يوماً إثر آخر، تتواتر الأنباء من داخل الصين عن حجم البشاعة التي تمارسها الدولة الصينية بحق أقليتها المسلمة.
التقارير تتحدث عن اعتقالات عشوائية، تصفها صحيفة «الجارديان» البريطانية، بأنها «أمر لا يصدق»، مضيفة أن «حوالي مليون شخص في إقليم تشينجيانج اعتقلوا في ظروف غير قانونية لإعادة تثقيفهم، حيث أجبر المعتقلون على كتابة شهادات نقد للذات، والقيام بإنشاد الأغاني الوطنية، والهتاف بالشعارات التي تمجد الحزب الشيوعي الصيني»، مع العلم أن تقارير أممية تحدثت عن أن العدد يقترب من مليونين.
ونقلت «الجارديان» عن معتقلين سابقين، قولهم إنه تم اعتقال أشخاص لأنهم سافروا للخارج، أو لممارستهم شعائر دينية، أو بسبب عدم إتقانهم اللغة الصينية، وتم اعتقال الكثير منهم لأجل غير مسمى.
وكشفت الصحيفة أن «معسكرات الاعتقال هي الملمح الأكثر صدمة في عملية قمع شاملة، وصفتها منظمة «هيومن رايتس ووتش» بأنها تصل حد خرق لحقوق الإنسان لم تشهده الصين منذ الثورة الثقافية، التي أطلق لها العنان في عام 1966».
وتقول الصحيفة إن «العذاب لا ينتهي مع الإفراج عن المعتقلين، فالصدمة تلاحقهم، حيث يخافون من الاعتقال مرة أخرى، وقد تحول إقليم تشينجيانج إلى دولة سرية رقمية، تنتشر فيها نقاط التفتيش، والكاميرات التي تراقب حركة الناس، وتكنولوجيا التعرف على الوجه.
وكانت الصين دائماً تمارس سياسة اليد الحديدية على الإقليم، من خلال القيود على الدين والثقافة، لكن بعد الهجمات التي حدثت عام 2014، بالإضافة إلى عمليات انتحارية وهجمات بالسكاكين على محطة قطارات؛ أعلنت الصين حملة عقوبات قاسية، أسمتها «حملة الضربة القوية»، إلا أن الحملة التي أعلن عنها العام الماضي ذهبت بعيداً، وكما قال أحد الباحثين محذراً فإنه «تم تجريم ثقافة بالكامل».
وتنفي الصين بطبيعة الحال رقم المليون، وتنفي وجود مراكز إعادة التعليم، وتؤكد أن السكان في الإقليم يتمتعون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، لكنها اعترفت بأن بعض سكان تشينجيانج اعتقلوا بسبب اتهامات بالإرهاب، ونقلوا إلى مراكز (التعليم المهني)، فيما تشير الصور التي التقطت بالأقمار الصناعية والوثائق الحكومية الأخرى إلى أن بعض المراكز لها أبراج مراقبة، ومحاطة بالأسلاك الشائكة.
وتلفت الصحيفة الانتباه إلى أن «معسكر تشينجيانج يعكس تحولاً للقمع اتخذته الصين في السنوات الماضية، ربما لأهمية الإقليم الجيواستراتيجية، في سياق مبادرة الحزام والطريق التي تمر في وسط آسيا».
ليس من العسير القول: إن هذه الصحوة الغربية، والأميركية في مقدمتها، على معاناة المسلمين الصينيين، لا تتعلق فقط بالجانب الإنساني، فأمثال ترمب لا تعنيهم الإنسانية أصلاً، بل تتعلق بمساعي لجم صعود الصين التي أسفرت أكثر من ذي قبل عن طموحاتها بتسيّد المشهد الدولي، بعد أن لم يترك لها ترمب مجالاً للمضي في مسيرة الصعود الناعم التي انتهجتها خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
على أن ذلك لا ينفي أن بعض الاهتمام الدولي، وبخاصة من طرف وسائل الإعلام، ذو صلة ببشاعة المشهد في تجلياته الأخيرة، فما تفعله الصين راهناً لا ينتمي للعالم المعاصر، رغم ما يكتنفه من بشاعات يجري الصمت عليها لحسابات سياسية، كما في سورية على سبيل المثال.
والأكثر إثارة للحزن والقهر هو أن الدول العربية والإسلامية لا تبدو معنية بهذا الملف؛ لا الموالية لأميركا منها، ولا المتضررة من سياساتها، ذلك أن منطق السياسة ما زال يشير إلى أن مقارعة الصين الولايات المتحدة هي جزء من التدافع الضروري للمشهد الدولي، وللجم جنون ترمب، لكن ذلك لا يبدو مبرراً بحال، ذلك أن عدم توجيه الإدانات المباشرة لا ينفي إمكانية التواصل المباشر مع الدولة الصينية، واستغلال العلاقات الاقتصادية في السياق، لا سيما أن التبادل التجاري مع بعض الدول العربية يبدو مهولاً، وكذلك مع بعض الإسلامية، فيما يبدو تبرير الصين لما تفعله سخيفاً، وهواجسها حيال المسلمين أكثر سخافة، فلا إقليم تشينجيانج بصدد الانفصال، ولا حدوث حفنة من أعمال العنف (وقع أكثر منها بكثير في الغرب) يبرر هذا القمع الرهيب الذي حدث ويحدث، فيما يقول المنطق إن هذا المستوى من البشاعة يعزز العنف أكثر مما يلجمه.
الخلاصة أن الصمت العربي والإسلامي لا يمكن أن يكون مبرراً بأي حال، ولا بد من قدر من التحرك لنصرة هذه الفئة المستضعفة، فما يجري يندى له جبين الإنسانية، ومن المعيب أن يتحرك بعض الغربيين لصالح المسلمين، بينما تصمت الأنظمة العربية والإسلامية على هذا النحو المعيب.
المصدر: “موقع الأمة”.