أصبح الأطفال السوريون يتلقون علاجاً نفسياً من قبل أطباء مختصين؛ وذلك جراء الحرب التي خلّفت أضراراً نفسية كبيرة عليهم، حيث يمكن سماع الشكاوى التي يقوم بها عشرات الآلاف من السوريين الذين تجمعوا أمام معبر باب الهوى، الذي يحدّ كلاً من سورية وتركيا، كما يمكن سماع صوت القنابل ودويّ الانفجارات التي دفعت بالمدنيين للفرار من مدينة حلب والقرى المحيطة بها.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن الجيل الجديد من الأطفال السوريين يعدّ “جيلاً ضائعاً”؛ نظراً للمعاناة التي يعيشونها بسبب الحرب المستمرة منذ حوالي خمس سنوات، حتى أصبحت هذه الحرب محور حياة الأطفال السوريين اللذين لم ينعموا إلى الآن بالاستقرار، ففي بلدة صغيرة تدعى الريحانية، أخذ خالد الجدوح على عاتقه الاهتمام بالأطفال السوريين رفقة سبعة أطباء نفسانيين.
ويقدر عدد الأطفال الذين وصلوا مدينة الريحانية، على مدى سنتين، حوالي 500 طفل، تختلف مدّة بقائهم في هذه المدينة، فمنهم من يظل بضعة أسابيع، ومنهم من يظل ثلاثة أشهر أو حتى سنة، إلا أن الشيء الوحيد الذي يظل ثابتاً يتمثل في أن هؤلاء الأطفال تعرضوا إلى صدمة نفسية كبيرة بسبب ما عايشوه من ويلات الحرب.
وعلى الرغم من أنهم يعدّون محظوظين نسبياً؛ لأنهم انتقلوا إلى الجزء الآمن من الحدود، وأصبحوا نوعاً ما يعيشون في أمان، فإن آثار الحرب لم تتركهم وشأنهم وظلت تلاحقهم وذويهم.
ويلخص خالد الجدوح الوضع قائلاً: معظمهم لا يذهبون إلى المدرسة على الإطلاق، كما فقد عدد كبير منهم أسرهم، بالإضافة إلى أنهم عايشوا مشاهد القنابل، الدم، الموت والنفي، كما تضاعفت العيوب الخلقية التي لحقت المواليد الجدد بسبب مخلفات الحرب، هذا بالإضافة إلى الظروف المعيشية، والقلق والإصابات، وكلها ساهمت في خلق نوع من اللامبالاة وانعدام الثقة لدى الأطفال، والمشهد الأشدّ إيلاماً من ذلك هو أن الأطفال ليسوا وحدهم من تأثروا بهذه الحرب، بل انعكست تداعياتها أيضاً حتى على كبار السن.
ويهتم خالد الجدوح أيضاً بالمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاماً، فقد كانت للحرب السورية تداعيات كارثية على هذه الفئة العمرية، حيث إن هؤلاء الشباب ليس لديهم حماية اجتماعية، وأصبحوا يعتقدون أن المجتمع كله بات خالياً من القيم؛ ما جعلهم يفقدون الثقة فيمن حولهم، وهم يعتقدون أن كل ما يدور حولهم هو نتاج غياب الدعم والرعاية.
وتجدر الإشارة إلى أنه تم فتح دور للأيتام في مدينة الريحانية وهي تستضيف حالياً حوالي 110 أطفال من أولئك الذين تمكنوا من عبور الحدود السورية التركية بعد فقدان أسرهم، إلا أن مثل هذه المشاريع ظلت تفتقر إلى وجود هياكل الدعم، هذا النقص الذي لم يمنع خالد الجدوح وزملاءه من مواصلة مساعدة اللاجئين الذين اختاروا البقاء في المدينة، وعدم مواصلة الرحلة إلى أوروبا.
ويرأس مركز الريحانية حالياً اتحاد منظمات الإغاثة والصحة، وهي جمعية تشكلت من قبل أطباء من أصل سوري مقيمين بالخارج، توجهوا إلى المناطق الخارجة عن سيطرة نظام بشار الأسد، وقاموا بتوزيع الأدوية وبنوا العيادات والمستشفيات المتنقلة، حيث شيّد أغلبها تحت الأرض أو في الجبال، وذلك هرباً من القنابل التي تستهدف المدنيين مباشرة.
ويشير الطبيب النفسي الذي يعمل في بريطانيا، رضوان الخياط، والذي يدير الآن برامج الإغاثة، إلى أن اتحاد منظمات الإغاثة والصحة المعترف به من قبل منظمة الأمم المتحدة يوظف الآن حوالي 800 شخص يساعدون المرضى والجرحى في كل من سورية والبلدان المجاورة.
ويعتمد الأطباء في المناطق السورية المحررة على عدة طرق خلال المعالجة النفسية الموجهة للأطفال؛ مثل الرسم والقراءة وتبادل الأدوار؛ وذلك بهدف معالجة العبء النفسي والصدمات التي يشعر بها هؤلاء الأطفال، ويعتبر خالد الحدوج أن الأطفال بحاجة إلى المساعدة، وهو مستعدّ لقضاء ساعات عدّة بجانبهم حتى يساهم في خروجهم من هذه الأزمة.
وسبق لخالد الحدوج أن اعتقل عندما كان يعمل كمسؤول في وزارة التربية والتعليم في دمشق من قبل المخابرات السورية، حيث قضى حوالي الشهر في السجون السورية تعرّض خلاله لأشدّ أنواع التعذيب، وهذا ما دفعه إلى الهروب من دمشق والتخلي عن دوره كمسعف مساعد في محافظة إدلب.
وأفاد الحدوج بأن رسومات الأطفال التي يتم جمعها من أجل العلاج النفسي عادة ما تحتوي على صور لسيارات الإسعاف والقنابل، وهو ما يعكس الواقع المرير، بالإضافة إلى الحالة النفسية السيئة التي يعيشها الأطفال السوريون.
واعتبرت الطبيبة النفسية، ميرفت أحمد، التي تقوم بمعالجة اللاجئات السوريات في مدينة الريحانية، أن حوالي 90% من السوريات تعرضن إما للاعتداءات الجنسية أو للعنف خلال الحرب، ممّا خلّف لهن أمراضاً نفسية عديدة، وأصبح من الضروري إيجاد طرق ووسائل من شأنها أن تعيد اعتبارهن وتسمح لهن بإثبات ذواتهن.
وأشارت ميرفت إلى أنها هي الأخرى عاشت ويلات الحرب، وشاهدت مناظر الدمار والقصف، وعندما فرّت من سورية إلى تركيا قررت استثمار تجربتها من أجل مساعدة الآخرين.
المصدر:
http://www.letemps.ch/2016/02/12/secours-generation-sacrifiee