شهدت جلسة الاستماع للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي حول ليبيا يوم 25 أبريل 2017م تقييماً جديداً لرأي الإدارة الأمريكية بخصوص الصراع في ليبيا.
حيث أدلت السفيرة «ديبورا جونز» التي عملت كسفيرة لبلادها في طرابلس بين عامي 2013 – 2015م، و«فريدريك ويري»، الخبير في الشؤون الليبية، بشهادتهما أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، وتضمنت هذه الشهادة نقاطاً غاية في الأهمية من المنتظر أن تكون سبباً في تغيير السياسة الأمريكية تجاه ليبيا.
أبرز ما جاء في شهادة «جونز» و«ويري» قناعتهما بفشل حكومة السراج في تحقيق الاستقرار، وضرورة إيجاد بديل، كذلك أكدا إخفاق حفتر في تحقيق هدفه المتمثل في السيطرة على بنغازي عسكرياً؛ حيث أشارت السفيرة «جونز» إلى أنه لا يسيطر إلا على 12% من البلاد؛ بسبب رفض قبوله من غالبية الثوار في البلاد، مع مواصلة مليشياته القيام بجرائم حرب ضد خصومها؛ مما يجعلها كغيرها من المليشيات أبعد ما تكون عن الجيش النظامي، واحتوائها على مليشيات دينية متطرفة من المداخلة الذين يتساوون مع «داعش» في تطرفهم ودمويتهم.
ويصف «ويري»، حفتر بأنه يمثل خطراً وجودياً على حكومة الوفاق، وأن دولاً إقليمية تدعمه لخوفها من التيار الإسلامي.
وقد خلصت نقاشات لجنة الشؤون الخارجية إلى عدة توصيات؛ منها دعم قيام دولة ديمقراطية في ليبيا، وضرورة أن يكون لأمريكا دور فاعل في حل الأزمة الليبية، ولكن غير قيادي، كما نصت التوصيات على ضرورة إشراك أطراف ليبية جديدة في الحوار.
ومما ورد في نقاشات لجنة الشؤون الخارجية أن حفتر يرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ويريد فرض نفسه بالقوة على المشهد الليبي، ولعل هذا التقييم هو ما دفع دولة الإمارات العربية الداعم الرئيس لحفتر في المنطقة إلى توجيه دعوة لكل من حفتر، والسراج؛ للقاء في أبوظبي لنفي هذه التهمة عن حفتر.
وبالفعل تم هذا اللقاء في الثاني من مايو الماضي، ولم يصدر عنه أي بيان مشترك؛ لأن ما أكده تقرير لجنة الشؤون الخارجية بخصوص تعنت حفتر ورفضه الدخول تحت اتفاق الصخيرات بصيغته الحالية ومطالبته بدور أساسي وقيادي في المرحلة القادمة كان حقيقياً؛ وهو ما حال دون إتمام أي اتفاق.
وقد كان لهذا اللقاء أصداء كبيرة في ليبيا؛ حيث عارض معظم الثوار والنشطاء الليبين هذا اللقاء، واعتبروه محاولة لإنقاذ حفتر، خاصة بعد الموقف الأمريكي الأخير، واتهموا السراج بأنه شريك في مشروع تمكين حفتر لقبوله الاجتماع معه في أبوظبي، وقد تزايدت مشاعر السخط والاحتجاج في طرابلس ومدن الغرب والجنوب بعد تصريحات وزير خارجية السراج محمد سيالة خلال اجتماع لدول جوار ليبيا في الجزائر بأن حفتر هو قائد الجيش الليبي، وقام محتجون في طرابلس بإغلاق وزارة الخارجية ومنع الوزير من دخولها، وعلقوا عليها صوراً تهاجم حفتر، وترفض تمكينه من أي دور في المشهد السياسي الليبي القادم.
هذا التحرك الرافض لحفتر هو ما دعا السراج إلى الامتناع عن حضور اجتماع دعا إليه رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في القاهرة جمعه مع حفتر؛ خوفاً من زيادة حدة الاحتقان ضد حكومته.
ولعل هذه التطورات والرفض الذي يلاقيه حفتر في مدن الغرب والجنوب هو ما دفعه في السادس عشر من مايو الماضي لإقامة استعراض عسكري في بلدة توكرة التي تبعد عن بنغازي 70 كم في ذكرى إعلان «عملية الكرامة»؛ ليؤكد أنه يحظى بتأييد شعبي في مدن الشرق، ويمتلك قوة عسكرية تمكنه من الاحتفاظ بقيادة الجيش، لكن مظاهر التمجيد والحفاوة المفتعلة التي ظهرت لشخصه أثناء الاستعراض أعادت لليبيين مشاهد القداسة والعظمة التي كان «القذافي» يحيط نفسه بها، وزادت من رفض الليبيين لحفتر بعد أن رأوا كيف تحول هذا الانقلابي في مدة قصيرة إلى دكتاتور مستبد يختفي كل مَنْ حوله ويبقى التمجيد له وحده.
إقامة الاستعراض في بلدة صغيرة بعيداً عن بنغازي أعطت صورة واضحة عن نتائج «عملية الكرامة» التي دخلت عامها الرابع دون أن يتمكن حفتر من إقامة استعراضه العسكري أو احتفاله بذكراها في مدينة بنغازي التي كان تحريرها من الإرهاب هو الهدف من وراء إطلاق هذه العملية حسب زعمه.
دعوة الرئيس الغيني «ألفا كوندي» – رئيس الاتحاد الأفريقي – لوفد من المؤتمر الوطني العام يترأسه نوري بوسهمين، رئيس المؤتمر، ونائبه ورئيس حكومة الإنقاذ؛ أكدت الحاجة الملحة لتوسيع أطراف الحوار، وإشراك القوى الفاعلة على الأرض التي لا يمكن تحقيق الاستقرار بإقصائها، وهي إحدى التوصيات التي خلصت إليها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي.
الموقف الأوروبي تجاه حفتر أصبح أكثر حذراً من التورط في تأييد جنرال مستبد يسعى بشكل محموم إلى السلطة، ويرتكب العديد من الجرائم في سبيل ذلك؛ خوفاً من أن تطالهم تهم دعم الدكتاتورية ودعم مجرمي الحرب بعد مباشرة محكمة الجنايات الدولية التحقيق في دعوى رفعتها بعض المنظمات الحقوقية على حفتر وقيادته بخصوص مزاعم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في بنغازي.