلطات الفرنسية التحقيق معه على خلفية اتهامات حول ضلوعه في قضية تعذيب جدت بمركز الإيقاف المغربي بتمارة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه القضية ليست الأولى من نوعها فيما يتعلق بقضايا التعذيب المودعة لدى أجهزة العدالة الفرنسية.
ففي مايو 2013م رفعت منظمة مبادرة المسيحيين من أجل إلغاء التعذيب دعوى قضائية لدى المحكمة العليا بباريس باسم عادل لمتلسي، وهو مواطن مغربي فرنسي حكم عليه بـ10 سنوات سجناً عام 2008م بتهمة تجارة المخدرات بناء على اعترافات انتزعت منه تحت التعذيب حسب ما تؤكده المنظمة.
كما أنه قد تم رفع دعوى لدى القضاء الفرنسي وهيئة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في قضية “أنعامة أسفري”، وهو ناشط صحراوي حامل للجنسية المغربية.
إضافة إلى ذلك، فقد رفع البطل الرياضي السابق “زكرياء الميموني” دعوى لدى القضاء الفرنسي ضد مدير الاستخبارات المغربية “عبداللطيف حموشي” وذلك في فبراير 2014م، وكان “الميموني” قد تعرض للإيقاف عام 2010م بالمغرب وحكم عليه بالسجن لمدة 30 شهراً بتهمة الضلوع في عملية تحيل، وهو ما اعتبرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” حكماً غير عادل، خاصة وأن “ميموني” يؤكد دائماً أن اعترافاته انتزعت منه تحت التعذيب.
وقد سارعت الرباط برفض هذه الاتهامات في الحال واستدعت السفير الفرنسي بالمغرب.
أما منظمة “Acat”، فقد وجهت نقدها اللاذع لوعود وزارة الخارجية الفرنسية أمام الغضب الذي أبدته الرباط، داعية إلى احترام مبادئ الديمقراطية القاضية بعدم تأثير العلاقات الدبلوماسية على حسن سير السلطة القضائية.
*العشيقة التي تعاشر كل ليلة:
وفي الأثناء، طفت على السطح قضية أخرى لتزيد الطين بلة؛ فقد نددت السلطات المغربية بشدة بالتصريحات الواردة في فلم وثائقي من إنتاج الممثل الإسباني “خافير باردم” والمنسوبة إلى سفير فرنسي آخر حول قضية الصحراء الغربية التي تعتبر نقطة سوداء بالنسبة للمغرب.
المغرب هي بمثابة “العشيقة التي نعاشرها كل ليلة ليس بداعي الحب الخالص، ولكن لأن حمايتها والدفاع عنها واجب”.. هكذا صرح “جيرار أرود” الذي قدمته جريدة “لو موند” على أنه سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، ومما لا يخفى على أحد أن باريس حليف قوي وتقليدي للرباط في قضية الصحراء الغربية المستعمرة الفرنسية سابقاً، والتي تخضع حالياً للسلطة المغربية رغم مطالبة الانفصاليين فيها بالاستقلال.
وكان التفتيش الدقيق الذي تعرض له رئيس الهيئة الدبلوماسية المغربية بمطار “صلاح الدين مزوار” بمطار “رواسي” بباريس في مارس 2014م بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس وأدت إلى القطيعة، وقد أكدت مصادر إعلامية مغربية أن “مزوار” قد تعرض لتفتيش دقيق رغم استظهاره بجواز سفر دبلوماسي، وقد وصلت “الإهانة” حسب جريدة “الصباح” المغربية إلى إجبار رئيس الهيئة الدبلوماسية على نزع كل من “سترته وحذائه وجواربه وحزامه”.
* الاستئناف الفوري للتعاون القضائي:
التقى وزير العدل المغربي مصطفى الرميد بنظيرته الفرنسية في باريس يومي 29 و30 يناير بباريس لتباحث العراقيل التي أدت لتجميد التعاون القضائي بين فرنسا والمغرب, حسب بيان الوزارة الفرنسية، وقد تمكن الوزيران من “إيجاد صيغة تعديلية لاتفاقية التعاون القضائي الفرنسي المغربي من شأنها تثمين التعاون بين السلطات القضائية للبلدين بأكثر فاعلية وبصفة دائمة وتعزيز تبادل المعلومات, وذلك في إطار احترام تشريعاتهم الخاصة, مؤسساتهم القضائية والتزاماتهم الدولية”.
وأضاف البيان أن “توقيع هذه الاتفاقية يأتي بمثابة التتويج للمفاوضات الدائرة بين البلدين منذ أشهر”، “وقد تبادل الوزيران التهاني وقررا الاستئناف الفوري للتعاون القضائي والقانوني بين البلدين إضافة إلى استئناف عمل قضاة الاتصال”.