تدخل موريتانيا مع صدور النتائج شبه النهائية المتوقع، اليوم الإثنين، لانتخابات السبت البرلمانية والبلدية والجهوية، مرحلة من التجاذب الشديد زادت الخصام السياسي بين نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وخصومه في منتدى المعارضة، وذلك طبقًا لما تشير إليه أجواء التوتر الملاحظة.
وتؤكد النتائج التي تم فرزها لحد مساء أمس من مقر لجنة الانتخابات غرب العاصمة نواكشوط، تقدم حزب «الاتحاد من أجل الجمهورية» الحاكم، يليه حزب الإصلاح والتنمية (الإسلاميون) في معظم الدوائر التي حسمت في الشوط الأول، بينما بدأت مرحلة التحضير لانتخابات الشوط الثاني المقررة يوم الخامس عشر سبتمبر الجاري لحسم ما بقي من الترشحات، بحسب صحيفة “القدس العربي”.
وجرت انتخابات يوم السبت دون حوادث تذكر، لكن بتنظيم طبعته الفوضى، حسب تأكيدات العديد من رؤساء الأحزاب في صفي الموالاة والمعارضة.
الرئيس يشيد بنزاهة الانتخابات والمعارضة تشكك
واعتبر الرئيس محمد ولد عبد العزيز، في تصريح أدلى به بعد إدلائه بصوته، «أن الظروف مهيأة بالكامل للانتخابات»، وقال «إن موريتانيا تشهد لأول مرة انتخابات حرة وشفافة».
واشتكى منتدى المعارضة الذي يضم خمسة عشر حزبًا سياسيًا وعدة نقابات وشخصيات مرجعية من الفوضى التي طبعت تنظيم الانتخابات.
وأكد المنتدى في نقطة صحافية أمس أن «تلاعبًا كبيرًا طبع القائمة الوطنية الانتخابية، حيث نقل مسجلون فيها من بلديات يقطنون فيها وسجلوا إلى بلديات بعيدة لا علاقة لهم بها وهو ما حال دون تمكنهم من التصويت».
وفند عثمان بيجل نائب رئيس لجنة الانتخابات ما أكدته المعارضة في تصريحاتها، وقال «هناك مكاتب نقلت من مقراتها التي لوحظ أنها غير آمنة إلى مقرات مجاورة وقمنا بتوجيه الناخبين إليها».
وواجه الناخبون الموريتانيون صعوبات في الإدلاء بالأصوات بسبب كثرة الصناديق وكثرة عدد المترشحين، حيث بلغ عدد الأحزاب المتنافسة في الانتخابات 98 حزبًا سياسيًا من أصل 105 أحزاب هم مجموع الأحزاب المرخصة في موريتانيا.
وبلغ عدد مكاتب التصويت المخصص لاستقبال الناخبين 4035 مكتباً، بينما بلغ عدد صناديق الاقتراع 20175 صندوقًا، حيث يوجد في كل مكتب تصويت 5 صناديق، يخصص أحدها للتصويت للمجالس البلدية، والثاني للمجالس الجهوية، والثالث لنواب الدوائر الانتخابية والمقاطعات، والرابع والخامس للائحتين الوطنيتين المختلطة، والخاصة بالنساء.
وصوت الموريتانيون، حسب نتائج يتوقع نشرها اليوم، على اختيار 157 برلمانيًا هم مجموع أعضاء الجمعية الوطنية، و219 مجلسًا بلديًا، و13 مجلسًا جهويًا تم استحداثها بموجب تعديل دستوري أجري العام الماضي.
وستحسم نتائج أكثر من نصف أعضاء البرلمان (87 برلمانيًا) خلال الشوط الأول من الانتخابات، وذلك بسبب اعتماد النسبية، فيما يتوقع أن يتأجل حسم العديد من الدوائر ذات النظام الأغلبي خلال الشوط الثاني المقرر تنظيمه يوم 15 سبتمبر الجاري.
وصوت، الجمعة، أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن في المكاتب الخاصة بهم، وذلك للتفرغ لتأمين مكاتب التصويت خلال اقتراع بقية الناخبين.
وتتوزع قوائم الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات بواقع 1559 قائمة للانتخابات البلدية متنافسة على 216 بلدية، و161 قائمة جهوية متنافسة على 13 مجلسًا إقليميًا، فيما بلغ عدد القوائم المتنافسة في الانتخابات النيابية 528 قائمة على مستوى المقاطعات، و97 قائمة وطنية و87 قائمة للنساء، متنافسة على 157 مقعدًا في البرلمان.
مليون منتسب جديد للحزب الحاكم!
وواجه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، الذي تقدم في جميع المواقع متحالفًا مع مجرة كبيرة من الأحزاب الموالية له، تحالفات أحزاب المعارضة، وذلك في جو أظهرت خطابات إغلاق الحملة الانتخابية توتره الشديد.
وعول نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز في هذه الانتخابات التي تشكل امتحانًا قبل انتخابات 2019 الرئاسية، على أنصار الحزب الحاكم الذي سجل في حملة انتخابية قبل شهرين، أكثر من مليون منتسب، وهو ما اعتبره الرئيس مؤكدًا لفوز مرشحي حزبه في هذه الانتخابات.
أما المعارضة الموريتانية، فعولت في هذا الاقتراع على ما تعتبره حالة استياء عامة من أداء نظام الرئيس ولد عبد العزيز وعلى المغاضبين الذين لم يروا أنفسهم في ترشيحات الحزب الحاكم وترشحوا تحت لافتة أحزاب أخرى. ويؤكد الدكتور أبو العباس برهام، وهو محلل سياسي بارز، «أنه إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، فإنّ الأمور ستتجِهُ إلى تمثيل المعارضة بالأخصِّ في المناطق ذات الانتخاب النسبي، حيث سيكون لأحزابِها الأربعة الكبيرة نائب فأكثر في بعض هذه المناطق، بينما سيزيد بعضُها، وبالأخصِّ حزب «تواصُل» (الإسلاميون)، على النائب الواحد في اللائحة الوطنية».
وأوصى أبو المعارضة «بتوثيق التزوير وتقديم ملف عمومي به، فكما جرّبنا في 2009 سيكون صعبًا إعداد هذا الملف بعد الانتخابات، لأنّ حالة الإحباط ستنخَر في المناضلين». كما أوصى المعارضة «بتشكيل حكومة ظلّ في هذا الوضع العصيب، مع العودة إلى إنماء أحزابِها، وخصوصًا في ظلِّ الخِدمة التي سيقدِّمها القانون الانتخابي بحلّ عشرات الأحزاب التي لم تتجاوز نسبة 1% من الأصوات».
وقال: «كما كانت انتخابات 2018 الحالية انتخابات التبعثر وفوضى الترشيحات، فإنّ الانتخابات اللاحقة ستكون انتخابات اللملمة والامتصاص؛ يجب امتصاص هذه الأسماك الصغيرة وضبطها في أحزاب معدود».
وشدد أبو العباس على «ضرورة أن تركز المعارضة الموريتانية على مشروعِها التاريخي وتقوية أحزابها، بدلاً من المماحكات السياسية الفارِغة التي استنزفتها وضألتها، إنْ لم تكن قد ضلّلتها».