بين شد وجذب، وتلطيف وتوتير، تمضي العلاقة التي يصفها المراقبون بالشائكة بين السلطات المصرية الحالية وحركة المقاومة الإسلامية في فلسطين “حماس”، لا ترسو علي شاطئ واحد، ولا تعرف اتجاهاً واحداً، ولكن الزيارة الأخيرة التي وصفتها الحركة في بياناتها الرسمية بالناجحة تلقي بظلالها على المشهد المرتبك كلياً في القضية الفلسطينية في ظل السعي المحموم لتمرير “صفقة القرن”، والمشهد المتناقض بين استمرار دعوى قضائية في دوائر الإرهاب تعرف باسم “التخابر مع حماس” واستقبال قيادات رفيعة المستوى من حركة “حماس” على رأسهم إسماعيل هنية، رئيس الحركة، الذي وضع اسمه قبل أسابيع على قوائم الإرهاب الأمريكية، وهو ما يحتاج إلى التوقف.
تناقضات متكررة!
يرى مراقبون أن التوتر الحاد بين مصر و”حماس” ارتبط بالمرحلة التالية للإطاحة بالدكتور محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب بالبلاد عبر انقلاب عسكري، بحسب أنصاره، وبرز ذلك في توجه بعض المحامين المحسوبين على النظام إلى القضاء مطالبين باعتبار “حماس” منظمة إرهابية، وبالفعل صدر الحكم باعتبارها منظمة إرهابية في فبراير 2015م قبل أن يتم إلغاؤه من قبل محكمة الأمور المستعجلة بعد حوالي أربعة أشهر من الحكم الأول، وتحديداً في 6 يونيو 2015م، علاوة على الهجوم الإعلامي الذي تعرضت له “حماس” في الإعلام المصري بشكل غير مسبوق، ومع ذلك فإن حادث اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات في 26 يونيو 2015م وما تلاه في 6 مارس 2016م كان قاصماً للعلاقات، حين أكد وزير الداخلية ضلوع “حماس” في عملية الاغتيال وهو الاتهام الذي رفضته “حماس” بشدة، وهو الأمر الذي دفع لزيارة وفد من “حماس” لمصر بعد ستة أيام فقط من توجيه ذلك الاتهام، وكانت تلك هي الزيارة الأولى للحركة لمصر منذ 30 يونيو 2013م، وكانت البداية لجبر الخواطر وبدء التفاعل بطرق أخرى غير القصف الإعلامي والتشويه الأمني.
علاقة شائكة
الخبير المتخصص في الشأن الفلسطيني أحمد الشرقاوي أكد في حديث لـ”المجتمع” أن العلاقة بين “حماس” والنظام المصري تعتبر علاقة شائكة، وكلا الطرفين مجبر على هذه العلاقة، فـ”حماس” ليس لديها كثير من الخيارات لتخفيف حدة ما يتعرض له قطاع غزة، كما أن الروح الرئيسة للقطاع هو معبر رفح في اليد المصرية؛ وبالتالي فإن مصر أياً كان من يحكمها تمثل أهمية كبري لـ”حماس” باعتبار أن الأولى تمتلك كثيراً من أوراق اللعبة سواء بقدراتها أو برغبة المجتمع الدولي والأطراف المعنية بهذه القضية.
وأضاف أنه من ناحية أخرى، فإن مصر لم تجد مفراً من تطبيع العلاقات مع “حماس”؛ لأنها الرقم الصعب في حلحلة القضية الفلسطينية ككل، ولأنها تستطيع تأمين حدود مصر في سيناء، وبالتالي فكلا الطرفين بحاجة للآخر، وفيما يتعلق بالزيارة الأخيرة فكلا الطرفين حقق مبتغاه منها، فما يتعلق بمصر استطاع النظام تأمين الوضع في سيناء من خلال قيام “حماس” بضبط حدودها لمنع أي تسلل من قبل مقاتلي “الدولة الإسلامية” الذين تواجههم القوات المصرية في عملية سيناء 2018م منذ ما يقرب من شهر، ويبدو أن القاهرة أرادت تخفيف قلق “حماس” فيما يتعلق بموضوع “صفقة القرن”، وأن سيناء سوف تكون جزءاً منها، وهو ما ترفضه “حماس” التي تعتبر الأراضي الفلسطينية المحتلة لا بديل لها.
