– سياسيون وعسكريون: وضع روسيا الدستور السوري بمثابة إعلان عن الاحتلال الرسمي لسورية
– البرلمان يمنح صلاحية الدعوة للاستفتاء في قضايا المصالح العليا للبلاد وتغيير حدود الدولة
– الغزاوي: من أهم نتائج المؤتمر السلبية تقديم الروس نسخة عن الدستور الجديد لسورية
– لا ينص على عربية الدولة أو مصدرية الفقه الإسلامي للتشريع أو ديانة الرئيس
– النجار: مؤتمر أستانة فشل في تحقيق أي نتائج إيجابية لصالح الشعب السوري
– أبو هاشم: الروس يحاولون استثمار الوضع الميداني سياسياً ليكون لهم بصمة في مستقبل سورية
جدل واسع حول مشروع الدستور السوري الجديد الذي قالت موسكو: إنها وزعته على الأطراف السورية في مفاوضات أستانا، الذي تقترح مسودته توسيع صلاحيات البرلمان بقدر كبير على حساب صلاحيات الرئيس؛ بحيث لا تسمح له بحله، كما تمنح البرلمان صلاحية إعلان الاستفتاء في القضايا المتعلقة بالمصالح العليا للبلاد، وتغيير حدود الدولة السورية باستفتاء عام.
تقترح مسودة الدستور أن يتولى مجلس الشعب إقرار مسائل الحرب والسلام، وتنحية رئيس الجمهورية، وتعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا، مشيرة إلى خضوع القوات المسلحة لرئيس الجمهورية الذي يتولى منصب القائد الأعلى لها.
وقدمت روسيا مسودة الدستور التي صاغتها للأطراف السورية، لكن المعارضة رفضت الدخول في أي نقاش حولها إلا بعد تطبيق شامل وكامل وجازم لاتفاق وقف إطلاق النار وضبط الخروقات.
التنوع الأيديولوجي
تتكون مسودة الدستور من 85 مادة، تتناول كل القضايا الإشكالية بين المعارضة والنظام السوري، لا سيما علاقة المناطق بالمركز (دمشق)، حيث تنص على برلمان في المركز وجمعيات في المناطق (ما يشبه برلمانات محلية).
وتنص المادة السادسة على الاعتراف بالتنوع الأيديولوجي، وأنه لا يجوز اعتبار أي أيديولوجيا عامة أو إلزامية، وأن جميع الجمعيات والأحزاب متساوية أمام القانون، كما أن هناك مواد – ومنها المادة العاشرة – تتناول دور القوات المسلحة والحاجة لأن تكون تحت رقابة المجتمع، وأنها تحمي سورية ووحدتها، ولا تستخدم كوسيلة لاضطهاد السكان، ولا تتدخل في القضايا السياسية.
وكتبت المسودة باللغتين العربية والكردية متساويتين في أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته، وتطالب بمراعاة التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سورية في التعيينات الحكومية، مع تخصيص بعض المناصب لتمثيل الأقليات، وإزالة الأوصاف التي تشير إلى عربية الدولة السورية بما فيها كلمة “العربية” من اسم الجمهورية الحالي.
احتلال رسمي
هذا وقد رفض وفد المعارضة في أستانا مناقشة المقترح الروسي، إذ أكد رئيس الوفد محمد علوش أن الأولوية في أستانا لوقف إطلاق النار، واعتبر عدد من المحللين والعسكريين السوريين أن تقديم روسيا لنسخة من الدستور السوري الجديد يعتبر بمثابة احتلال رسمي لسورية من قبل روسيا، خاصة بعد الاتفاق المشترك بين روسيا والنظام السوري على إقامة قاعدة عسكرية بحرية في سورية.
وقال العقيد الطيار الركن نضال الغزاوي، عضو هيئة الثورة السورية، ومحاضر بالأكاديمية العسكرية العليا السورية: إن من أهم النتائج السلبية لمؤتمر أستانة تقديم الروس نسخة عن الدستور الجديد لسورية الذي أعدته روسيا، نيابة عن الشعب السوري، مضيفاً أن وضع روسيا الدستور السوري بمثابة إعلان عن الاحتلال الرسمي لسورية، خاصة على خلفية الاتفاق المشترك بين روسيا والنظام السوري على إقامة قاعدة عسكرية بحرية في سورية.
