لم يعد الكلام عن أثر الإعلام والمسلسلات والسينما والمسرح على القيم في مختلف المجتمعات من باب التنظير والإثبات، فقد تجاوزنا هذه المرحلة إلى الميدانية، من خلال ثلاثة تفاعلات: الوقاية من الآثار السلبية المتوقعة، ولعل هذه تحتاج تشريعات وبرامج تربوية، ومعالجة ما سبق منها من خلال برامج اجتماعية، والتعايش مع الواقع بالاستفادة مما هو متاح.
لقد استخدمت الحكومات في العالم الأعمال الفنية والسينمائية والمسرحية لتحقيق أهدافها المختلفة؛ السياسية والاجتماعية والقيمية والتوعوية والتوجيهية والأمنية، وانتقلت هذه العدوى إلى الأحزاب السياسية والتجار في صراعاتهم مع الحكومات، لتحقيق مآربهم، وأنتجت آلاف الأفلام والمسلسلات والمسرحيات في هذا النطاق لأكثر من نصف قرن، وللأسف فإن معظمها لا تصب في صالح الشعوب، ولو أنفقت تلك الميزانيات في التثقيف والتوعية والتنمية، لتجاوزنا آلاف المشكلات التربوية والفكرية والقيمية والأخلاقية والصحية.
ولا يختلف في ذلك دول الشرق والغرب، ولا الدين واللون والجنس والعرق؛ لأنها ثقافة ومنهج، ولأن المسيطر العام على الإنتاج الفني هم التجار والحكومات، الذين يوجهونها كيفما شاؤوا.. ومع ذلك نسمع أصواتاً إيجابية بين الحين والآخر.. هنا وهناك.. تحاول أن تقدم شيئاً يخدم الإنسان بدل انتهاكه واستعباده.
وأخرجت السينما الغربية مئات الأفلام التي حازت على جوائز لاحتوائها على قيم ومبادئ إيجابية، مثل فيلم «القلب الشجاع»، و»آلام المسيح»، و»المحارب الثالث عشر»، وفيلم «SPOTLIGHT”، وفيلم “22 يوليو”.. وغيرها كثير.
إلا أن السينما العربية التي ننتظر منها إنتاج أفلام تحوي القيم والأخلاق، فلم تنجب المفيد، باستثناء فيلمي “الرسالة”، و”أسد الصحراء”، والأمر يجري على العالم الإسلامي.
وقدمت السينما الإيرانية أعمالاً قيمية كثيرة، إلا أن حاجز اللغة، وضعف الإنتاج، قلل من انتشارها.
وتبقى المسلسلات التي ينتظر منها المسلمون ما يشفي غليلهم، إلا أن معظمها لم تقدم سوى ما يسيء لسمعة مجتمعاتهم، التي انتقدها الكثير من الكتَّاب والمفكرين، فجاءت إطلالات كويتية بإنتاج مسلسل “خالد بن الوليد”، و”عنتر بن شداد”، و”الحسن والحسين”، و”فريج صويلح”، وقد سبقهما العمل التربوي “إلى أبي وأمي مع التحية”.
ورغم وجود مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول مجلس التعاون الخليجي، فإنها توقفت عن التميز بعد العمل الشهير “افتح يا سمسم”.
ومع جمود الإنتاج الفني؛ انبرى الأتراك بإنتاجات راقية جداً، مثل: “قيامة أرطغرل”، و”عبدالحميد الثاني”، و”محمد الفاتح”.. وغيرها من الأعمال التي قدمت التاريخ العثماني بشكل رائع (وإن اختلفت التفاصيل لطبيعة الإنتاج) لتصحح الصورة السلبية التي قدمتها أعمال أخرى.
وحاول المسرح العربي من خلال بعض الروايات القديمة تقديم ما هو مفيد، وحققوا نجاحات طيبة فترة السبعينيات والثمانينيات، لولا اجتياح الأعمال التجارية.. وتدخل السياسة!
ورغم ذلك القصور، فما زال هناك بصيص أمل لمبادرات هنا وهناك لتقديم أعمال فنية راقية؛ تقدم القيم الإسلامية بشكل راق ومقبول للجميع، فأبناؤنا بحاجة ماسة لأعمال هوليوودية ودرامية ومسرحية متميزة، وأعمال بسيطة تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، حتى نستطيع تقديم القيم بشكل أفضل، ونحقق أثراً تربوياً أكثر.