تتواصل المشاورات في دولة الكويت بين الأطراف السياسية اليمنية وسط تباين واضح حول جدول الأعمال وأولوية تنفيذ النقاط الخمس التي وضعتها الأمم المتحدة، في الوقت الذي يشكك فيه مراقبون بمدى نجاح تطبيق أي اتفاق قد يسفر عن هذه المحادثات نظراً إلى تاريخ الحوارات التي جرت خلال السنوات القليلة الماضية بين السلطات اليمنية الشرعية ونظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وعصفت التباينات العميقة في الأيام الأولى لمشاورات الكويت، وما اتفق عليه المشاركون، حتى الآن، لا يعدو عن كونه إجراءات شكلية لجدولة أعمال هذه الجلسات. فيما تعثرت المحاولات الأولى للخوض في أي اتفاق لتنفيذ القرار 2216، بعدما تناولت وسائل إعلام عدة أنّ مفاوضي صالح وحلفائه الحوثيين أبديا تعنّتاً في فقرة تسليم الأسلحة الثقيلة والمعسكرات للدولة. وقفز الطرف الانقلابي نحو مناقشة تشكيل حكومة وحدة وطنية قبل أي شيء آخر، وهو ما يرفضه الطرف المحسوب على شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي.
ومع هذا السير البطيء لجلسات المشاورات، لا يبدي مراقبون، بحسب “العربي الجديد، أي تفاؤل في إمكانية الخروج بنتيجة، خصوصاً أن الحوارات اليمنية السابقة لم تحقق تقدماً مرجوّاً سواء تعلق الأمر بالاتفاقات التي تم توقيعها مع نظام المخلوع صالح أو مع حلفائه الحوثيين.
وكان تنفيذ مخرجات الحوار الوطني أحد الأسباب التي أدت إلى الانقلاب على شرعية الرئيس هادي من قبل صالح وحلفائه على الرغم من أنّ مكوّناتهم السياسية وقّعت عليها. ففي 21 سبتمبر/أيلول 2014، وقّعت الحكومة اليمنية والحوثيون “اتفاقية السلم والشراكة”، وعلى الرغم من أن توقيع هذه الوثيقة تم في أجواء غير صحيّة بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، انقلب الحوثيون على هذه الوثيقة التي صاغوها هم أنفسهم بمساعدة المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، جمال بنعمر. وبعد أيام قليلة من توقيع الوثيقة، حاول الحوثيون وصالح إجبار الرئيس هادي على توقيع مرسوم يخوّل الحوثيين امتلاك الجهات المالية والرقابية في أجهزة الدولة، إلى جانب احتكار منصب نواب الوزراء لصالح جماعتهم، وهو ما رفضه الرئيس هادي، وقدّم استقالته على إثر ذلك.
حوارات بلا نتيجة
كان تنفيذ مخرجات الحوار الوطني كفيلاً بإنهاء الوضع السياسي المختل، إذ يجمع محللون سياسيون على أن المضي في اتفاقات من دون وجود ضمانات حقيقية سيكرس الوضع ذاته، وقد يؤجل المعركة فقط، خصوصاً إذا تم النظر إلى تاريخ “الانقلابات” إلى جلسات الحوار الوطني خلال الأعوام القليلة الماضية. ففي يونيو عام 2006، أي قبل الانتخابات الرئاسية بأسابيع قليلة، وقّع 21 حزباً يمنياً في مقدمتهم حزب المخلوع صالح، وتكتل اللقاء المشترك المعارض على “اتفاق المبادئ”. وتضمن 12 بنداً لمعالجة الاختلال الحاصل في اللجنة العليا للانتخابات، فيما خُصّصت 8 بنود من الاتفاق لمعالجة قضايا السجل الانتخابي المشوّه، إضافة إلى حياد الإعلام الرسمي، والوظيفة العامة، والمال العام، والجيش، والأمن، ولجان الرقابة، ودور المرأة في العملية الديمقراطية. وتضمن الشق الثاني حزمة من الإصلاحات الجوهرية، وتعديلات قانونية اتُفّق على معالجتها بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية.
في سبتمبر 2006، أُجريت الانتخابات الرئاسية، وأعلنت لجنة الانتخابات فوز صالح ضد مرشح المعارضة، فيصل بن شملان. وذكر تقرير بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات أن “هناك ترهيباً للناخبين وانتهاكاً لسرية الناخبين، وممارسة مواطنين للانتخابات من دون بلوغ السن القانونية في بعض مراكز الاقتراع”. ووفقاً لمراقبين، لم يغيّر “اتفاق المبادئ” بين السلطة حينها (حزب المؤتمر الشعبي العام) والمعارضة (أحزاب اللقاء المشترك)، شيئاً في إجراءات انتخابات سبتمبر 2006، إن لم يكن قد اتُخذ شماعة لتكريس سلطة صالح، ولتمرير الانتخابات، والتي كانت المعارضة تهدد بمقاطعتها. (اللقاء المشترك هو تكتل لأحزاب المعارضة الرئيسية في اليمن، تم تأسيسه في فبراير 2003، من أحزاب الإصلاح والاشتراكي والناصري وغيرها، وله حالياً ممثلون في حكومة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي).
وعلى الرغم من أن مرشح المعارضة رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات، بدأت سلسلة مشاورات بين الجانبَين، وتوصلا في 19 مارس 2007 إلى تشكيل لجنة ضمّت مسؤولين في السلطة، والأحزاب السياسية المعارضة لجدولة أعمال جلسات الحوار بينهما وترتيب أولويات القضايا التي سيناقشها الحوار في ذلك الوقت. وبعد جولة واسعة من الاتصالات واللقاءات التشاورية، وقّعت الأحزاب المشاركة بالبرلمان، في 16 يونيو من العام ذاته، اتفاقية سُمّيت بوثيقة “قضايا وضمانات الحوار”.