وأوضح الخبير في الشأن الفلسطيني أنه من ناحية “حماس”، فقد حققت الكثير من المكاسب؛ أهمها البحث عن ورقة بديلة للرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يراهن على بقائه بموت “حماس”، وهو ما جرى في القاهرة حيث جرت لقاءات بين مسؤولي الحركة وقريبين من محمد دحلان المنافس لعباس في رئاسة “فتح” ومنظمة التحرير، كما تعرفت “حماس” على القيادة المخابراتية الجديدة بعد تولي عباس كامل مسؤولية المخابرات، وضمنت “حماس” بما قدمته للوفد المصري توضيح صورة ما تفعله حكومة أبو مازن لخنق القطاع، ولذلك كانت هناك إجراءات مصرية بإرسال كمية من الوقود وفتح المعبر وإرسال مواد غذائية عاجلة وربما كان الأهم هو الاتفاق على أن تقوم مصر بتوريد ما يحتاجه القطاع من مواد إعاشة حتى يتم إنهاء مشكلة الحكومة.
وأشار الشرقاوي إلى أن “حماس” استفادت من زيارتها أنها عقدت اجتماعاً لمكتبها السياسي بكامل هيئته في القاهرة، التي أرادت من جانبها أن يكون الاجتماع تحت رعايتها لمراقبته وهو ما غضت “حماس” عنه الطرف لعدم وجود بدائل؛ وهو ما يعني في النهاية العلاقة بين “حماس” والنظام المصري أشبه بالدواء المر الذي يجب على كلا الطرفين تناوله للبقاء على قيد الحياة.
سيناريوهان راجحان
وفي تقدير إستراتيجي لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، يحكم العلاقة بين “حماس” ومصر سيناريوهان راجحان، هما: “الانفراج التكتيكي المشروط”، وينبني على أساس التقاء مصالح الأطراف بشكل مؤقت لتحقيق أهداف مرحلية، تنتهي بزوال مبرراتها، مثل تحقيق الأمن في سيناء.. و”الانفراج الإستراتيجي المستمر”، وينبني على حرص الأطراف المعنية على إنجاح الشراكة، وإلحاقها بخطوات عملية تُرسِّخ التعاون فيما بينها بعد أن تجد ما لهذه الشراكة من فوائد ومصداقية تنعكس إيجاباً عليها كلّها، ليصبح ذلك مساراً مستمراً، يأخذ أمداً طويلاً، لعدم وجود بدائل أفضل لهذه الأطراف.
غير أن الخلافات الجذرية بين هذه الأطراف المتعلقة بـ”التيار الإسلامي”، والموقف من المقاومة المسلحة، والموقف من إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، ومن مسار التسوية السلمية، ومن الثورات والتغيرات في العالم العربي، كلها عناصر تفجير يصعب تفاديها على المدى الطويل، مما يجعل تحقيق هذا السيناريو أمراً أكثر صعوبة أو مستبعداً.
وأشار تقدير الموقف الذي اطلعت عليه “المجتمع” أن من شأن نجاح سيناريو انفراج العلاقة بين القيادة المصرية وحركة “حماس” أن يسفر عن عدد من الانعكاسات المهمة، من أبرزها تعزيز قدرة أجهزة الأمن المصرية على ضبط الأوضاع في سيناء، وتراجع الضغوط الإقليمية والدولية على حركة “حماس” على المدى القصير، لصالح إعطاء فرصة لمصر والإمارات للتأثير بالاتجاه المرغوب إقليمياً ودولياً في توجهات حركة “حماس” السياسية.
معسكران متصارعان!
من جانبه، يرى د. صبحي عسيلة، رئيس برنامج الدراسات الفلسطينية و”الإسرائيلية” بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ومحرر دارسة “مصر وحماس: من “تبريد” التوتر إلى “تدفئة” العلاقات”، أن اللقاء الأهم الذي دعم تلطيف العلاقات كان بين وفد “حماس” برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية وقتها والأجهزة الأمنية المصرية في 23 يناير 2017م، حيث بدا واضحاً منذ ذلك الوقت أن ثمة سياسة واضحة لتبريد العلاقة بين مصر و”حماس”، وأن تكون المرحلة المقبلة من العلاقة بين الطرفين مختلفة عما كانت عليه خلال أغلب فترة الأعوام الستة الماضية، ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الطرفين قررا نهائياً إنهاء مرحلة التوتر، وهو القرار الذي بدأ بتبريد ذلك التوتر ثم إذابة الجليد الذي تراكم على تلك العلاقة ثم الانتقال إلى تدفئة تلك العلاقة توطئة للانتقال للمرحلة الأهم أو الهدف الرئيس وهو إنجاز المصالحة الوطنية الفلسطينية وإعداد الطرف الفلسطيني للتعامل مع استحقاقات وتحديات المرحلة المقبلة في العلاقة مع الطرف “الإسرائيلي”، إلا أنه أشار كذلك إلى أنه يوجد محاولة لإبقاء العلاقة بين مصر و”حماس” في خندق التوتر وإجهاض أي محاولات لتدفئة تلك العلاقة بكل ما تحمله من مصالح إستراتيجية للطرفين.