إن التعاون بين الناس أمر جميل، وذلك لتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية، فحاجة الناس إلى بعضهم بعضاً أمر ضروري، بأن يضعوا نصب أعينهم قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (المائدة، 2)، والبر والتقوى كلمتان جامعتان لجميع خصال الخير.
ومما ورد من الأحاديث الشريفة في التضامن الإسلامي، الذي هو التعاون على البر والتقوى، قول النبي صلى الله عليه وسلم: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً وشبك بين أصابعه” (رواه البخاري، برقم 5680).
ومن الصور المشرقة للتعاون المثمر، التعاون الذي تم بين الحكومة الكويتية وتجار الكويت بمبادرة طيبة من الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله، وقد رواها العم عبدالعزيز محمد حمود الشايع في كتابه “أصداء الذاكرة”، ص 124 – 125 قائلاً:
بعد سنوات عدة من الاعتماد في تجارتنا على الناقلة “كاظمة”، التي وصلت الكويت في 4/ 5/ 1959م، شعرنا أن ناقلة واحدة لا تكفي احتياجات الكويت، فاتصلنا بالشركة المصنعة للبواخر “ساسيبو” لإبداء رغبتنا في تطوير عملنا وحاجتنا إلى المزيد من الناقلات الضخمة، فجاء وفد من تلك الشركة اليابانية إلى الكويت لدراسة احتياجات شركة الناقلات، واتفقنا بعدها على المبادئ الأولية، وبعدها سافر عبدالعزيز الصقر مرة أخرى إلى اليابان للتفاوض النهائي مع الشركة، فتم الاتفاق بعد أن وافقت البنوك اليابانية على منحنا قرضاً يغطي تكاليف العملية، لكن الشركة اليابانية طلبت مقابل ذلك أن تكفل القروض الحكومة الكويتية، وذلك لأن رأس مال شركتنا صغير ولا يتحمل مثل هذه المبالغ الضخمة.
ولعدم وجود هاتف دولي ولا فاكس في ذلك الوقت، فقد أبرق لنا عبدالعزيز الصقر من اليابان طالباً إرسال كفالة من الحكومة الكويتية للبنوك اليابانية لكي تتم الصفقة بالسرعة المطلوبة، وكان يحل محل الصقر في الشركة آنذاك نائبه حمود الزيد الخالد الذي عرض الموضوع على مجلس الإدارة، فتقرر إرسال وفد من ثلاثة أشخاص إلى الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله، باعتباره وزيراً للمالية في ذلك الوقت، لطلب كفالة الحكومة منه كما اشترطت الشركة اليابانية، وكان الوفد مكوناً من حمود الزيد، ويوسف الفليج وعبدالعزيز الشايع.
وعرضنا على الشيخ جابر طلبنا، فقال: إنه لا يمانع، لكنه ذكر أن ميزانية شركة الناقلات لا تغطي جزءاً بسيطاً من القرض، فتساءل أمامنا: كيف أمنح الكفالة للشركة في هذه الحالة؟ ولأنه كان حريصاً على أن تتم العملية، اقترح علينا أن يقوم مجلس الإدارة بكفالة القرض على أساس تعهدنا الشخصي كأعضاء لمجلس إدارة شركة الناقلات لتسديد القرض، وطلب توقيعنا على ما يثبت تحملنا المسؤولية في حالة حدوث أي أمر مفاجئ حتى يمنحنا كفالة الحكومة، فوافقنا على ذلك الاقتراح، لكننا طلبنا منه مهلة لعرض الأمر على مجلس الإدارة الذي وافق فيما بعد على تحرير التعهد ووقعناه جميعاً، وسلمناه للشيخ جابر الذي منحنا بموجبه الكفالة المطلوبة، وعندها سارعنا إلى إخطار عبدالعزيز الصقر، الذي كان لا يزال متواجداً في اليابان، ولم تمضِ إلا فترة بسيطة حتى استلم الكفالة وبقي هناك لمدة شهر حتى أتم عقد الصفقة على أكمل وجه، وهكذا تم بناء الناقلة، بل وتم بناء ثلاث ناقلات أخرى أيضاً بعد ذلك.
وهكذا جسد لنا الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله نموذجاً رائعاً للتعاون المثمر بين الحكومة والتجار، وكيف يمكن للسلطات العليا في البلاد القيام بواجبها في الوقت المناسب.