سألت صديقي: كيف استطعتم تربية أبنائكم هذه التربية الراقية وأنتم في ألمانيا؛ الشباب محافظون، والبنات محجبات أفضل من حجاب بلادنا، ويتسمون جميعاً بالأدب والخلق الرفيع والالتزام الديني الجميل، رغم ما يتعرضون له يومياً من مشاهد ومواقف؟ فأجاب: الفضل بعد الله تعالى يعود للنساء، فقبل سن المدرسة يأخذن الأطفال يومياً إلى المركز الإسلامي، وهناك يقمن بتعليمهم وتربيتهم تطوعاً وتعاوناً، منذ الصباح حتى العصر، ويستكملون باقي الأمور في المنزل، وإذا دخلوا المدرسة يحصلون على متابعة مسائية يومية من الوالدين، ويستكملون الباقي يومي السبت والأحد في المسجد، فحافظنا على هويتنا الإسلامية بكل ثقة واقتدار.. انتهى.
تتركز مشكلة العديد من الناس في الاتكالية وعدم المبادرة، فهم ينتظرون من يخطط لهم، ومن ينفذ لهم، وأحياناً من ينفذ عنهم، وهذه لعمري قمة الاستسلام للواقع حتى لو كان ضدنا.. فهم ينتظرون من يوفر لهم مكاناً للصلاة، ومن يفرشه، ومن يوفر التدفئة، ومن ينظم الدروس، و.. و..! وإذا لم يتوافر لهم ذلك، صلوا في رحالهم!
وهم أيضاً ينتظرون من يوفر لهم مدرسة، سواء نظامية أو مسائية، ولا يبادرون ولا يدعمون ولا يشجعون بقدر ما ينتقدون، وإذا لم يتوافر لهم ذلك، تاهوا أبناءهم في الشوارع والطرقات.
يقول صديق في بريطانيا: كنت فتى شقياً، لم أتعلم شيئاً من الدين ولا التربية، لانشغال والدي بالعمل طوال الأسبوع (كانوا في السابق يمتهنون العمالة الوافدة، فيعملون 6 أيام، 12 ساعة يومياً)، وكانت والدتي أمية، وحصل معي يوماً شجار عنيف أدخلني النظارة، وكاد أن يدخلني السجن، فشعرت بخطورة ذلك على مستقبلي، فبدأت أفكر بترتيب نفسي أولاً لدى شيخ المسجد، ثم قررت العمل لبناء مركز إسلامي يحوي مسجداً ومدرسة وأنشطة للشباب.. انتهى.
وهنا بيت القصيد.. «التعليم»، فنحن أحوج ما نكون الآن في بلاد غير المسلمين لإنشاء مدارس نظامية إسلامية الفكر والقيم والمنهج، ولتكن وفق قوانين البلد ومناهجه، لأن الطلبة سيعيشون في هذه البلاد.. كما نحتاج إلى مدارس مسائية أيضاً، تعلّم القرآن الكريم واللغة العربية والتربية الإسلامية، ومنها يقضي الطلبة وقت فراغهم بما هو مفيد.. أضف إلى ذلك مدارس السبت والأحد الشهيرة، وبالأخص في بلاد الغرب.
وينبغي للقائمين على تلك المدارس أن يواكبوا التطور العلمي والتقني، بحيث لا تكون المدرسة متواضعة لأنها إسلامية، ولا يجوز أن يكون المعلم المسلم أقل كفاءة من غيره، بقدر ما يسعى لتطوير نفسه فكرياً وثقافياً وعلمياً، ليستطيع استيعاب الطلبة الذين جاؤوا من كل منبع مختلف، ويحببهم تعلم أمور الدين لأنها جزء من حياتهم ومستقبلهم.
أعجبتني مبادرتين رائعتين؛ في أستراليا (إسراء)، وفي بريطانيا (نداء)، وهما مؤسستان تقومان على تهيئة المعلمين المسلمين بأفضل مستوى، كما توجهان المعلمين غير المسلمين إلى كيفية التعامل مع الطلبة المسلمين، والتعرف على القيم اليومية التي يعيشونها.. كانت مبادرات فردية، جعلت الجامعات ووزارة التربية تعتمد برامجهما، وتنسق معهما في ذلك.
لقد أشغلتنا الدول صانعة الحروب بعمليات الإغاثة، وتناسى الناس التنمية العقلية والفكرية والعلمية، فالتعليم أحد أبرز أهداف التنمية المستدامة في الأمم المتحدة، مثل الإغاثة والصحة والبيئة.. وغير ذلك، فلا ينبغي أن نضحي بأبناء المسلمين والانشغال عنهم، ولا بد من مبادرات محلية في أوروبا وأمريكا لإنشاء المزيد من المدارس الإسلامية عالية الجودة، والسعي لإضافة القيم الإسلامية في مدارس الدولة، بالتنسيق مع جهات الاختصاص، فأعداد المسلمين فاقت غيرهم، ويستحقون أن توليهم الحكومات الغربية الاهتمام الخاص.
لقد توقفنا عن إعطاء الفقير سمكة، وأعطيناه سنارة ليصطاد ويأكل ويبيع ويربح، لكننا لم نعلمه كيف يصنع السنارة!
والدعوة موصولة للدول الإسلامية الكبرى ورجال الأعمال لتبنّي بناء المدارس في بلاد غير المسلمين، ولو بشكل تجاري، فبعد التعلم الصحيح ستقل الأمراض والانحرافات الفكرية والأخلاقية، وترتقي القيم الإسلامية.. فهل من مبادر؟