قبل 98 عاماً كان الفلسطينيون على موعدٍ يصفونه بـ”الأكثر شؤماً” في تاريخهم، تجسَّد في “وعد بلفور”، الذي منحت بموجبه الحكومة البريطانية آنذاك حقاً لليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين.
و”وعد بلفور” هو الاسم الشائع المطلق على الرسالة التي أرسلها وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور بتاريخ 2 نوفمبر 1917م، إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية اللورد ليونيل والتر روتشيلد، تعهد من خلالها بإنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين.
واشتهرت الرسالة باسم “وعد بلفور”، فيما أطلق عليها الفلسطينيون “وعد من لا يملك (في إشارة لبريطانيا) لمن لا يستحق (اليهود)”.
وجاء في نص الرسالة: “عزيزي اللورد روتشيلد، إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”.
وأضاف: “على أن يكون مفهوماً بشكل واضح أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم اتحاد الهيئات الصهيونية علماً بهذا التصريح.
وهذا الوعد جاء بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين والمنظمة الصهيونية العالمية من جهة أخرى، واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
وفور إعلان هذا الوعد سارعت دول أوروبا وعلى رأسها أمريكا وفرنسا وإيطاليا بإعلان التأييد له.
واحتلت فلسطين بشكل كامل من قبل الجيش البريطاني في عام 1917م، وتم انتداب بريطانيا عليها من قبل “عصبة الأمم”، (منظمة دولية سبقت الأمم المتحدة)، وتم إدارة الانتداب في فلسطين بواسطة المندوب السامي البريطاني الذي مارس بالكامل جميع السلطات الإدارية والتشريعية فيها.
وفي عام 1948م خرجت بريطانيا من فلسطين، واستولت “منظمات صهيونية مسلحة” على أراضٍ فلسطينية أقاموا عليها دولة “إسرائيل”، فيما عرف فلسطينياً بـ”النكبة”.
ووقعت ثلاثة أرباع فلسطين تحت السيطرة “الإسرائيلية”، في حين حكم الأردن الضفة الغربية، ووقع قطاع غزة تحت السلطة المصرية.
وفي الخامس من يونيو 1967م، احتلت “إسرائيل” الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة مع شبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان السورية.
وبعد توقيع اتفاقية “أوسلو” بين “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993م، خضعت بعض المناطق في الأراضي الفلسطينية لسيطرة السلطة الفلسطينية.
ويرى وليد المدلل، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية بغزة، أن ما يعيشه الفلسطينيون اليوم، وما واجههم طيلة العقود الماضية هو نتيجة لوعد “بلفور”.
ويضيف المدلل لوكالة “الأناضول”: اليوم ما يجري من مخططات لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً، ومكانياً، وتهويد لمدينة القدس، نتيجة لهذا الوعد المشؤوم، الفلسطينيون يومياً يتعرضون لجرائم يومية، وانتهاكات ترقى لجرائم حرب.
وأكد المدلل أن ما يجري على الأرض في الوقت الراهن هو تطبيق للوعد البريطاني، مستدركاً بالقول: اليوم المخططات والوعود تجري على قدم وساق، للقضاء على ما تبقى من حقوق فلسطينية.
ويقتحم مستوطنون يهود، تحت حراسة الشرطة “الإسرائيلية”، المسجد الأقصى، بصورة شبه يومية، خلال الفترة الصباحية التي تسبق موعد صلاة الظهر، في محاولة لبسط السيطرة الكاملة عليه، وفرض مخطط التقسيم الزماني والمكاني للأقصى، بحسب ما يقول مسؤولون فلسطينيون.
وتشهد الأراضي الفلسطينية وبلدات عربية في “إسرائيل”، منذ الأول من أكتوبر الجاري، مواجهات بين شبان فلسطينيين وقوات “إسرائيلية”، اندلعت بسبب إصرار مستوطنين يهود متشددين على مواصلة اقتحام ساحات المسجد الأقصى، تحت حراسة قوات الجيش والشرطة “الإسرائيلية”.
ويُحيي الفلسطينيون الذكرى السنوية لـ “وعد بلفور” بمسيرات غاضبة، ودعوات تطالب بريطانيا بتقديم الاعتذار عن تداعيات وآثار الوعـد، ومنحهم دولة فلسطينية.
وكانت واشنطن قد استخدمت يوم 31 ديسمبر الماضي، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار عربي ينص على إنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية بنهاية عام 2017م.