قال الرياضي الكويتي زيد عبدالوهاب الرفاعي، الذي يعد أول عربي يتسلق قمة «إفرست»، والمتسلق الـ46 حول العالم الذي تسلق القمم الجبلية السبع الأعلى في قارات العالم: الذي يصعد أعلى قمة في العالم يرى المعجزات رأي العين؛ فالتسلق يجعلك تفكر في ملكوت الله سبحانه وقدرته على الكون، وستكتشف حينها مدى ضآلة الإنسان وحجمه قياساً إلى هذا الكون العظيم.
وأضاف في حواره مع «المجتمع» أن التسلق الجماعي يعينك على التعامل مع أناس تستطيع التأقلم معهم، وآخرين لا تستطيع التأقلم معهم، خصوصاً أن المتسلقين ينتمون إلى مذاهب وديانات وقوميات ودول وألوان شتى.
* نرجو منك أن تعرف القراء بنفسك.
– أولاً: أنا سعيد جداً بلقائي معكم في «المجتمع»؛ فهذه المجلة لها طابع خاص ومميز، وتعتبر من أعرق المجلات الكويتية.
ثانياً: اسمي زيد عبدالوهاب الرفاعي، متسلق جبال، وأعتقد أنه شرف لي أن أكون أول عربي يتسلق 7 قمم، وأول عربي يتسلق جبلين ارتفاعهما فوق 26 ألف قدم، وتسلقت جبالاً عديدة، وأنا من مواليد الكويت، وقد جاءتني فرصة الدراسة في أمريكا، ثم تخرجت وانتقلت إلى سويسرا.
عندما كنت صغيراً كان لديَّ حب الاطلاع والجغرافيا والخرائط والسفر، وكنت أحفظ أسماء الدول وعواصمها ورؤسائها، وهذا كان شغفاً خاصاً ليس له علاقة بالدراسة، بل مجرد نوع من الثقافة، وهذه الأمور جعلتني شغوفاً برياضة التسلق من منطلق الرغبة في رؤية الدول من منظور ثان، ومن زاوية أخرى غير الزاوية التي يراها معظم الناس؛ حيث ينصب اهتمامهم بزيارة المناطق السياحية.
بدأت ممارسة هذه الرياضة عملياً في سويسرا، وكانت البداية في تسلق الجبال الصغيرة، ثم الكبيرة نسبياً، ثم الأكبر والأكبر وهكذا، إلى أن وصلت إلى تسلق جبال الألب، وهي جبال وعرة وخطرة، ثم أتيحت لي فرصة السفر إلى أمريكا الشمالية، وإلى نيبال وغيرها.
* ما شعورك حينما وصلت إلى قمة «إيفرست»؟
– هذا السؤال دائماً ما يُطرح عليَّ، فهو شعور لا يُوصف، حيث كان بمثابة حلم، وليس حقيقة، وما زلت أشعر بهذه اللحظة في بالي وسوف تستمر طوال عمري؛ فالوصول إلى قمة «إيفرست» ليس بالشيء السهل بل هو شيء عظيم وكبير، خصوصاً أن من يصلها يكون فوق السحاب، ويشعر بأنه «سوبر مان» أو عملاق، ويشعر بالتواضع حين يرى القدرة الإلهية التي كوّنت هذه الجبال الشاهقة التي تتجاوز في ارتفاعها 29 ألف قدم، وقد ورد لفظ الجبل في القرآن الكريم كثيراً، مثل قوله تعالى: (وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً {7}) (النبأ)، (وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ {19}) (الغاشية).
فمن يصعد أعلى قمة في العالم يرى المعجزات رأي العين، ويكون بموازاة الطائرة التي تحلق في السماء.
* حدّثنا عن قيمة العمل الجماعي في رياضة التسلق.
– هناك مثل يقول: «يد واحدة لا تصفق»، و«رأي اثنين أفضل من رأي واحد»، وبالطبع الإنسان يحتاج إلى جماعة يؤيدونه ويساندونه في كل شيء؛ فالإنسان بطبيعته اجتماعي، ولا يستطيع العيش وحده، ويحتاج أن يرى أقاربه وأصدقاءه، ويريد أن يشعر بمدى أهميته عندهم، فالعمل الجماعي له فوائد جمة في كل الأمور، فما بالك بعملية التسلق؟
فأيهما أفضل بالنسبة للشخص المتسلق؛ أن يتسلق وحيداً أم في جماعة؟ بالتأكيد التسلق في جماعة أفضل بكل المقاييس، فالشخص في الجماعة يبذل 10% من مجهوده، أما إن كان وحيداً فسيبذل 100% من جهده، وهذا يسبب من المشقة والجهد الكثير والكثير.
والتسلق الجماعي سيعينك على التعامل مع أناس تستطيع التأقلم معهم، وآخرين لا تستطيع التأقلم معهم، والتأقلم ليس شرطاً ضرورياً، خاصة أن الجماعة في التسلق تنتمي إلى مذاهب وديانات وقوميات ودول وألوان شتى؛ فالتأقلم دائماً يكون بين أرواح متقاربة متآلفة، ومع هذا لا يمنع أن يكون هناك تأقلم إنساني.
* ما الشي الذي تعلمته من هذا التجمع الذي عايشته أثناء التسلق؟ وما أثره في حياتك؟
– أسلوبي في الحياة هو تقبّل الناس على طبائعهم، وليس لديَّ عنصرية ضد أي شخص، ولا أحكم على الشخص من منطلق دينه أو مذهبه أو أصله، أو لونه أو لغته، فإن كنت ترغب أن يتقبلك الناس، فعليك أن تتقبل الناس.
