يعتز السودانيون بتكافلهم الاجتماعي، في بلد يرزح نحو نصف سكانه تحت خط الفقر، لكن مبادراتهم الشعبية تأخذ رمزية أكبر مع حلول شهر رمضان، من كل عام.
وما أن يقترب شهر الصيام حتى تعج الشوارع بملصقات لجمعيات خيرية، تحض على التبرع النقدي والعيني، لمعاونة الأسر الفقيرة.
واكتسبت هذه المبادرات أهمية أكبر بفعل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد منذ عام 2011م، عندما انفصل جنوب السودان مستأثراً بثلاث أرباع حقول النفط.
وكانت العائدات النفطية تدر 50% من الإيرادات العامة، و80% من مصادر العملات الصعبة، اللازمة لتغطية الواردات، لا سيما الغذائية.
وبهذه المعطيات فقدت العملة الوطنية قوتها الشرائية، بنسبة 600%، إذ ارتفع الدولار الأمريكي من ثلاث جنيهات إلى 18 جنيهاً في السوق السوداء، المُعتمد سعره عند الموردين، خلاف السعر الرسمي الذي يتحرك في حدود 6.7 جنيه.
وفيما بلغ التضخم، خلال الأعوام الماضية، مستويات قياسية تخطت 45%، شهدت الأشهر الماضية تعافياً في حدود 34%، وفقاً لأرقام رسمية، يشكك فيها خبراء.
ولتغطية العجز، لجأت الحكومة لخطط تقشف متتابعة، كان آخرها في نوفمبر الماضي، حيث زادت أسعار الوقود 30%.
ومقابل الإجراءات التقشفية، اكتفت الحكومة بزيادة في الرواتب بنسبة 20%، لا تغطي تكاليف المعيشة، وفقاً لدراسة أعدتها نقابة العمال، وخلصت إلى أن الحد الأدنى للأجور يعادل في المتوسط 22% من احتياجات الأسرة الواحدة.
والأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة عن مراكز للبيع المخفض، بنسبة 30%، لكنها حددت أسبوعين فقط لعملها، تنتهي في 10 يونيو الحالي.
والحال كذلك، لم تجد آلاف الأسر حيلة سوى انتظار الدعم الذي تعينها بها المبادرات الشعبية مثل منظمة “صدقات” الخيرية التي تنشط في إعانة الأسر الفقيرة بمستلزمات رمضان.
وخلافاً للعام الماضي حيث وزعت المنظمة 10 آلاف حقيبة رمضانية، تستهدف 7500 حقيبة للعام الحالي، وهو ما يرده مدير مشروع الحقيبة، طاهر زين لـ” نقص التمويل، مقابل ارتفاع الأسعار”.
وتكلف الحقيبة الواحدة، طبقا لما صرح به زين لـ”الأناضول”، 500 جنيه، أي ما يعادل 74.6 دولار أمريكي.
وشأنها شأن “صدقات” الخيرية، تنخرط منظمة “شباب النجدة”، التي ينتشر متطوعوها هذه الأيام في شوارع الخرطوم، لتحصيل التبرعات، لا سيما عند شارات المرور.
وتستهدف المنظمة توزيع 3 آلاف “حقيبة رمضانية” تحتوي على المواد الغذائية، خلال الشهر الحالي، مقابل 2800 حقيبة وزعتها العام الماضي، كما يقول عضو لجنتها العليا، صدام صباحي، حسب “الأناضول”.
وأفاد صباحي أنهم وزعوا حتى الآن ألفي حقيبة، ويسعون لتكملة ما تبقى خلال الأيام المقبلة.
وتتبنى المنظمة مشروع “الحقيبة الرمضانية” منذ عام 2011م، أي بعد عامين من تأسيسها في عام 2009م.
ووفقاً لصباحي، تنفذ المنظمة أيضاً مشروعاً آخر بعنوان “إفطار عابر طريق”، يوزعون من خلاله وجبات رمضانية، للذين تقطعت بهم السبل عند موعد الإفطار، أو المرافقين للمرضى في المستشفيات.
وينفذ هذا المشروع، خلال رمضان الحالي، في 22 شارة مرور، مقارنة بـ 18 في العام الماضي، وذلك بالتنسيق مع شرطة المرور، لمعرفة أكثر التقاطعات ازدحاماً، كما يشير صباحي.
ولا تقتصر المبادرات على مثل هذه المنظمات التي تعمل بشكل أكثر تنظيماً، بل تمتد إلى أخرى يتولاها سكان كل حي على حدة، لمعاونة جيرانهم، من محدودي الدخل.
وتقول عليا حسن، وهي ربة منزل تسكن في حي “اللاماب”، جنوبي الخرطوم: إنها تجمع سنوياً من جاراتها مساهماتهن، لتغطية احتياجات 10 أسر من منطقتها.
وبالنسبة إلى الأمين عباس، أحد الذين ينشطون أيضاً في مثل هذه المبادرات، لصالح جيرانه، فإن رمضان مناسبة لكي “يشعر الناس بقدر من التعاضد، يصومون معاً، ويفطرون معاً”.