خصص الكاتب المصري فهمي هويدي مقاله اليومي بجريدة “الشروق” المصرية، اليوم الإثنين، عن تطور العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والنظام المصري، وما آلت إليه المناقشات الأخيرة في القاهرة؛ حيث يقول:
إذا صحت الإشارات والقرائن التي تلوح في الفضاء السياسي المصري، فإنها تعطي انطباعاً خلاصته أن ثمة اتجاهاً لتطبيع العلاقات مع غزة، أدري أنه من غير اللائق أن يطلق على ما يجري وصف سيئ السمعة مثل «التطبيع»، لكن التدهور بعيد المدى الذي وصلت إليه العلاقات مع القطاع، جعلنا نتمنى أن يرأب الصدع بأي وسيلة، حتى إذا وصفت بأنها تطبيع، مع ذلك فإنني أزعم بأن الكلمة لا تخلو من مبالغة؛ لأن ما يجري هو أقرب إلى هدنة تمهد للمصالحة التي يفترض أن توصل إلى عودة الثقة التي تفتح الأبواب للتطبيع المنشود.
معلوماتي أن العلاقات مع قطاع غزة خضعت لمراجعة شاملة في الجانب المصري، تخللتها مناقشات مطولة تواصلت خلال الشهرين الماضيين مع ممثلي حركة “حماس” في القطاع، كان أحدثها في نهاية الأسبوع الماضي، ومثل “حماس” فيها د. موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، وكان يفترض أن يأتي معه إسماعيل هنية، رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس المكتب، إلا أن السلطات المصرية نصحته بتأجيل الزيارة لاعتبارات أمنية، ذلك أن تهديدات استهدفته أطلقتها العناصر المتشددة التي تنسب نفسها إلى السلفية الجهادية في غزة، التي تخوض ضدها سلطات القطاع صراعاً أدى إلى اعتقال بعض عناصرها وهروب البعض الآخر إلى سيناء؛ الأمر الذي اقتضى تأمين عودته إلى غزة عبر معبر رفح.
المراجعات التي أجراها الجانبان المصري والحمساوي تطرقت إلى خبرات الماضي ومسؤوليات الحاضر والمستقبل المنظور، وكان ما تعلق بتبديد غيوم الماضي وتوضيح التباساته ضرورياً لتوفير جو الثقة المفترض للتفاهم حول الأمور العالقة، وذلك ما كان له أن يتحقق إلا في ظل تفهم الماضي، خصوصاً ما تعلق منه بشيطنة “حماس” والزج بها في العديد من القضايا المتعلقة بالأمن المصري.
تقييم د. موسى أبو مرزوق (أبو عمر) أن التفاهمات مستمرة في جو إيجابي مشجع، أسفر حتى الآن عن عدد من النتائج في مقدمتها ما يلي:
تيسير حركة المرور من خلال معبر رفح في الاتجاهين، وهو ما بدأ وأحدث انفراجاً مشهوداً طوال الأسابيع الأخيرة.
تشجيع حركة التبادل التجاري بين مصر والقطاع التي كانت تقدر بنحو ٣ مليارات دولار سنوياً، وقد أدى إغلاق المعبر إلى تنشيط التبادل التجاري بين القطاع و”إسرائيل”، التي استأثرت بالمبلغ الذي كان يمثل حصة مصر.
وقف الحملات الإعلامية التي شوهت العلاقة بين الطرفين، وأساءت كثيراً إلى الشعبين المصري والفلسطيني.
قيام السلطات المعنية في القطاع بواجبها في ضبط الحدود والحيلولة دون إساءة استخدام الأنفاق بما يضر بالأمن المصري أو يخل بالأمن في القطاع.
احتفاظ القاهرة بمسافة واحدة إزاء مختلف الفصائل الفلسطينية، والنأي بنفسها عن صراعاتها الداخلية، خصوصاً أن بعض الأطراف حرصت في الآونة الأخيرة على أن تعطي انطباعاً باصطفاف مصر إلى جانبها في مواجهة الأطراف الأخرى.
لا أستطيع القول: إن صفحة الخلافات قد طويت تماماً؛ لأن ثمة ملفات لا تزال عالقة وخاضعة للبحث، لكن أهم ما تم حتى الآن يمكن أن يوصف بأنه «فض اشتباك» أو هدنة كما ذكرت، الأمر الذي أسهم في إزالة أغلب الغيوم التي اعترضت سبيل العلاقات، وهو ما أقنع الطرفين بأن لهما مصالح مباشرة في تجاوز الماضي، والتفاعل الإيجابي الذي يحتاج إليه كل طرف، أما السؤال عما إذا كان هذا التحول مرحلياً أم كلياً وجذرياً (تكتيكياً أم إستراتيجياً)؟ فهذا ما تجيب عنه الأيام المقبلة؛ الأمر الذي أرجو أن يضم إلى بشارات العام الجديد.