فكيف يكون شعورك عندما تسافر إلى دولة ما ويتم توقيفك في المطار لأن ملامحك عربية؟ وكيف يكون شعورك عندما يتم اعتراض أختك أو زوجتك المنتقبة؟ فإن كنت لا أقبل ذلك على نفسي، فكيف أقبله على الآخرين؟
لذا؛ فأنا لا يهمني الشخص إن كان يعبد بقرة أو صخرة؛ فحسابه على الله، ما دام لا يفرض عليَّ دينه أو انحلاله أو أسلوبه، وما دام هو كذلك فلا بد أن أتقبله كإنسان.
لذا فالاختلاط والاحتكاك بين الجنسيات والديانات المختلفة ينمي عقل الإنسان ويجعله متقبلاً للآخرين.
* هل نجحت بالتسلق من المرة الأولى؟
– أصبت في المحاولة الأولى لتسلق قمة إيفرست بالإعياء والإغماء، فحملني الفريق على أكتافه وعادوا جميعاً من منتصف الطريق ولم يتخلوا عني، وكررت المحاولة بعد سنة، ونجحت بفضل الله في الوصول إلى القمة، وهذه من فوائد العمل الجماعي التي أشرت إليها.
* هل ساعدت هوايتك في التسلق على تقوية إيمانك وارتباطك بالله سبحانه وتعالى؟
– نعم، بكل تأكيد، وهذا يجعلك تتفكر في ملكوت الله سبحانه وقدرته على الكون، وستكتشف حينها مدى ضآلة الإنسان وحجمه قياساً إلى هذا الكون العظيم؛ فالجبال الشاهقة والزلازل والانهيارات الثلجية التي تحدث، والشلالات والثلوج والغابات والمياه التي تشق الأرض، والحيوانات الغريبة والعجيبة، كلها تشاهدها وأنت على القمة، وهناك حيوانات تراها لأول مرة، لا تستطيع العيش إلا في الثلوج وعلى ارتفاع 4 آلاف متر من سطح الأرض، وإن انتقلت للحياة الطبيعية على الأرض بكل تأكيد فسوف تتعرض للفناء، لذا فمنبع حياته هو تلك المرتفعات الشاهقة، وكل ذلك دليل على قدرة الله سبحانه وتعالى، وهذا ما يشاهده المتسلق ويراه ويلمسه.
المتسلق يقدر الحياة أكثر من غيره، فعلى سبيل المثال؛ المتسلق ليس لديه مياه، وإن احتاج إلى المياه للشرب، فلا بد أن يقوم بتكسير الثلج وتذويبه من أجل أن يشرب كوباً من الماء، فالماء أساس الحياة، وهو للمتسلق كل شيء، في حين عندما نعيش في بيئتنا الطبيعية لا نعطي أهمية للماء، وربما نترك صنبور المياه مفتوحاً دون أن تهتز لنا شعرة.
المتسلق يمكث شهرين كاملين مرتدياً الحذاء (البوت)، ووزنه يقارب 3 كيلوجرامات، أما في بيتنا نمشي أغلبية اليوم حفاة دون أن نتأثر؛ لأن من يخلع حذاءه أثناء عملية التسلق تتجمد أطرافه، حيث إن الحرارة تبلغ 70 درجة تحت الصفر، وأحياناً 100.
* هل تنصح الشباب بممارسة رياضة التسلق؟
– لا بد للإنسان أن يكون لديه حب الاطلاع، والسفر، والاكتشاف، وأعتقد أنني اكتشفت نفسي ولم أكتشف جبلاً؛ فالجبل موجود، والدول موجودة؛ فقمة «إيفرست» كانت في داخلي، وأنا سعيد أنني قهرت نفسي ولم أقهر الجبل؛ حيث تغلبت على نفسي وكسرتها، وروضتها، وأنا غير مضطر ولم يجبرني أحد، فأنا من عائلة تملك الخير والفضل الكثير، وليست في حاجة إلى المزيد من الغنى، ونعيش في نعمة وأمان وخير والحمد لله.
* هل التسلق أثَّر على حياتك؟
– نعم بكل تأكيد، كان التأثير إيجابياً، فالجبال بالنسبة لي حياتي، وقد ساعدت في تكويني كشخص، خاصة أنني كنت أحب السفر، وتعلّم اللغات، والاهتمام بالأديان، والجغرافيا، وحبي للجبال وتسلقها والقرب منها، كل ذلك ساعد في صقل شخصيتي وتمحيصي.
* كلمة للشباب بخصوص التسلق والصبر؟
– لا أحب كلمة «ما أقدر»؛ فلا بد من السعي، ولا بد للإنسان أن يكون له هدف في حياته ويمشي عليه، ففي تاريخ التسلق لم يستطع أن يتسلق 7 قمم غير 46 متسلقاً فقط، كنت أحدهم، وأنا أول عربي يقوم بذلك، وهذا فخر كبير لي، والذي دفعني لذلك هو طموحي وصبري وإصراري وعزيمتي.
للأسف، البعض منا يبحث عن الأعذار ولا يبحث عن المسببات والدوافع، نبحث عن العذر ونتناسى الدوافع، نبحث عن الحلول السهلة وننأى بأنفسنا عن خوض التجارب والصعوبات، نركن إلى الدعة والراحة، بعيداً عن التعب والمشقة، وقليل منا من يعترف بالحقيقة والتقصير، ويعود إلى الرشد والصواب.
وفي نهاية الأمر، الإنسان إذا أصرَّ على عمل شيء وعزم عليه سيستطيع تنفيذه، فشعاري في الحياة «نقدر.. نستطيع».