أفضى هذا الأمر إلى سلسلة أخرى من اللقاءات والجلسات في عدن، ومن ثم توقيع ما سُمّي بـ”محضر مشاورات فبراير 2007″. ونص هذا الأخير على استيعاب ما لم تتضمنه وثيقة “قضايا وضمانات الحوار” بما يتعلق بشكل النظام السياسي لليمن. وحدّدت الأحزاب السياسية 15 يوماً فترة زمنية للجان القانونية التي شاركت في الحوار لإنجاز وصياغة تعديلات قانون الانتخابات، والقضايا الاقتصادية، وتصفية آثار الصراعات السياسية السابقة، بينها آثار حرب صيف 1994، وقضية مدينة صعدة (شمال غرب صنعاء)، وتقديمها لاجتماع لجنة الحوار كأولويات لمناقشتها، وفقاً للجدول الزمني المحدد لكل قضية.
عقبة البرلمان
شهدت المباحثات اليمنية، في العام 2008، جولات حوارية متقطعة توصّل خلالها الفريقان إلى طرح مشروعَي الإصلاحات الانتخابية والتعديلات الدستورية، اللذين تعرضا بدورهما لعمليات شدّ وجذب قبيل إطاحتهما تحت قبة البرلمان من قبل الحزب الحاكم، في العام ذاته، وذلك عندما طُرح لإجراء التعديلات والتصويت عليه. وقاطعت أحزاب المشترك، آنذاك، جلسات البرلمان حتى أصدر البرلمان قراراً بتعليق نقاشات مشروع تعديل قانون الانتخابات حتى يتم التوافق عليه. وأعلنت الكتل البرلمانية لأحزاب “المشترك” المعارضة، في يوليو من العام نفسه، تعليق مقاطعتها جلسات البرلمان.
عام التمديد للبرلمان
بعد مشاورات أخرى طويلة، وقّع ممثلو الأحزاب بالبرلمان، في 23 فبراير 2009، على اتفاقية نصت على: “التمديد لمجلس النواب المنتهية فترته في 27 أبريل 2009، لمدة سنتين إضافيتين، وتأجيل الانتخابات النيابية إلى 27 أبريل 2011″، إضافة إلى “تعديل المادة (65) من الدستور اليمني المتعلقة بمدة مجلس النواب، بما يسمح بتمديد فترته لمدة عامين”، على أن يتم خلالها، “إتاحة فرصة أمام الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني لمناقشة التعديلات الدستورية المتعلقة بتطوير النظام السياسي والنظم الانتخابية بما في ذلك القائمة النسبة”. ويُضاف إلى ذلك، “إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وفقاً للاتفاق بين الطرفين”.
تعثر التوافق
وعلى الرغم من ذلك، تعثر التوافق بين السلطة والمعارضة على الإصلاحات السياسية والدستورية والنظم الانتخابية التي يسعون إليها منذ اتفاق المبادئ 2006، واختلاف الطرفان على مضمون مشروع التعديلات. وتفاقمت حدة التوتر بين السلطة والمعارضة على أكثر من صعيد، وإلى درجة غير مسبوقة، واتهمت المعارضة حزب صالح (الحاكم آنذاك)، بالتنصل من التزاماته وحرف مواضيع الحوار عن قضاياه المحددة بوثيقة 23 فبراير 2009.
ومع وصول هذه المشاورات في حكم صالح إلى طريق مسدود، شكّلت قوى المعارضة “لجنة تحضيرية” لحوار، قالت إنها ستجريه مع كل القوى والمكوّنات الوطنية. وأثارت القضايا المطروحة على جدول أعمال هذا المؤتمر فريق صالح، وذلك لقربها من تناول الإصلاحات في هرم السلطة.
تهديد بإجراءات منفردة
جاء العام 2010 والأمور على حالها. غير أن حزب المخلوع صالح هدّد بالمضي في الإصلاحات الدستورية لوحده وإجراء الانتخابات في موعدها المحدد (ربيع العام 2011). إلّا أنهما (صالح والمعارضة) توصلا، صباح السبت 17 يوليو 2010، إلى التوقيع على محضر مشترك على تشكيل لجنة مشتركة، لإطلاق آليات الحوار الوطني الشامل تنفيذاً لاتفاق فبراير2009.
بعدها بأيام، دعا صالح أحزاب المعارضة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإجراء الانتخابات البرلمانية في أبريل 2011، لكن أحزاب المعارضة رفضت ذلك واشترطت لتشكيل حكومة وحدة وطنية إقرار التعديلات الدستورية أولاً، على أن تكون مهمتها الإشراف على الانتخابات البرلمانية المقرر انطلاقها عام 2011.
عام 2011، كانت الأمور قد وصلت إلى ذروتها بخروج الناس إلى الشوارع، والمطالبة بـ”إسقاط النظام”. وبعد تسليم صالح للسلطة بناءً على المبادرة الخليجية في نوفمبر من العام ذاته، تم انتخاب نائبه الرئيس عبدربه منصور هادي. هذا الأمر أدخل اليمنيين في حوار جديد وشامل تحت مسمى (مؤتمر الحوار الوطني)، شاركت فيه كل الأحزاب الفاعلة في الساحة اليمنية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، لكن لم يُكتب لتنفيذ مخرجات الحوار النجاح، بعد رفض تكتلَي صالح والحوثيين للدولة الاتحادية والتعديلات الدستورية، مما حداهما إلى السيطرة على السلطة بشكل كامل في 22 يناير عام 2015.