داخل غرفة انتظار مفتوحة تابعة لإحدى عيادات منظمة “أطباء بلا حدود”، الدولية العاملة في قطاع غزة، يجلس العشرات من الشبان الفلسطينيين الذين أُصيبوا برصاص الاحتلال في أوقات سابقة؛ خلال مشاركتهم بمسيرة العودة وكسر الحصار الحدودية.
بعض المصابين يسند عكازاته إلى كراسيهم البلاستيكية التي يجلسون عليها، والبعض الآخر يمدد ساقه المغروس بها مثبتات خارجية (معدنية) على كراس أخرى.
هذا المشهد الذي لم يكن اعتيادياً في قطاع غزة، حيث الأقدام المبتورة أو التي تعاني من جروح خطيرة، من إحدى المشاهد التي تسبب بها الاحتلال ضد المتظاهرين السلميين.
قسم التمريض
في إحدى غرف قسم التمريض، التابعة للمنظمة الدولية، يجلس رامي الهسي (33 عاماً)، على سرير ممداً ساقه المُحاطة بمثبّت خارجي على شكل حلقات معدنية؛ لازمه منذ إصابته برصاص إسرائيلي متفجّر نهاية شهر يونيو الماضي، خلال مشاركته بمسيرة العودة.
بشكل دوري يغيّر الهسي المثبّتات (يُطلق عليها بالعامية اسم أسياخ) المغروسة في ساقه، خوفاً من أي التهابات قد تسببها المثبتات القديمة أو إصابة القدم بالعفن.
فيما ينتظر الهسّي إجراء عملية لزراعة العظم (لم يحدد موعدها بعد) في ساقه اليُسرى بعد أن دمّرت رصاصة الاحتلال المتفجّرة عظم الساق.
العلاج الطبيعي
ومن قسم العلاج الطبيعي، يصدر الشاب إياد الكحلوت (22 عاماً) صوتاً خافتاً يئنّ من شدة الألم الذي يشعر به في ساقه اليمنى التي أصيبت برصاص متفجّر، خلال مشاركته بمسيرة العودة منتصف مايو الماضي.
وهو خاضع للعلاج الطبيعي يقول الكحلوت لوكالة “الأناضول”: “كنت مشاركا بالمسيرات السلمية كباقي الشباب لأجل العودة وفك الحصار ولتحقيق الأهداف، خرجنا سلميين لكن الجيش الإسرائيلي لا يميّز السلمي عن غيره”.
ويطلق جيش الاحتلال نيرانه باتجاه الشبان المتظاهرين لمنعهم من “رفع الأعلام الفلسطينية والهتاف للوطن”، كما قال.
وبينما يشكو بعض المصابين من نقص العلاج في المستشفيات الحكومية، إلا أن المنظمة الدولية (في كافة مناطق تواجدها) توفر العلاج الكامل له ولبقية المصابين، بحسب الكحلوت.
نورة الزعيم، إخصائية علاج طبيعي، تقول وهي تساهم في إعادة الحياة والتوازن لساق الشاب الكحلوت: “إياد أصيب برصاص متفجر، تسبب بكسر في عظمتي الساق الأيمن، والعصب في الساق تأثر، وبسبب عدم استعمال القدم لمدة تزيد عن 6 شهور أصبحت تعاني من ضعف كامل”.
تحاول الزعيم، من خلال جلسات العلاج الطبيعي، أن “تمنع ضمور العضلات في القدم وتقويته لتمكّنه من إعادة المشي عليها”.
كما توفّر المنظمة قسماً للأنشطة الرياضية الخفيفة للمصابين من أجل إعادة تأهليهم للتغلب على إصابتهم والمشي على أقدامهم.
ويمارس المصابون -خاصة من ذوي الإصابات في الأطراف السفلية- تمارين “المشي، والدراجة الهوائية، والأثقال”، داخل المنظمة وتحت إشراف المتخصصين.
إصابات معقّدة
أيمن الجاروشة -نائب منسق مشاريع المنظمة- يقول لـ”الأناضول”، إن الإصابات التي “وصلتهم كانت معقّدة جداً، وتطلب مداخلات جراحية متعددة، فهناك حالات كانت تعاني من تفتت في الأنسجة والعظام”.
وتابع في حديثه لـ”الأناضول”: “نحاول مسابقة الزمن حتى يصل المصابون إلى مرحلة الشفاء، دون أي مضاعفات صحية”.
وأكّد أن العاملين في المنظمة “يحاولون بقدر المستطاع تفادي المضاعفات الصحية التي من الممكن أن يتعرض لها المصابون، من خلال تقديم الخدمة المُثلي لهم، كي يستعيدوا القدرة الجسدية”.
