سيسيل بوتيلي
طورت مدينة هامبروج، أو عاصمة الشمال الألماني التي تعتبر ثاني أكبر مدينة ألمانية، منظومة صديقة للبيئة تهدف إلى الحد من استهلاك المواد البلاستيكية في الحياة اليومية للأشخاص، وفي المعاملات التجارية والاقتصادية، من خلال صياغة دليل مفصل حول السلوكيات البيئية المستديمة، وخلق إطار قانوني يحظر على المؤسسات الاقتصادية والأشخاص استعمال المواد البلاستيكية في معاملاتهما، وتهدف هذه المنظومة إلى ترسيخ الثقافة البيئية في المجتمع الألماني على المدى المتوسط والبعيد.
وتسعى مدينة هامبورج من خلال ابتكار منظومة بيئية متطورة، إلى أن تكون نموذجاً للمدينة المثالية في ألمانيا التي تجمع بين البيئة المستديمة والتنمية الاقتصادية، وهو ما سيسمح لها بفرض معايير بيئية للمعاملات في كل المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك المقاهي التي لم تعد تقدم المشروبات لحرفائها في كؤوس بلاستيكية أو المحلات التجارية التي وظفت آليات بديلة لتعبئة المشروبات الغازية والماء المعدني بعد أن أصدرت السلطات الألمانية في مدينة هامبورج في شهر يناير المنقضي “دليل المنتجات البيئية”.
يتكون “دليل المنتجات البيئية” من 150 صفحة تتضمن شرحاً تفصيلياً للمعايير البيئية التي تتبعها مدينة هامبورج، وتكتسي أغلب هذه المعايير والقواعد طابعاً إلزامياً بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية، وتتمثل في توصيات تتعلق بوسائل النقل والمواصلات، الأجهزة والمنتجات الإلكترونية، ونظام الإضاءة الداخلية والخارجية.
أما بالنسبة للنقل والمواصلات فتعتمد مدينة هامبورج على نظام صديق للبيئة يهدف إلى تشجيع الأشخاص على استعمال وسائل النقل العمومية في تنقلاتهم، وتضع على ذمتهم أسطولاً من الدراجات الهوائية في نقاط مختلفة من شوارع المدينة.
كما تعتمد مدينة هامبورج على منظومة متطورة تهدف إلى ترسيخ الثقافة البيئية من خلال تشجيع الأشخاص على شراء المنتجات الصديقة للبيئة، وتجنب المواد والمنتجات التي يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الوسط البيئي بأي شكل من الأشكال طيلة كل مراحل الدورة الإنتاجية للمواد الاستهلاكية.
ويحدد دليل المنتجات البيئية المعايير المثالية لتقييم مدى تأثير المنتجات الاستهلاكية على البيئة في مدينة هامبورج، ويتضمن “لائحة سوداء” بالمنتجات التي يجب تجنبها بسبب تأثيرها السلبي على الوسط البيئي على المدى المتوسط والبعيد، ومن بينها القوارير والكؤوس البلاستيكية، ومعطرات الجو التي لديها انعكاسات سلبية على البيئة في المدينة.
ويحظى هذا الخيار البيئي المستديم، الذي جعل مدينة هامبورج عاصمة بيئية للعالم، بدعم السلطات الرسمية في ألمانيا التي رسمت خططاً طموحة في هذا المجال، وهو ما يراهن عليه سكان المدينة بعد أن تحصلت هامبورج على لقب عاصمة أوروبا الخضراء عام 2011م.
ولئن ساهمت هذه المنظومة المستديمة لمدينة هامبورج في التأكيد على ضرورة مراجعة الخيارات الإستراتيجية في عديد المدن الأوروبية الأخرى، إلا أن هناك صعوبات حقيقية تعترض حلم مدينة هامبورج بسبب التكلفة الإضافية للمشاريع البيئية، التي أثرت على النشاط الاقتصادي للمدينة، وهو ما يسعى المسؤولون للحد من انعكاساته، حيث أكد المتحدث الرسمي باسم المدينة، جان دوبي، أن المدينة تبحث عن الطرق البديلة لخفض تكلفة المنتجات البيئية.
من جهة أخرى، ليست كل المنتجات البيئية أكثر تكلفة من المنتجات العادية، فقوارير المياه المعدنية تساهم في تلويث البيئة، وتلاقي السلطات الألمانية صعوبة كبيرة في التصرف فيها وإعادة تدويرها، لذلك فإن أحد الحلول التي اعتمدتها مدينة هامبورج يتمثل في مد المؤسسات والإدارات بشبكة من المياه المعدنية للحد من استهلاك القوارير البلاستيكية.
وقد ساهمت هذه الخيارات المستديمة في الارتقاء بمستوى العيش في مدينة هامبورج، إلا أن المسؤولين في المدينة يسعون لاتخاذ إجراءات إضافية تهدف إلى جعل هامبورج نموذجاً للمدينة الأوروبية التي نجحت في تحقيق معادلة صعبة بين التنمية الاقتصادية والثقافة البيئية.
حيث تراهن مدينة هامبورج من خلال تطبيقها لإستراتيجية بيئية إلى نفي التناقض بين الخيارات البيئية والتنمية الاقتصادية، وهو ما نجحت في تحقيقه المدينة بعد سنوات من المداومة على نفس الخيار الإستراتيجي الذي جعل منها المدينة الأكثر ثروة في ألمانيا، محققة عائدات جملية بقيمة 103 مليار يورو سنوياً.
ويعكس نجاح المنظومة البيئية في هامبورج ترسخ الثقافة البيئية لدى مواطني ثاني أكبر مدينة ألمانية، وهو ما انعكس بدوره على خياراتهم السياسية، حيث يحظى حزب الخضر بشعبية كبيرة ساهمت في نجاحه في الانتخابات الألمانية خلال السنوات الثماني الماضية.
وفي الختام، إن الثقافة البيئية في مدينة هامبورج لا تقتصر على الخيارات السياسية والاقتصادية للمسؤولين السياسيين، بل تندرج ضمن رؤية شاملة تهدف لجعل ألمانيا نموذجاً عالمياً في مجال التنمية المستديمة.
المصدر:
http://www.lemonde.fr/planete/article/2016/02/15/a-hambourg-l-administration-bannit-les-capsules-de-cafe-et-l-eau-en-bouteille_4865494_3244.html