أدت الفضيحة التي طالت مئات الرهبان الكاثوليك في ولاية بنسلفانيا الأمريكية، إزاء اتهامهم بالتحرش الجنسي بنحو ألف طفل، إلى تجدد الجدل القديم الدائر حول تورط الرهبان الكاثوليك حول العالم بحالات استغلال جنسي مشابهة.
وأعلن المدعي العام في بنسلفانيا، نتيجة تحقيقاته التي استمرت عامين، عن تستر كبار الرهبان المسؤولين في كنائس الولاية والفاتيكان، بشكل ممنهج، عن حالات التحرش الجنسي الواقعة بحق الأطفال.
وبالرغم من تعبير المكتب الإعلامي للفاتيكان عن شعوره بـ “الخجل والأسف”، إزاء الحادثة، إلا أن العالم الكاثوليكي يعاني منذ عقود من اتهامات مشابهة بحق عشرات آلاف الأطفال، في مناطق واسعة من العالم، بدءًا من تشيلي في القارة اللاتينية الجنوبية، وحتى أستراليا في أقصى الشرق.
وكان السفير السابق للفاتيكان في واشنطن، وكبير الأساقفة، كارلو ماريا فيغانو، قد دعا البابا فرانسيس للاستقالة جراء تستره على حالات التحرش الجنسي بالأطفال ضمن حدود الكنائس، ما أدى إلى أخذ العالم الكاثوليكي لهذه النوع من التهم على محمل الجد.
وأعلن البابا فرانسيس، العام الماضي، عن متابعة الفاتيكان نحو ألفي قضية تحرش جنسي بالأطفال، موجهة ضد رهبان، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذه القضايا تسير بشكل بطيء.
اتهامات بحق 4 آلاف راهب في الولايات المتحدة
تعد الولايات المتحدة في مقدمة الدول التي تنتشر فيها حالات تحرش جنسي بالأطفال على يد الرهبان الكاثوليك.
وقبيل شهر فقط من فضيحة بنسلفانيا، كان البابا فرانسيس قد قبل استقالة الكاردينال ثيودور ماك كاريك، البالغ من العمر 88 عاماً، لتورطه في قضايا تحرش جنسي بالأطفال، على مدى سنوات طويلة.
ونشرت منظمة الأمم المتحدة، عام 2014، تقريراً حول حالات التحرش الجنسي بالأطفال في الكنيسة الكاثوليكية.
وجاء في التقرير، أن الفاتيكان يقوم بالتستر على قضايا التحرش الجنسي في الكنائس الكاثوليكية في الكثير من الدول حول العالم.
وحسب دراسة أجراها معهد جون جاي التابع لمؤتمر كبراء الأساقفة الكاثوليك في الولايات المتحدة، عام 2004، فقد تعرض 10 آلاف و667 طفلاً للتحرش الجنسي من قِبل أكثر من 4 آلاف راهب كاثوليكي، ما بين عامي (1950-2002).
وفي عام 2002، دوّت فضيحة تحرش كبرى في مدينة بوسطن، حين تم الإعلان عن قيام الراهب السابق جون غيوغهان بارتكاب جريمة التحرش الجنسي بحق أكثر من 130 طفلاً، ما بين عامي (1962-1995).
وحظي كاردينال المنطقة برنارد لاو بانتقادات لاذعة حينها لتستره على الراهب.
ومن جهة أخرى، تم إنتاج فيلم حول الحادثة تحت اسم “بقعة ضوء”.
إيرلندا
حسب تقرير صادر في البلاد ذات الأغلبية الكاثوليكية، عام 2009، فقد تستر 4 من كبار الأساقفة عن حالات تحرش جنسي بالأطفال، ما بين عامي (1975-2004).
وبالرغم من تقدم الأساقفة الأربع باستقالاتهم للبابا على خلفية الحادثة، إلا أن البابا لم يوافق إلا على طلبات 2 منهم حينها.