ولفت الغزاوي إلى أهم بنود الدستور السوري الجديد الذي تمت صياغته في موسكو؛ وهي شطب اسم “الجمهورية العربية السورية”، واستبدال “الجمهورية السورية” به، ولم يعد الفقه الإسلامي مصدراً للتشريع بعد إلغاء الفقرة التي كانت تنص على ذلك، وعدم تحديد ديانة الرئيس بعد إلغاء المادة التي كانت تحدد ديانة الرئيس بالإسلام.
وأضاف الغزاوي أن من أهم بنود الدستور أن اللغتين العربية والكردية متساويتين في مناطق الحكم الذاتي الثقافي الكردي، ويحق لكل منطقة وفقاً للقانون أن تستخدم بالإضافة إلى اللغة الرسمية لغة أكثرية السكان إن كان موافقاً عليها، وتطبيق مبدأ “لا مركزية السلطات”، وإحلال “جمعية المناطق” بدلاً عن “الإدارات المحلية”، في شكلها الحالي بصلاحيات موسعة تقيّد مركزية السلطات السورية.
واستطرد: الوضع يتطلب توحيد جميع الفصائل العسكرية والقوى السياسية السورية وتشكيل المؤسسات اللازمة لإدارة المرحلة، والاستعانة بخبرات ومساعدة الأصدقاء للشعب السوري التركي السعودي لتحقيق وحدة الفصائل.
وطالب الغزاوي بالتحضير لإدارة العمليات العسكرية بالمستقبل، عن طريق توحيد إدارة أركان للقوى العسكرية ومؤسسات أمنية وتموينية، وإقصاء الأنانيين والعملاء من جميع الفصائل العسكرية تحت شعار “سورية أولاً”، سورية فوق جميع الأجندات والأشخاص، وتوحيد جميع القوى العسكرية بشكل الاندماج الكامل.
فشل أستانة
أما د. تيسير النجار، المحلل السياسي السوري، فيرى أن مؤتمر أستانة فشل في تحقيق أي نتائج إيجابية، لصالح الشعب السوري، لأنه كان مطلوباً منه تثبيت وقف إطلاق النار، وكسر لإرادة إيران والنظام، ووحدة صف الفصائل، إلا أن روسيا وتركيا لم يتفقا على أي بند حتى فيما يتعلق بوقف إطلاق النار.
واستنكر المعارض السوري صياغة روسيا للدستور السوري بدون موافقه الشعب عليه، معتبراً أن روسيا فرضت الوصاية على الشعب السوري في ظل ضعف النظام السوري أمام روسيا.
فيما قال السياسي السوري أحمد المسالمة: إن دستور روسيا الجديد وضعه الجلاد، لن تقبل به الضحايا، هكذا نقول كسوريين، مضيفاً أن بقاء “الأسد” لم يناقش في أي مؤتمر أو مباحثات تجري بالشأن السوري، فالمعارضة تجعل من رحيل “الأسد” بداية الانطلاق، وسورية بدون “الأسد”، وتصر باقي الدول على بقائه.
وأوضح السياسي السوري أن الدستور الروسي الجديد لسورية لم يحدد دين أو جنسية الرئيس، متسائلاً: هل من المعقول أن “بوتين” يفكر أن يكون رئيساً على السوريين؟! هكذا نقرأ دستور الجلاد.
وتابع: لن نوافق على هذا الدستور، وحتى الموفد الذي ذهب إلى أستانة كان موقفه صريحاً جداً: “غير موافق”.
فاقد الشيء لا يعطيه
في حين، قال جميل عمار المحلل السياسي السوري: إن سورية لن تقبل بمقترح الدستور الروسي، فسورية ليست دولة قاصرة أو تحت الانتداب، حتى يملى عليها دستور من دولة هي بحد ذاتها لا تحترم دستورها، فاقد الشيء لا يعطيه.
وأوضح أن روسيا ليست دولة ديمقراطية تتمتع بحكومة تحترم البرلمان حتى تصيغ دستوراً برلمانياً يحترم الديمقراطية، هذا بالإضافة إلى أن موضوع الدستور سابق لأوانه إذا كنا سنسير في تطبيق اتفاقيات جنيف، ولكن طرح الدستور له غاية، أولاً: روسيا بالهدنة أمسكت بالورقة العسكرية، وتريد أن تذهب إلى جنيف وبيدها الأخرى ورقة سياسية ألا وهي موافقة المعارضة السياسية على الدستور.
