بدَأ “نَعيقُ” تنقية المناهجِ الأزهريَّة والتراثِ الإسلامي يتسرَّبُ رُوَيدًا رويدًا إلى علماء وأساتذة الجامعة!
ولكنَّ ذلك التسرُّبَ كان تحت مسمًّى آخَرَ، وهو دَعوة إلى “تجديد” الأزهر وتنظيمِه مِن جديد، وبدأ بعضُ الأساتذة في طموحه ليكون “المراغيَّ” الجديدَ، دون إدراكٍ منه للُّعبة الخبيثة التي يَلعبها صبيانُ العلمانيَّة علينا!
اللُّعبةُ الخبيثة هي هي لعبة “نابليون” حين أَوصى خليفتَه “مينو” بإرسال مَجموعة حديثة الأسنان إلى فرنسا ليتعلَّموا هناك، حتى إذا رجعوا إلى بلادهم يكوِّنون لنا حِزبًا منهم، ويتحدَّثون بلساننا “يقصد بلسان فرنسا”، ونجح الخبيثُ في مَسعاه، ووصَل إلى مراده، إلى أن كانت النتيجة السَّوداء، وهي “نَزْع الرُّوح الإسلاميَّة الخالصة مِن قلوب الأزاهرة”؛ فدخل الإنجليز مصرَ بعدها بثمانين عامًا، ولم يجدوا أزهرًا يقاومُهم، ولا أزاهرةً يجاهِدونهم، فمكثوا في مِصرَ ما مكثوا، ولم يكن للأزاهرة دورٌ إلَّا دورًا ركيكًا، وهو إصدارُ بياناتِ تَنديدٍ وشَجْبٍ، وقيادةُ مظاهرات احتجاجيَّة، ليس كما كان الحال أيام حملة نابليون، قادوا مجموعات منظَّمة وشنُّوا غاراتٍ حربيَّةً على الفَرنسيِّين في ثورة القاهرة الأولى والثانية، وقتَلوا قائدَهم في قصره.
إنَّ ما حدَث هذه الأيام مِن هَجمةٍ شرِسَةٍ مفاجئة على الأزهر ومناهجِه الأزهريَّة، كان هدفها إصابتَنا بالصَّدمة فحَسْب، حتى نَهيج ونَستميتَ في الدِّفاع عن الأزهر دونَ مَعرفة أهداف الحَمْلة البعيدة المدى، ثمَّ بعد الصَّدمة نَبدأ في المناداة بتَطوير الأزهر وتجديدِه!
ولقد تحدَّث أحدُ الأساتذة الذين يَدعون إلى التجديد ذات مرَّةٍ وقال: “هناك آراء في كتب التراث لا تصِحُّ بالمرَّة، وليس لها نِسبة صَحيحة إلى قائلها، وضرب لنا مِثالًا”، ولكن ألَا يعلم هذا الأستاذ أنَّ تنقية التُّراث مِن الموضوع والمكذوب وغيره هو مَهمَّة العلماء المحقِّقين؟! ألَا يعلم أنَّ العناية بالتحقيق ووضْعِ أسُسِه موضعَ التطوير والعناية فيها تمامُ الكِفاية للعناية بالتراث؟!
أليس مِن أعمال المحقِّقين نِسبةُ الأقوال والآراء المذكورة في الكُتب إلى صاحبها؟ أليس مِن أعمالهم التأكُّدُ من نِسبة الكِتاب كلِّه إلى صاحبه؟ أليس مِن أعمالهم التدقيق والتصويب؟
إنَّ التحقيق هو الذي يَحتاج إلى تطويرٍ وعناية وإنفاقٍ عليه، وليست المناهج، فمَن يطالِب بحذف بابِ الجهاد، ومن يطالب بحَذْف كتاب القَضاء، وآخرون يطالبون بتَعديل أحكام المواريث، ويطالبون بنَسْخ أحكام ونصوص ثابتة!
التحقيق كافٍ أشد الكفاية للعناية بالتراث، التحقيقُ الأمين الذي لا يحذف شيئًا من الكتب ولا يفوِّتُ صغيرةً ولا كبيرة إلَّا بعد مراجعتها.
والمصيبة هي تسرُّبُ ذلك الخبث إلى قلوب الأزاهرةِ مِن جديد، فيا أساتذةَ الأزهر ويا طلَّابه، احترِسوا مِن أَلاعيب الشياطين والعلمانيِّين الذين يريدون هدمَ الدِّين؛ قال الرسولُ الكريم: ((لتُنقَضنَّ عُرى الإسلام عُروةً عُروة))، فلا تستهينوا بأقلِّ القليل ممَّا يزعمون أنه لمصلحة الإسلام والأزهرِ؛ فالإسلام كاملٌ تامٌّ غير منقوص، هو الصالح لكلِّ زمانٍ ومكان، وأما إن نقص منه شيء صار ذاك الشيء فاسِدًا، ومنبرُ الإسلام الوَسَطيُّ المعتدِل هو مِنبرُ الحقِّ والعدل، ومنبرٌ لإعلاء كلام الله وشَرعِه دون تهاونٍ أو خذلان، فلا تضعوا أنفسَكم موضعَ المُتلاعبِ به، ولا تتركوا للمجرمين فرصةً أن يستخدموكم ليحُلُّوا عُرى الإسلامِ بأيديكم عُروةً عروة!.
——
* المصدر: الألوكة.