وفي تقرير ثان صدر عام 2010، تم الإعلان عن حالات استغلال جنسي وعاطفي بحق الأطفال، على مر 60 عاماً، في عدد من المؤسسات التابعة للكنيسة الكاثوليكية.
ألمانيا
حكمت المحكمة عام 2010، بالسجن لمدة 7 سنوات، بحق راهب في مدينة فريتزلار التابعة لولاية هيسن، على خلفية اعترافه بالتحرش الجنسي بحق 6 أطفال في الكنيسة.
كما اتضح عام 2010 أيضا، قيام معلم كاثوليكي في معهد كانيسوس بمدينة برلين، بالاعتداء الجنسي لسنوات طويلة على الطلاب الذكور.
وفي عام 2016، تم التأكد من قيام القساوسة والمعلمين في جوقة “ريغينسبورغر دومسباتزين” التابعة لواحدة من أشهر الكنائس الكاثوليكية بالبلاد، بالتحرش الجنسي وارتكاب العنف بحق الطلاب.
وقال المحامي المكلف بالقضية، أولريش ويبر: إن ما لا يقل 231 طفلاً تعرضوا للاعتداء الجنسي والعنف ما بين عامي (1953-1992).
وحسب تقرير آخر أعده ويبر، عام 2017، فقد تعرض حوالي 547 طفلا للتحرش والعنف ما بين عامي (1945-1990).
هولندا
أسست إحدى الكنائس في هولندا، عام 2010، لجنة لتقصي حالات التحرش الجنسي بالأطفال، في الكنائس بالبلاد.
وحسب التقرير الذي أصدرته اللجنة، العام الماضي، فقد أعلنت اللجنة تلقيها خلال 8 سنوات حوالي 3 آلاف و712 بلاغا حول قضايا تحرش جنسي.
وعقب صدور التقرير، تقدم نحو 1599 شخصاً بشكاوى في نفس الصدد، تم على إثرها دفع تعويضات مالية لـ941 شخصاً.
واعتباراً من عام 2010، تم إقالة 12 قسيساً، وتعليق مهام قسيسين آخرين، نتيجة اتهامهم بالتحرش الجنسي.
وبلغ مجموع التعويضات التي دفعتها الكنائس للضحايا في عموم البلاد حوالي 28 مليون يورو.
فرنسا
ما زالت الدعوى المرفوعة بحق كاردينال كنيسة ليون الكاثوليكية، فيليب باربارين، إزاء تستره عن حالات التحرش الجنسي، مستمرة، إذ من المنتظر أن تُعقد جلستها المقبلة أوائل العام القادم.
وشهد الرأي العام الفرنسي حالة سخط واسعة، جراء اتضاح نقل توظيف الرهبان المتحرشين إلى أفريقيا، بدلاً من عزلهم ومحاسبتهم أمام القانون.
تشيلي
فُتحت دعاوى قضائية، الشهر الماضي، بحق 158 موظفاً في الكنائس، لتورطهم في قضايا تحرش جنسي.
وطالت الدعاوى الكثير من الأساقفة، ورجال الدين، والموظفين في الكنائس، إذ تشير المعلومات إلى أن حالات التحرش ترجع حتى العام 1960.
ووفق تقرير التحقيقات، فقد تعرض 266 شخصاً، بينهم 178 طفلاً، لعمليات استغلال جنسي.
وكان البابا فرانسيس التقى خلال مايو الماضي، بـ34 أسقفاً، للتباحث في ملف التحرش الجنسي، حيث استمرت اللقاءات 3 أيام، وتقدم الأساقفة بنتيجتها باستقالاتهم بشكل جماعي.
أستراليا
تأسست لجنة ملكية لتقصي حالات التحرش الجنسي، عام 2012، حيث أصدرت تقريرها عام 2017، وجاء فيه أن عشرات الآلاف من الأطفال في الكنائس والمدارس والمؤسسات الحكومية، تعرضوا للتحرش.
وأعلنت اللجنة عن مقابلتها أكثر من 8 آلاف ضحية، فضلاً عن تلقيها اتصالات من 42 ألف شخص، خلال السنوات الخمس.