وتختلف طبيعة الخدمات الطبية التي تقدّمها المنظمة الدولية للمصابين، وفق طبيعة الإصابة؛ فهناك من يتردد على عيادات المنظمة بشكل يومي، وهناك بشكل دوري بواقع يومين أو أكثر، وفق الجاروشة.
ويصف الجاروشة عدد الحالات التي تصل عيادات المنظمة الخمسة العاملة في محافظات قطاع غزة، بـ” الكبيرة جداً والمتفاوتة من حيث الوضع”.
وأشار الجاروشة إلى وجود “طواقم جراحة تابعة للمنظمة تعمل بالتنسيق مع وزارة الصحة في المستشفيات الحكومية، وتقدم الخدمات الجراحية اللازمة لهم”؛ ثم يأتي هؤلاء الجرحى للعيادات لتقديم خدمة ما بعد العمليات.
وتنقسم الخدمات التي تقدّمها العيادات إلى قسمي التمريض والعلاج الطبيعي، كما تقدّم المنظمة خدماتها الطبية لنوع آخر من الحالات وهي “حالات الحروق”.
تحذير دولي
وفي وقت سابق، حذّرت “أطباء بلا حدود”، من أن جرحى غزة معرضون للخطر، نظرا لارتفاع عددهم، وخطورة إصاباتهم، وعدم مقدرة الجهاز الطبي في القطاع على تقديم العلاج اللازم لهم.
وقالت المنظمة في بيان لها، صدر نهاية شهر نوفمبر الماضي، اطلعت وكالة الأناضول على نسخة منه: “العدد الكبير من جرحى العيارات النارية في غزة، ذوي الإصابات المعقدة والخطيرة، يفوق قدرة النظام الصحي على الاستجابة لها”.
وأضافت: “ستؤدي هذه الجروح إلى إعاقات جسدية ترافق الكثيرين طيلة حياتهم، بينما قد تكون نتيجة الالتهابات البتر أو حتى الوفاة”.
وذكرت المنظّمة أنها قدمت العلاج لـ 3117 جريحاً في الفترة ما بين 30 مارس و31 أكتوبر الماضي.
وقالت إن بيانات وزارة الصحة الفلسطينية تشير إلى إصابة 5866 جريحاً بالرصاص الحي، في منطقة الساق، “ونتيجة لذلك يعاني 50% منهم من كسور مفتوحة، بينما يعاني كثيرون آخرون من ضرر بالغ في الأنسجة الرخوة”.
وأضافت: “هذه الإصابات حرجة وخطيرة ولا تشفى بسرعة، وتشير خطورتها وعدم توفر العلاج الملائم في النظام الصحي المشلول في غزة إلى ارتفاع خطر الالتهاب لا سيما لدى مصابي الكسور المفتوحة”.
وأكدت المنظمة الدولية أنها “زادت قدراتها في غزة ثلاثة أضعاف”، لكنها أضافت مستدركة:” إلا أن حجم الاحتياجات هائل”.
من جانب آخر، قالت المنظمة إن غزة تفتقر حالياً لإمكانية “تشخيص التهابات العظام، إلا أن منظّمة أطباء بلا حدود -ومن خلال خبرتها- تتوقع أن نحو 25% من مصابي الكسور حصلت لديهم التهابات، مع احتمال أن يكون الرقم الفعلي أكبر بكثير”.
وأضافت:” هذا يعني أن من بين 3000 مصاب بكسور مفتوحة، أكثر من 1000 شخص من سكّان غزة يعانون من هذه الالتهابات.”
وأوضحت المنظمة أن نسبة كبيرة من هؤلاء الجرحى سيحتاجون إلى جراحة تقويمية من نوع ما كي تلتئم إصاباتهم جيداً، إلا أن الالتهابات غير المعالَجة سوف تحول دون ذلك.
و”أطباء بلا حدود”، هي منظمة مساعدات إنسانية دولية غير حكومية تتخذ من مدينة جنيف في سويسرا مقرا لها.
ومنذ نهاية مارس الماضي ينظم الفلسطينيون مسيرات سلمية قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، بغرض المطالبة بفك الحصار.
وواجهت دولة الاحتلال هذه المسيرات بعنف، حيث استشهد أكثر من 240 فلسطينيا.
وبحسب وزارة الصحة بغزة، فإن عدد الجرحى الذين دخلوا المشافي يبلغ 12,879 شخصا، 45.7 في المائة منهم، أصيبوا بالرصاص الحي.
وأضافت الوزارة في بيان سابق إن ما نسبته 49.6% من الجرحى أصيبوا في أطرافهم السفلية، و 8.2%، في الرأس والرقبة.