وتابع: مشروع الدستور الروسي يمهد لإعادة تدوير النظام وتبييض صفحة “بشار”، كما أنه يغازل الأقليات الانفصالية من خلال حذف كلمة العربية ويؤسس إلى إبعاد سورية عن محيطها العربي، كما أن المسودة تغازل المرأة والعلمانية ولكن تتجاهل الإسلام والمسلمين الذين يشكلون 70% من سكان سورية، مسودة الدستور لا تساوي ثمن الوقت الذي أعدت فيه.
مسألة سيادية
المستشار القانوني لوفد المعارضة المسلحة في مؤتمر أستانة، المحامي أيمن أبو هاشم، أشاد بما سماه الموقف الواضح من قبل المعارضة السورية في رفض مناقشة هذه المسودة، وتأكيد أن حضور الوفد هو فقط لبحث حيثيات وقف إطلاق النار.
واعتبر أبو هاشم في تصريحات صحفية أن وفد المعارضة المسلحة غير مخوّل له مناقشة هذه المسودة، وهو ما أبلغوه للوفد الروسي، وأن ذلك من اختصاص الهيئة العليا للمفاوضات.
المستشار القانوني لوفد المعارضة في أستانة رفض الخوض في مناقشة ملاحظات الوفد على المسودة؛ لأن ذلك يسهم في الترويج له، فمسألة الدستور هي مسألة سيادية تقوم به هيئة تأسيسية سورية منتخبة.
وعن هدف الروس من توزيع المسودة في مؤتمر أستانة، اعتبر أن هذه الخطوة كانت تهدف إلى الترويج للدستور القادم وشكل الحكم في سورية؛ حتى يكون لهم بصمات واضحة في تحديد شكل الدولة ومؤسساتها، فالروس يحاولون استثمار الوضع الميداني على المستوى السياسي.
الموقف الروسي سياسياً سجّل، بحسب أبو هاشم، خطوة اعتبرها غير كافية، فمجرد جلوس الروس مع وفد الفصائل المسلحة التي كانت تعتبرها “إرهابية”، هو خطوة سياسية يجب أن تتبعها خطوات أخرى باتجاه ضمان وقف إطلاق النار، وتأكيد توجه الروس للتحول من موقع الداعم لنظام “الأسد” إلى الضامن والراعي في الملف السوري.
وقالت مصادر لـ”الجزيرة”: إن وفد قوى الثورة السورية العسكري رفض الدستور المقترح من روسيا خلال اجتماعات جمعته بالجانبين الروسي والتركي، وانتهت أمس السبت في العاصمة التركية أنقرة.
وأضافت المصادر أن وفد المعارضة العسكري أكد في الاجتماعات طلبه من روسيا تنفيذ تعهداتها تجاه التزام النظام ومليشياته باتفاق وقف إطلاق النار، وذلك قبل الذهاب إلى مفاوضات جنيف المرتقبة أواخر الشهر الحالي.
وأوضح وفد المعارضة أنه لن يشارك في مفاوضات جنيف ما لم يتم تثبيت وقف إطلاق النار على الأرض بشكل فعلي وكامل.
وذكر مصدر تركي رفيع الجمعة أن تركيا ووفد المعارضة المسلحة رفضا إجراء النقاش بشأن الدستور خلال اجتماع عقد بمقر الخارجية في أنقرة شارك فيه الرجل الثاني بالوزارة أوميت يالتشين، وممثلون عن المعارضة المسلحة والسياسية السورية.
واعتبر المشاركون في هذا الاجتماع أن طرح موضوع النظام الإداري السوري المقبل في هذه المرحلة، وبالتالي محاولة الدخول في نقاش حول الدستور الجديد أو الحكم الذاتي أو الفدرالية، يمكن أن يفيد الذين يريدون العمل بشكل متفرد، وفق المصدر التركي.
ويتفق هذا الموقف مع ما سبق وأعلن مراراً من قبل تركيا التي تخشى تقسيم سورية إلى مناطق فدرالية، ما يمكن أن يعطي حكماً ذاتياً للأكراد السوريين على الحدود مع تركيا في شمال سورية.
وكانت روسيا وزعت على المشاركين في مفاوضات أستانا الشهر الماضي مسودة دستور لسورية، إلا أن ممثلي المعارضة أكدوا رفضهم مناقشته.